مكانة المرأة اليهودية وفق النص التوراتي

مكانة المرأة اليهودية وفق النص التوراتي
الدكتور جبر الهلّول
لقد كانت قضية المرأة المسلمة في المجتمعات الإسلامية جزءًا من تدخل الغرب في حياتنا الإسلامية من كل نواحيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث لم يتركوا مؤتمرًا عقد حول المرأة إلا ووجهوا سهام نقدهم لمكانة المرأة المسلمة، حيث ينظرون إليها وفق مقياس الحضارة الغربية التي طغت عليها الحياة المادية وأمست المرأة جزءًا من ماديتها. وهذا المقياس لا يستند إلى أسس علمية وإنما يستند إلى موروث اجتماعي تراكمي لا يمكن من خلاله تحديد النواحي السلبية والنواحي الإيجابية لمكانة المرأة في كل المجتمعات البشرية، وذلك لأن السلبية والإيجابية ليس لها معيار واحد عند كل البشر، وبخاصة فيما يتعلق بالعقائد والأديان. فما نراه في جانب من جوانب الطرف الآخر أنه سلبي، يراه هو إيجابي وفضيلة خلقية وواجب ديني عليه الالتزام به، لأنه جزء من تصوراته العقدية التي نشأ وتربى عليها. لذا لا يجوز علميًا ولا منطقيًا أن نحكم على الآخر من خلال اعتقادنا وتصوراتنا، فما توافق معها نراه حسنًا وإيجابيًا، وما اختلف عنها نراه قبيحًا وسلبيًا.
ومن هنا، تأتي دراسة مكانة المرأة في اليهودية وفق النظرة الدينية التي لها تصوراتها التي يؤمن بها اليهود من خلال مصادرهم الدينية المعتبرة عندهم، ومقارنة تلك النظرة نفسها بما نتصوره من خلال مصادرنا الإسلامية التي نؤمن بها، حيث نجد الفارق الذي يعزز قناعتنا ويقوي إيماننا وتمسكنا بعقيدتنا التي نؤمن بها. وأرصد في دراسة مكانة المرأة في اليهودية الملامح السلبية التي رسمتها لها، من خلال نظرتها لها مقارنة مع الرجل اليهودي نفسه. وبخاصة أن مكانة المرأة بلغة العصر الحديث تقاس بمكانة الرجل قربًا وبعدًا ومساواة، حيث يبقى الرجل هو المعيار والمقياس!!.
ومن الإنصاف إذا كان سياق الدراسة يقتضي رصد الملامح السلبية للمرأة اليهودية من خلال الفكر الديني اليهودي، فإن هذا لا يعني عدم ذكر وجود ملامح إيجابية رسمها لها، لاسيما عند وضعها في إطارها الزمني التاريخي القديم ومقارنتها بملامح المرأة في المجتمعات المعاصرة والسابقة لها في تلك الفترة. ونذكر من تلك الملامح الإيجابية ـ وإن كانت ليست مجال البحث الآن ـ على سبيل المثال فقط: فقد مُجدت المرأة في دور الأم في الفكر الديني، ومن النماذج التي ذكرت فيه "حنة" و"راعوث"، و"مريم"، وغيرهن كثيرات. وكان غطاء الرأس من قبيل خجل المرأة الشريفة وتميزها عن العاهرة (التكوين 24: 65-67). كما سمح للبنات بميزات كإعطائهن حق المطالبة بالميراث كما فعلن بنات "صلفحاد" (عدد 36:10)، وكذلك حقهن في الزواج (عدد 36: 6). كما كان هناك اهتمام بالأرامل (خروج 22: 23). ويضاف إلى ذلك ترجيح بعض أراء النساء على أزواجهن كما في "سارة" وإبراهيم" (عليه السلام) الذي طلب منه "الرب" سماع قولها والاستماع إليها (التكوين21: 12)([1]). كما سمح للنساء في مرحلة من مراحل تكوين الفكر الديني اليهودي المشاركة في الحياة العامة وتولى مناصب رفيعة كالقاضية "دبورة" التي شغلت هذا المنصب، فضلًا عن كونها عرفت في سفر القضاة (الإصحاح 54) بأنها نبية أيضًا، ولها بطولاتها الحربية وخططها العسكرية، وفنونها القتالية التي تكفل الفوز لبني قومها!!([2]).
وبالرغم من وجود الملامح الإيجابية للمرأة اليهودية في الفكر الديني اليهودي والتي إذا ما قورنت بالملامح السلبية فإنها تكاد لا تذكر، مع العلم أن المرأة التي نتناولها هي المرأة اليهودية التي هي جزء من "التكوين الخاص" "للشعب الخاص" الذي  يسمى نفسه "شعب الله المختار"، ومن خلالها يُعرّف اليهودي: بأنه من ولد لأم يهودية. ولإيضاح مكانة المرأة في اليهودية لابد من الوقوف عند أبرز هذه الملامح على النحو التالي:
خطيئة المرأة سبب انحطاط مكانتها:
يرجع بداية انحطاط مكانة المرأة اليهودية وبروز ملامحها السلبية إلى الخطيئة الأولى التي تنسب إلى قصة آدم وحواء كما وردت في سفر التكوين، فبعد خلق الإنسان على صورة "الله" ومباركته لها كما ورد: « 26 وقالَ اللهُ: «لِنَصنَعِ الإنسانَ على صُورَتِنا كَمِثالِنا،... 27 فخلَقَ اللهُ الإنسانَ على صورَتِه، على صورةِ اللهِ خلَقَ البشَرَ، ذَكَرًا وأُنثى خلَقَهُم. 28 وبارَكَهُمُ اللهُ، فقالَ لهُم: «أُنْمُوا واَكْثُروا واَمْلأوا الأرضَ، وأَخضِعوها...»([3]). نجد أن التساوي في الخلق بين الذكر والأنثى ومباركتهما، لم تمنع من التفريق في المسؤولية منذ لحظة ارتكاب الفعل نفسه، وذلك عندما أكلا من الشجرة التي نهيا من أكلها. بل وبسبب فعلتها تلك أصبح الرجل سيدًا عليها مدى الحياة، فقد ورد:«16وقالَ لِلمَرأةِ: «أزيدُ تعَبَكِ حينَ تَحبَلينَ، وبالأوجاعِ تَلِدينَ البَنينَ. إلى زَوجكِ يكونُ اَشتياقُكِ، وهوَ علَيكِ يسودُ».17وقالَ لآدمَ: «لأنَّكَ سَمِعتَ كلامَ اَمْرأتِكَ، فأكَلْتَ مِنَ الشَّجرَةِ التي أوصَيتُكَ أنْ لا تأكُلَ مِنها تكونُ الأرضُ مَلعونَةً بِسبَبِكَ. بِكَدِّكَ تأكُلُ طَعامَكَ مِنها طولَ أيّامِ حياتِكَ. 18شَوكًا وعَوسجا تنبِتُ لكَ، ومِنْ عُشْبِ الحقلِ تقتاتُ. 19بِعَرَقِ جبينِكَ تأكلُ خبزَكَ حتى تَعودَ إلى الأرضِ لأنَّكَ مِنها أُخذْتَ. فأنتَ تُرابٌ، وإلى التُّرابِ تعُودُ»([4]).
فقصة الخطيئة والسقوط بالرغم من أن الرب قد طرد آدم وحواء من الجنة وفرض عليهما عقابًا دنيويًا تبدو قساوته بحق آدم أشد، إلا أنه جعله سيدًا عليها. لكن رجال التوراة لم يكتفوا بذلك، فقد حملوا حواء وحدها وزر الخطيئة والنزول من الجنة والموت للإنسان. لذلك أمطروها بوابل من اللعنات وجعلوها "رجسًا من عمل الشيطان" «وترسخ لديهم الاعتقاد بأن حواء هي وحدها المسؤولة عن ارتكاب المعصية بالأكل من الشجرة المحظورة! ولم يكتفوا بذلك، بل جعلوا من هذه المعصية خطيئة كبرى وموروثة، تنتقل من حواء إلى بنات جنسها من بعدها، وهذا ما جعل فيما بعد "ناثان" يقول: « 7وأنا في الإثْم وُلِدْتُ، وفي الخطيئةِ حبِلَت بي أُمِّي»([5]).
يتضح مما تقدم أن فكرة الخطيئة المنسوبة إلى حواء، قد تدرجت في نفوس رجال اليهودية على مر الأيام حتى جعلوا منها السبب الذي أورث البشرية وزر هذه الخطيئة، وبسببها ـ على زعمهم ـ دخل الموت إلى العالم! لذلك استحقت حواء منهم اللعنة الأبدية، حتى أصبحت في نظرهم "أمر من الموت". وجنحت السلطة الدينية عندهم إلى اعتبار المرأة دون مرتبة الرجل، فجردوها من جميع حقوقها، وحكموا عليها أن تكون تحت سلطة الرجل ـ في مختلف مراحل حياتها ـ إلى أن تموت»([6]). وكان ذلك كله، وفق النص الديني الذي لم يقتصر عقابه للمرأة على آلام الحمل والولادة، ولا على متاعب الحياة الأخرى التي تشترك فيها مع الرجل، بل تعداه إلى تسلط الرجل عليها، فهو سيدها، وهي لا تكون شريكة الرجل، ولا تساويه، بل تسمى فتنة الرجل، وهو يستعبدها لتلد له الأولاد. وذلك بحسب نص رجال الدين عندهم([7]) الذين اعتبروها مصدر الشرور والآثام، وإن كانت سبب وجود الموت في العالم فإنها أمر من الموت ذاته، فقد قال صاحب سفر الجامعة: « 26 فوَجدْتُ أنَّ المرأةَ أمَرُّ مِنَ الموتِ، لأنَّ قلبَها مَصيدةٌ وشَبكةٌ ويَداها قُيودٌ. الصَّالحُ أمام اللهِ ينجو مِنها، أمَّا الخاطئْ فيعلَقُ بها»([8]). لذلك ووفق التصور الديني اليهودي يصعب أو يكاد يستحيل وجود المرأة الفاضلة الصالحة في المجتمع اليهودي، ولهذا يتساءلون في سفر الأمثال:
 «10المَرأةُ القديرةُ مَنْ يَجدُها؟ قيمَتُها تفوقُ الَّلآلئ، َ 11إليها يَطْمَئِنُّ قلبُ زَوجها، فلا يُعوِزُهُ مَغنَم ٌ . 12تَحمِلُ لَه الخيرَ مِنْ دونِ الشَّرِّ، طُولَ أيّامِ حياتِها. 13تَطلُبُ صُوفًا وكتَّانًا وتَعملُ بِيَدَينِ راضيَتَيْنِ، تَجلِبُ طَعامَها مِنْ بعيد 14فتكونُ كالسُّفُنِ التِّجاريَّةِ، ٍ. 15 تقومُ قبلَ طُلوعِ الفَجرِ لتُهَيِّئَ لأهلِ بَيتِها طَعامًا، ولِخادِماتِها عمَلاً»([9]).
فالمرأة الصالحة وفق نظر اليهودية تكاد أن تكون معدومة أو غير موجودة، أو نادرة جدًا بسبب طغيان وجود المرأة الشريرة في الحياة، ولذلك فقد حذر التلمود من المرأة ككل بقوله: «إنه خير للإنسان أن يمشي وراء أسد من أن يمشي وراء امرأة»([10]).
الخطيئة والنظرة الدونية:
إن الخطيئة التي ألبستها اليهودية المرأة جعلت من الرجل سيدًا عليها، وأنزلت مكانتها بالنسبة إليه، وجعلته ينظر إليها نظرة دونية، ويعاملها معاملة الجواري والعبيد مع فوارق بسيطة، فقد سمح للرجل بيع ابنته ضمن شروط نص عليها حسبما ورد: «7وإنْ باعَ رجلٌ اَبنَتَهُ جارِيَةً، فلا تخرُج مِنَ الخدمَةِ خروج العبيدِ. 8 وإنْ كَرِهَها سيّدُها الذي خطَبهَا لِنفْسِهِ فلْيَقبَلْ بِبَيعِها مِمنِ اَشْتَراها لا مِنْ غريبٍ لأنَّهُ غدَرَ بِها. 9 وإنْ أعطاها خطيبَةً لاَبْنِهِ فليُعَامِلْهَا كاَبنَتِهِ. 10وإنْ تزَوَّج باَمْرَأةٍ أُخرى، فلا يُنقِصْ طَعامَها وكِسْوتَها ومُعاشَرَتها. 11فإنْ أخلَ معَها بِواحدةٍ مِنْ هذِهِ الثَّلاثِ تخرُج مِنْ عِندِهِ حُرَّةً بِلا ثَمنٍ»([11]). كما إن بعض الفرق اليهودية اعتبرت البنت في مرتبة الخدم، وإن لأبيها الحق في أن يبيعها ولو كانت قاصرة.([12])
فالمرأة اليهودية وفق التصور الديني قد سلبت خاصيتها الآدمية والإنسانية وجعلت من خاصيات الرجل وممتلكاته الخاصة التي يتصرف فيها كيفما يشاء على النحو الذي يشاء، وأن الاعتداء عليها من رجل آخر هو اعتداء على ملكه وليس عليها مباشرة كإنسان له اعتباره يحرم الاعتداء عليه. ووفق هذا التصور جاء: «21 لا تشتهِ زَوجةَ أحدٍ، ولا تشتهِ بَيتَهُ ولا حقلَهُ ولا عبدَهُ ولا أمتَهُ ولا ثورَهُ ولا حمارَهُ، ولا شيئًا مِمَّا لِسواكَ»([13]). و«17 لا تشتَهِ بيتَ غيرِكَ. لا تشتَهِ اَمرَأةَ غيرِكَ ولا عبدَهُ ولا جاريَتَهُ ولا ثَورَهُ ولا حِمارَهُ ولا شيئًا مِمَّا لهُ»([14]). ومن خلال هذه النصوص تنحدر مكانة المرأة اليهودية في الفكر الديني اليهودي إلى أدنى مستوى حتى تكاد تقترب من مستوى الحيوانات، بل ربما أدنى فهي من عموم الأشياء التي توجد في البيت اليهودي الذي يشمل: المرأة والعبيد والجواري والثور والحمار، والأشياء الأخرى.([15])
إن النص الديني اليهودي قد أعطى الرجل حق اعتبار المرأة جزءًا من ملكيته وأشيائه الخاصة، وقد قال "غوستاف لوبون" في هذا الصدد: «أما التوجيهات الصادرة عن أحبار اليهود والمتعلقة بالمرأة، فقد تأثرت بالتقاليد السابقة لها، حيث أن التوراة تعتبر الزوجة من أملاك زوجها، في مقابل المال الذي قدمه إلى الأب، وهي في مقابل ذلك تتنازل عن حقوقها الإنسانية والمادية»([16]). وضمن هذا السياق فسر تحريم الزنى الذي هو جريمة كبرى في اليهودية وأحد الوصايا العشر « 14لا تزْنِ»([17]) بأن الذي يزني مع زوجة ما، يعتبر الزاني قد اعتدى على زوجها، أي اعتدى على ملكية رجل آخر!!([18]).
المرأة وسيلة لغايات رخيصة:
فالمرأة اليهودية عندما تصبح شيئًا من الأشياء التي يمتلكها الرجل يتدنى مستواها وتفقد أهم ملامحها الإنسانية التي تسمو بها لتكون جنبًا إلى جنب الرجل كغاية أساسية في الحياة وفق الوظيفة الأساسية الموكلة إليهما ألا وهي إعمار الأرض على الوجه الذي يريده الخالق سبحانه وتعالى. ولكن بخلاف ما خلقت لأجله أصبحت المرأة اليهودية وسيلة، وأية وسيلة لأية غاية؟!. وسيلة رخيصة وغاية أرخص، يخجل المرء من ذكرها عادة، ولكن عندما توثق بنص ديني وتكون تلك الوسيلة هي زوجة لنبي يبتغي من ورائها غايات رخيصة تخصه، تصبح القضية أكبر من مسألة عرضية استثنائية تحتمل التأويل، بقدر ما تصبح منهجًا متبعًا وسلوكًا مؤصلًا يرسم ملامح المرأة اليهودية ورضاها بواقعها وبالمكانة التي وضعت فيها من خلال النص الديني الذي تؤمن به. ولعل قصة إبراهيم (عليه السلام) وزوجه سارة وفق ما ذكر في التوراة مثال على ذلك. فقد جاء فيها: «10 وكانَ جوعٌ في أرضِ كنعانَ، فنَزلَ أبرامُ إلى مِصْرَ لِيَتغَرَّبَ هُناكَ، لأنَّ الجوعَ كانَ شديدًا. 11 فلمَّا وصَلَ إلى أبوابِ مِصْرَ قالَ لِسارايَ اَمْرأتِهِ: «أعِرفُ أنَّكِ اَمرأةٌ جميلَةُ المَنظَرِ، 12 فإذا رآكِ المِصْريُّونَ سيَقولونَ: هذِهِ اَمْرَأتُه، فيَقتُلونَني ويُبقُونَ علَيك.  13 قُولي إنَّكِ أُختي، فيُحسِنُوا مُعاملَتي بِسبَبِكِ ويُبقُوا على حياتي لأجلِكِ». 14 ولمَّا دخلَ أبرامُ مِصْرَ رأى المِصْريُّونَ أنَّ المرأةَ جميلةٌ جدُا. 15 وشاهَدَها بعضُ حاشيةِ فِرعَونَ، فمَدَحُوها عِندَ فِرعونَ وأخذُوها إلى بَيتهِ. 16 وأحسَنَ فِرعَونُ إلى أبرامَ بِسبَبِها، فصارَ لَه غنَمٌ وبقَرٌ وحميرٌ وعبيدٌ وإماءٌ وأُتُنٌ وجمالٌ. 17 أمَّا الرّبُّ فضَرَبَ فِرعَونَ وأهلَ بَيتهِ ضَرَباتٍ عظيمةً بِسبَبِ سارايَ اَمرأةِ أبرامَ. 18 فاَسْتَدعى فِرعَونُ أبرامَ وقالَ لَه: «ماذا فعَلْتَ بي، فكَتَمْتَ عنِّي أنَّها اَمرَأتُكَ؟ 19 لِماذا قُلتَ لي: هيَ أُختي حتى أخذتها لِتكونَ زَوجةً لي؟ والآنَ خذِ اَمْرَأتَكَ واَذْهَبْ!» 20 وأمَرَ فِرعَونُ رِجالَه أنْ يُخرجوهُ مِنَ البِلادِ معَ اَمْرأتِهِ وكُلِّ ما يَملِكُ»([19]). فقد استغل أبرام قبل أن يصبح اسمه إبراهيم زوجته الجميلة "ساراي" قبل أن تصبح سارة كوسيلة للبقاء على حياته، عندما طلب منها أن تدعي بأنها أخته بدلًا من زوجته طالما في كلا الحالتين سيأخذها فرعون منه. ولكن هذا التبرير الظاهري يسقط عندما ندرك حقيقة ما قام به أبرام ينسجم مع المنهج الديني اليهودي الذي يعتبر المرأة ملكًا له ومتاعً من أمتعته الخاصة، حيث يجوز له استخدامها كوسيلة للتكسب، وكان سلوك أبرام لا ينم عن خشية على حياته وإنما كان يبتغي من ورائه الحصول على النعم من فرعون التي من أجلها قصد مصر!!.
 "فأبرام" كما صورته توراة اليهود لم يكن إلا «قوادًا يصطحب معه امرأته معه ليصل إلى ما يريد، والأحداث المتلاحقة تشير إلى ذلك، وسفر التكوين نفسه يقدم الدليل على ذلك»([20])، إذ جاء فيه أن أبرام مارس نفس الحيلة عندما انتقل من مصر إلى أرض النقب، حيث ورد: «  واَنتقلَ إبراهيمُ مِنْ هُناكَ إلى أرضِ النَّقَبِ، فأقامَ بَينَ قادِشَ وشورَ ونزلَ بمدينةِ جرارَ. 2 وقالَ إبراهيمُ عَنْ سارةَ اَمرأتِه: «هيَ أختي». فأرسلَ أبيمالكُ، مَلِكُ جرارَ، فأخذَ سارةَ. 3 فجاءَ اللهُ إلى أبيمالكَ في حُلُمِ اللَّيلِ وقالَ لَه: «ستموتُ بسبَبِ المرأةِ التي أخذْتَها، فهيَ مُتزوِّجةٌ برجلٍ». 4 ولم يكُنْ أبيمالكُ اَقتربَ إليها، فقالَ: «يا سيّدي، أأُمَّةً بريئَةً تَقْتُلُ؟ 5 أما قالَ لي إبراهيمُ: هيَ أُختي، وقالت لي اَمرأتُهُ أيضًا: هوَ أخي؟ فبسلامةِ قلبي ونقاوةِ يَديَ فعلْتُ هذا». 6 قالَ لَه اللهُ في الحُلُم: «أنا أعرِفُ أنَّكَ بسلامةِ قلبِكَ فعلْتَ هذا، ولذلِكَ منَعْتُكَ مِنْ أنْ تَمُسَّها فتَخطَأُ إليَ. 7والآنَ رُدَ اَمرأةَ الرَّجلِ، فهوَ نَبيًّ يُصلِّي لأجلِكَ فتحيا. وإنْ كُنتَ لا تردُّها، فاَعلمْ أنَّكَ لا بُدَ هالكٌ أنتَ وجميعُ شعبِكَ». 8 فبكَّرَ أبيمالكُ في الغَدِ واَستدعى جميعَ رجالهِ وأخبرهُم بكُلِّ ما جرى، فخافوا خوفًا شديدًا. 9 ثُمَ دعا أبيمالكُ إبراهيمَ وقال وبماذا أذنبتُ إليكَ حتى جلبْتَ عليَ وعلى مملكتي خطيئةً عظيمةً؟ ما فعَلْتَ بي لا يفعَلُهُ أحدٌ». 10 وسألَ أبيمالكُ إبراهيمَ: «ماذا خطرَ لكَ حتى فعَلْتَ هذا؟» 11 فأجابَ إبراهيمُ: «ظننْتُ أنْ لا وجودَ لخوفِ اللهِ في هذا المكانِ، فيقتلُني النَّاسُ بسببِ اَمرأتي. 12 وبالحقيقةِ هيَ أختي اَبنةُ أبي لا اَبنةُ أُمِّي، فصارت اَمرأةً لي. 13 فلمَّا شَرَّدني اللهُ مِنْ بَيتِ أبي قلتُ لها: تُحسِنينَ إليَ إنْ قلتِ عنِّي حَيثُما ذهبْنا: هوَ أخي». 14 فأخذَ أبيمالكُ غنَمًا وبقَرًا وعبيدًا وجواريَ وأعطى هذا كُلَّه لإبراهيمَ وأعادَ إليهِ سارةَ اَمرأتَهُ. 15 وقالَ أبيمالكُ: «هذِهِ بلادي بَينَ يَديكَ، فأقِمْ حَيثُما طابَ لكَ». 16 وقالَ لسارةَ: «أعطيتُ أخاكِ ألفًا مِنَ الفضَّةِ، وهو لكِ رَدُّ اَعتبارٍ أمامَ عُيونِ كُلِّ مَنْ معَكِ وسِواهُم بأنِّيلم أتزوَّجكِ». 17 فصلَّى إبراهيمُ إلى اللهِ، فشفَى اللهُ أبيمالكَ واَمرأتَهُ وجوارِيَهُ فولَدْنَ، 18 وكانَ الرّبُّ أغلقَ كُلَ رَحِمِ في بيتِ أبيمالكَ بسببِ سارةَ اَمرأةِ إبراهيمَ»([21]).
لم تختلف علمية التكسب التي قام بها إبراهيم عن طريق الادعاء بأن زوجته أخته في المرة الثانية عن المرة الأولى سوى أنه كان في الأولى اسمه "أبرام"، وأن زوجته نفسها سارة التي تدخل الرب لينقذ شرفها الذي قدم من قبل إبراهيم بأبخس الأثمان وأوهن الحجج، ومع ذلك بقي الرب راض عنه، ومستمر في إكرامه، ودائم العقاب لمن يريد الزواج من سارة بعد أن تقدم لهم على أنها فتاة ليست متزوجة وأنها أخت إبراهيم!!.
وهنا نتساءل: لماذا كرر إبراهيم فعلته للمرة الثانية؟! وأين ذهب بالأرزاق التي أخذها من فرعون؟ وكيف يتزوج من أخته؟ بل لماذا يدخل أرضًا وهو يعرف أنها ليست مأمونة الجانب، ويعرف أن "أبيمالك" ـ كما يدعي ـ لا يخشى الله فلماذا إذًا أتى إلى أرضه؟!([22]).
ولو أن الأمر اقتصر على الحادثتين اللتين ذكرتا كتبرير لاستخدام المرأة وسيلة لإنقاذ الحياة مقبولًا على مضض، ولكن جاء ذكر تكرار القصة ذاتها مع نبي آخر من أنبياء بني إسرائيل ولغايات رخيصة أيضًا، وهذا يجعل الأمر لا يعدو كونه منهجًا متبعًا عند اليهود. وكيف لا يكون منهجًا متبعًا وأنبيائهم الذين هم قادتهم وقدوتهم يستخدمون زوجاتهم وسيلة من أجل الحصول على مكاسب مادية رخيصة. فإسحاق مثلًا يقتفي أثر أبيه ويذهب إلى "أبيمالك" في جرار ويمارس الوسيلة نفسها التي مارسها والده من أجل الحصول على المكاسب المادية ومتذرعًا بنفس الذرائع، كما جاء: « وكانَ في الأرضِ جوعٌ غيرُ الجوعِ الأوَّلِ الذي كانَ في أيّامِ إبراهيمَ، فذهبَ إسحَقُ إلى أبيمالِكَ، مَلِكِ الفلِسطيِّينَ في جرارَ...6 فأقامَ إسحَقُ في جرارَ. 7 وسألَهُ أهلُ جرارَ عَنِ اَمرأتِهِ فقالَ: «هيَ أُختي»، لأنَّهُ خافَ أنْ يقولَ: «هيَ اَمرأتي»، لِئلاَ يَقْتُلوهُ بسببِها وكانَت جميلةَ المَنظَرِ. 8 ولمَّا مضَى على إقامتِهِ هُناكَ وقتٌ طويلٌ حدَثَ أنَّ أبيمالِكَ، مَلِكَ الفلِسطيِّينَ أَطَلَ مِنْ نافذةٍ لَه ونظرَ فرأى إسحَقَ يُداعِبُ رِفقةَ اَمرأتَهُ. 9 فدَعاهُ وقالَ لَه: «إذًا هيَ اَمرأتُكَ، فلماذا قلتَ إنَّها أُختُكَ؟» فقالَ إسحَقُ: «لأنِّي ظَننتُ أنَّني رُبَّما أهلِكُ بسببِها». 10 فقالَ أبيمالِكُ: «ماذا فعَلتَ بِنا؟ لولا قليلٌ لضاجعَ أحدُ أبناءِ شعبِنا اَمرأتَكَ فنُذنبَ». 11 وأوصى أبيمالِكُ جميعَ الشَّعبِ قالَ: «مَنْ مسَ هذا الرَّجلَ أو اَمرأتَهُ فموتًا يموتُ». 12 وزرعَ إسحَقُ في تِلكَ الأرضِ، فحصدَ في تِلكَ السَّنةِ مئةَ ضِعفٍ، وباركَهُ الرّبُّ 13 فعظُمَت مكانتُهُ وتزايدَت إلى أنْ صارَ رَجلاً عظيمًا جدُا. 14 وكانَت لَه ماشيةُ غنَمِ وماشيةُ بقَرٍ وعبيدٌ كثيرونَ، فحسَدَهُ الفلِسطيّونَ»([23]).
ويبدو أن استخدام المرأة اليهودية وسيلة لتحقيق مآرب وغايات ترجع بالفائدة على أبناء قومها في بعض الأحيان جعل منها وسيلة مقدسة بنظرهم، يمكنها أن تشجع المرأة اليهودية في كل زمان ومكان على سلوك الطريقة نفسها، ولعل سفر "أستير" يعطي صورة أوضح على كيفية جواز استخدام المرأة اليهودية وسيلة، وكيف أن اليهود قدسوها وجعلوا من اليوم الذي استطاعت "أستير" أن تقنع الملك أن يصدر أوامره مباشرة وفورية تحقق أهداف اليهود بتدمير مملكة "أحشو يروش" وأن تفتك بالأبرياء من أبناء شعبه عيدًا اسمه عيد "الفوريم" الذي يحتفلون فيه في (14و15) من آذار من كل عام.
أحكام شرعية دونية للمرأة اليهودية:
لقد اقتضت المكانة الدونية للمرأة اليهودية وفق ما رسمها لها الفكر الديني أن تخص بتشريعات خاصة تفاضل الرجل عنها، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: فيما يتعلق بالطهارة، حيث نجاسة ولادة الأنثى ضعف نجاسة ولادة الذكر، وأنها تحتاج ضعف المدة لتطهر إذا ما ولدت أنثى مقارنة بالذكر، وذلك بحسب النص التوراتي: « وكلَّمَ الرّبُّ موسى فقالَ: 2«قُلْ لِبني إِسرائيلَ: إذا حَبِلَتِ اَمرأةٌ فوَلَدَت ذَكَرًا، تكونُ نَجسةً سَبعَةَ أيّامِ كما في أيّامِ طَمْثِها. 3 وفي اليومِ الثَّامنِ يُختَنُ المولودُ. 4 وتنتَظِرُ ثلاثةً وثلاثينَ يومًا آخرَ لِيتطهَّرَ دَمُها، لا تُلامِسُ شيئًا مِنَ المُقَدَّساتِ ولا تدخلُ المَقْدِسَ حتى تَتِمَ أيّامُ طُهورِها. 5 فإنْ وَلَدت أُنثى، تكونُ نَجسةً أسبوعينِ كما في  أيّامِ طَمْثِها، وتنتَظِرُ سِتَّةً وستينَ يومًا لِيتطهَّرَ دَمُها»([24]).
أما فيما يتعلق بالميراث ما كانت ترث المرأة اليهودية إلا إذا لم يكن لأبيها ذرية من البنين «8 وقُلْ لبَني إِسرائيلَ: أيُّ رَجلٍ ماتَ ولا اَبنَ لَه، فاَنْقُلوا ميراثَهُ إلى اَبْنَتِه. 9 فإنْ كانَ لا بنْتَ لَه، فأعطوا ميراثَهُ لإخوَتِه»([25]). وحين تحرم البنت من الميراث لوجود أخ لها مانع لها من الميراث، يقع على أخيها واجب النفقة عليها، إذا كان الأب قد ترك عقارًا فيعطيها من العقار، أما إذا ترك مالًا منقولًا فلا شيء لها من النفقة ولو ترك القناطير المقنطرة. وإذا آل الميراث إليها لعدم وجود الأخ لها لم يجز لها أن تتزوج من سبط آخر حتى لا ينقل ميراثها إلى غير سبطها.([26]) وبالتالي فرض على المرأة أن تتزوج داخل دائرة أبناء العم مباشرة أو تحرم من الميراث كلية، وبخاصة أن المرأة طبقًا للنص الديني يضعها الزواج مع ممتلكاتها تحت تصرف ذلك الرجل الذي تزوجته.([27]) كما ورد: «وتقَدَّمَ مشايخ عَشيرةِ بَني جلعادَ بنِ ماكيرِ بنِ منَسَّى، مِنْ عشائرِ بَني يوسُفَ، فتكلَّموا أمامَ موسى والرُّؤساءِ مِنْ مشايخ بَني إِسرائيلَ، 2 وقالوا: «أمرَ الرّبُّ سيِّدَنا موسى ...أنْ يُعطيَ ميراثَ صَلُفْحادَ أخينا لبَناتِهِ. 3 وهُنَّ سيَصِرْنَ زَوجاتٍ لأحدِ أسباطِ بَني إِسرائيلَ، فيسقُط ميراثُهُنَّ مِنْ ميراثِ آبائِنا ويُزادُ على ميراثِ السِّبْطِ الذي يتزَوَّجنَ منهُ، وبذلكَ ينقُصُ ميراثُ آبائِنا. 4 وإذا حانَت سنَةُ اليوبيلِ لبَني إِسرائيلَ، حينَ تُستَرَدُّ جميعُ الأملاكِ المُباعةِ إلى مالِكيها الأصليِّينَ، يُزادُ ميراثُ بناتِ صَلُفْحادَ على ميراثِ السِّبْطِ الذي يتزَوَّجنَ منهُ ويسقُطُ ميراثُهُنَّ مِنْ ميراثِ سِبْطِ آبائِنا» .5 فقالَ موسى لبَني إِسرائيلَ ما أمرَهُ الرّبُّ بهِ: «بالصَّوابِ تكلَّمَ سِبْطُ بَني يوسُفَ. 6 هذا ما أمرَ الرّبُّ بهِ في شأْنِ بناتِ صَلُفْحادَ: يتزَوَّجنَ بِمَن يطيبُ لَهُنَّ، لكِنْ يجبْ أنْ يكونَ مِنْ عَشيرةِ سِبْطِ أبيهِنَّ، 7 حتى لا يتَحوَّلَ ميراثُ بَني إِسرائيلَ مِنْ سِبْطٍ إلى سِبْطٍ، بل يُحافِظُ كُلُّ سِبْطٍ مِنْ أسباطِ بَني إِسرائيلَ على ميراثِ سِبطِ آبائِهِ. 8 وكُلُّ بنْتٍ ترِثُ ميراثًا مِنْ أسباطِ بَني إِسرائيلَ، فلتكُنْ زوجةً لواحدٍ مِنْ عَشيرةِ سِبْطِ آبائِها، ليرِثَ كُلُّ واحدٍ مِنْ بَني إِسرائيلَ ميراثَ آبائِهِ، 9 ولا يتَحَوَّلُ ميراثٌ مِنْ سِبْطٍ إلى سِبْطٍ آخرَ، بل يُحافِظُ كُلُّ سِبْطٍ مِنْ بَني إِسرائيلَ على ميراثِهِ»([28]).
العهر في سلوك المرأة اليهودية:
إن الفكر الديني اليهودي رسم للمرأة اليهودية ملامح المرأة العاهرة الداعرة، حيث هي مستسلمة لقبول الفعل، أو ساعية وراءه تحت ذرائع واهية. فمثلًا "بلهة" سرية "إسرائيل" يعقوب وزوجته، وله منها ولدان، وبحسب ما جاء في سفر التكوين: «22وبَينَما هوَ ساكِنٌ في تِلكَ الأرضِ ذهَبَ رَأوبينُ فضاجعَ بِلْهَةَ، مَحظِيَّةَ أبيهِ، فسَمِعَ بِذلِكَ يعقوبُ»([29]). ولم يفعل يعقوب شيئًا مع ابنه البكر!!([30]). وقد يبدو هذا ليس غريبًا، إذا قلبت أوراق التوراة التي صورت الزنى في وسط نساء أنبياء بني إسرائيل كان شائعًا، وأن الزنى في النساء أداة من أدوات العقاب التي استخدمها الرب تجاه أحد أنبيائه الذي قال له: «قتَلتَ أوريَّا الحثِّيَ بالسَّيفِ، سَيفِ بَني عَمُّونَ، وأخذتَ اَمرأتَهُ زوجةً لكَ...11«وهذا أيضًا ما قالَ الرّبُّ: ها أنا أُثيرُ علَيكَ الشَّرَ مِنْ أهلِ بَيتِكَ، وآخذُ زوجاتِكَ وأدفَعُهُنَّ إلى قَريبكَ فيُضاجعُهُنَّ في وضَحِ النَّهارِ. 12أنتَ فعلتَ ذلكَ سِرُا، وأنا أفعلُ هذا الأمرَ على عُيونِ جميعِ بني إِسرائيلَ وفي وضَحِ النَّهارِ»([31]). وهكذا تأخذ النساء لتمارس فيهن الفاحشة في وضح النهار من دون أن يكون لهن رأي أو قرار، وليس لفعل فعلنه وإنما عقوبة لزوجهم داود فقط!!. «وكأن إله التوراة ممن يحبون أن تشيع الفاحشة لا أن تبقى سرًا ومحددوة..إن العقوبة هي في المحصلة تبرير أصلي للجريمة.. ومسكينة هي المرأة [اليهودية]، هي الجريمة وهي العقاب»([32]). كيف لا والإله الذي خلقها هو الذي جعلها في هذه المكانة الاجتماعية، وليس لها خيار سوى التسليم والقبول!!.
وتنكشف لنا أيضًا بعضًا من ملامح عهر المرأة اليهودية من خلال ما قامت به ابنتا لوط من الزنى بوالدهم العجوز خشية أن يموت ولا نسل له، عن طريق إسكاره ومضاجعته لليلتين وهو نائم لا يعلم!!. وذلك حسبما ورد: «30 وخافَ لُوطَ أنْ يسكُنَ في صُوغرَ، فصعِدَ إلى الجبَلِ وأقامَ بالمغارةِ هوَ واَبنتاهُ. 31 فقالتِ الكُبرى للصُّغرى: «شاخ أبونا وما في الأرضِ رَجلٌ يتزوَّجنا على عادةِ أهلِ الأرضِ كُلِّهِم. 32 تعالَي نسقي أبانا خمرًا ونضاجعُهُ ونقيمُ مِنْ أبينا نسلاً». 33 فسقتا أباهُما خمرًا تِلكَ اللَّيلةَ، وجاءتِ الكُبرى وضاجعت أباها وهوَ لا يَعلمُ بنيامِها ولا قيامِها. 34 وفي الغدِ قالتِ الكُبرى للصُّغرى: «ضاجعتُ البارحةَ أبي، فلنَسْقِهِ خمرًا اللَّيلةَ أيضًا، وضاجعيهِ أنتِ لِنُقيمَ مِنْ أبينا نسلاً». 35 فسقتا أباهُما خمرًا تِلكَ الليلةَ أيضًا، وقامتِ الصُّغرى وضاجعَتْهُ وهوَ لا يَعلمُ بنيامِها ولا قيامِها. 36 فحملتِ اَبنتا لُوطٍ مِنْ أبيهما. 37 فولدتِ الكُبرى اَبنًا وسمَّتْهُ موأبَ، وهوَ أبو المؤابيِّينَ إلى اليومِ. 38 والصُّغرى أيضًا ولدتِ اَبنًا وسمَّتْهُ بنَ عمِّي، وهوَ أبو بَني عمُّونَ إلى اليومِ»([33]). فالمشكلة عند «ابنتي لوط أنهما تريدان الزواج من أي كان، لتحفظ نسل أبيهما، فلم تعثرا على من يتزوجهما (برغم أنهما ابنتا نبي).. فالحل، والأمر هكذا، أن تضطجعا مع أبيهما نفسه!!»([34]).
فالزنى بما فيه زنى المحارم ـ من خلال الأمثلة السابقة ـ كان شائعًا ومقبولًا اجتماعيًا بالرغم من الوصية التوراتية "لا تزن"، وكما كان الرجال لاسيما الأنبياء منهم لا يستعففن عنه، كذلك كن النساء يلهثن وراءه بأساليبهن وحيلهن. حتى بات من يحلم بارتكابه الفاحشة مع أحد محارمه، يفسر من باب التفاؤل إيجابيًا. وقد جاء في التلمود: «من يحلم أنه ارتكب الفحشاء مع أمه، يمكنه أن يصير حكيمًا... ومن يحلم أنه ارتكب الفحشاء مع خطيبته، له أمل كبير في الحصول على صداقة الشريعة!. ومن يحلم أنه ارتكب الفحشاء مع شقيقته، له أمل بإنارة نفسه. ومن يحلم أنه ارتكب الفحشاء مع امرأة قريبه، يحصل على السعادة الخالدة»([35]). وربما جاءت التفسيرات التلمودية للأحلام على هذا النحو، لأن التلمود يغلب عليه الإشارة إلى الجوانب السلبية للمرأة، فهن ثرثارات "أنزل الإله عشرة مكاييل من الكلام للعالم وأخذت النساء تسعة"!. كما يصف التلمود النساء بأنهن طماعات يتجسسن على الأسرار، كما أنهن كسولات وغيورات ودائمات الشجار.
ويمكن القول: إن العهر في سلوك المرأة اليهودية لم يتوقف عبر التاريخ، حيث انتقل معها إلى "إسرائيل" التي أصبحت تصدر العاهرات إلى دول العالم الغربي، وقد تحدث عن ذلك"عبد الوهاب المسيري" قائلًا:  «.. في إسرائيل.. يلاحظ زيادة البغاء بشكل واضح حتى بين طالبات المدارس والفتيات والقاصرات. .. كما أن إسرائيل تصدر العاهرات أيضاً إلى دول العالم الغربي. وقد صدر مؤخراً في إسرائيل قانون يبيح البغاء. وبحسب مشروع القانون المذكور يُسمح للمرأة الوحيدة (أي غير المتزوجة) بممارسة البغاء في بيت أو فندق أو سيارة أو قارب، كما يسمح لها بنشر "الإعلانات المعقولة".
وحاول اليهود الاستفادة من عمليات التطبيع مع مصر بنشر الفساد، وذلك عن طريق إدارة شبكات للدعارة وتزويدها بالإسرائيليات. وقد ضبط بعضها من قبل الأمن المصري. وتهدف إسرائيل من ذلك ضرب المجتمع المصري وإشاعة الرذيلة بين شبابه وشاباته، وهو ما يؤكد دور إسرائيل في نقل مرض الإيدز عبر هذه الشبكات وعبر السائحات الإسرائيليات»(36).
فاستغلال المرأة كوسيلة لغايات رخيصة منهج متبع عند اليهودية وعقيدة يؤمنون بها، لم تتغير ولم تتبدل عبر التاريخ، وإن المكانة التي وضعها فيها الفكر الديني شيء مقدس بالنسبة لها قديمًا وحديثًا، حيث ما زالت تدعو عند كل صلاة صبح: «أحمدك يا رب، لأنك خلقني كما تريد..!! بينما الرجل اليهودي يدعو قائلًا: «أحمدك يا رب لأنك لم تخلقني امرأة»(37).
فمكانة المرأة اليهودية وفق النص الديني التوراتي جعلت بمنزلة أدنى من منزلة الرجل اليهودي، وأصبحت شيئًا من ممتلكاته، ووسيلة من وسائله لتحقيق مآربه وغاياته الخاصة،  وهي بسلبياتها وإيجابياتها جزء من التصور العقدي الذي يؤمن به اليهود.

([1])  صموئيل حبيب: المرأة في الكنيسة والمجتمع، ط1، دار الثقافة، القاهرة، لا تاريخ. ص 32-33.
([2])  فتنت مسّيكة برّ: حواء والخطيئة في التوراة والإنجيل والقرآن الكريم، دار المعارف، بيروت، 1996. ص 45.
[3])) سفر التكوين الإصحاح 1.
([4]) سفر التكوين الإصحاح 3.
([5]) سفر المزامير الإصحاح 51.
([6]) فتنت مِسّيكة برّ: المرجع السابق ، ص 51-52.
([7])  أحمد عبد الوهاب: تعدد نساء الأنبياء ومكانة المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام، ط1، دار التوفيق النموذجية القاهرة، 1989. 190 -191.
([8])  سفر الجامعة الإصحاح 7.
([9]) سفر الأمثال الإصحاح 31.
([10]) فتنت مسيكة بر: المرجع السابق، ص53.
([11])  سفر الخروج الإصحاح 21.
([12])  مصطفى السباعي: المرأة بين الفقه والقانون، ط4، المكتب الإسلامي، دمشق، 1975.
([13])  سفر التثنية الإصحاح 5.
([14])  سفر الخروج الإصحاح 20.
([15])  إمام عبد الفتاح: الفيلسوف المسيحي والمرأة، ط1، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1996. ص 34.
([16]) فتنت مسيكة بر: المرجع السابق، ص54.
([17]) سفر الخروج الإصحاح 20.
([18]) صموئيل حبيب: المرجع السابق، ص38.
([19]) سفر التكوين الإصحاح 21.
([20]) ديب علي حسن: المرأة اليهودية بين فضائح التوراة وقبضة الحاخامات، ط1، الأوائل، دمشق، 2000. ص56-57.
([21])  سفر التكوين الإصحاح 20.
([22]) ديب علي حسن: المرجع  السابق، ص57-58.
([23])  سفر التكوين الإصحاح 26.
([24]) سفر اللاويين الإصحاح 12.
([25]) سفر العدد الإصحاح 27.
([26]) مصطفى السباعي: المرجع السابق، ص 19. وفتنت مسيكة بر: المرجع السابق، ص46.
([27]) الصادق الينهوم: الحديث عم المرأة والديانات، ط1، تالة للطباعة والنشر، ليبيا، 2002. ص 24.
([28]) سفر العدد الإصحاح 36.
[29])) سفر التكوين الإصحاح 35.
[30])) هاني فحص: التهويد الثقافي، المرأة مثالًا، ط1، دار الأمالي، بيروت، 1988. ص 124.
[31])) سفر صموئيل الثاني الإصحاح 12.
[32])) هاني فحص: المرجع السابق، ص130.
[33]))  سفر التكوين الإصحاح 17.
[34])) كاظم الحجاج: امرأة الجنس بين الأساطير والأديان، ط2، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2002. ص82-83.
([35]) المرجع نفسه، ص 92.
(36)  عبد الوهاب المسيري: اليد الخفية، ط1، دار الشروق، مصر، 1992. ص 177.
(37 ) إمام عبد الفتاح إمام: المرجع السابق، ص34.
المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »