علاقة اليهود مع عيسى عليه السلام من خلال "الأناجيل"

علاقة اليهود مع عيسى عليه السلام من خلال "الأناجيل"  
الدكتور جبرالهلّول
إن بحث العلاقة بين اليهود وبين عيسى عليه السلام من خلال "الأناجيل" تكشف عن مدى الأذى الذي لقيه عيسى عليه السلام منهم، وكيف كان اليهود ينظرون إليه مع العلم أن عيسى عليه السلام جاءهم متمماً لشريعة موسى لا ناقضاً لها. وبخاصة أنه قد أرسل إليهم ليدعوهم إلى العودة إلى الشريعة والالتزام بها، بعدما تخلوا عنها، وغرقوا في شرورهم وفسادهم في الأرض .
  ولكن دعوة عيسى عليه السلام لم تجد إلا آذاناً صماء اعتادت على التنصُّت تحت جنح الظلام ، لتنصب شراكها في أقبية البيوت العفنة التي لا يدخلها النور. فقد ناصب اليهود عيسى عليه السلام العداء، ووقفوا في طريق دعوته وحاولوا وضع العراقيل تارة والتحدي تارة أخرى، وكانوا يهزؤون منه مرة ويحيكون مؤامرة ضده مؤامرة مرة أخرى، ويتظاهرون كأنهم الحمل الوديع أمامه حيناً، ولكن قلوبهم قلوب الذئاب، وحيناً أخرى يُكشِّرون عن أنياب حادة تدل على خبث عظيم في الطباع. والسبب في ذلك كله أنهم لم يعترفوا بنبوته لأنه لم يكن من نسل داود، ولأنه عندما ظهر قال لهم: "إنه لم يأت لينقض الناموس بل ليكمله"، وظل يتحدث عن "الأب" الذي في السماوات بدلاً من رب الجنود المحارب المنتقم الذي يريده اليهود أن يكون دائماً معهم في المعركة ضد الأغيار، وألقى موعظة قال فيها : "طوبى لصانعي السلام"، بينما هم وحسب إلههم يهوه أصحاب مشروع  لا يمكن أن يتحقق إلا بالحرب، لذا لم يكن من الممكن ـ بطبيعة الحال ـ أن يعترف به أحد من اليهود بوصفه لم يكن المسيح المحارب المنتظر، ولهذا وصفوه بالمجنون والمشعوذ وبالدجال وبالمضلل وبمفسد إسرائيل وهادمها .
وبسبب عدم اعترافهم بمجيء عيسى عليه السلام الأول ظل اليهود ينتظرون مجيء مسيح محارب خاص بهم في آخر الزمن يبسط حكم صهيون على كل الأرض من "أورشليم" بعد معركة "هرمجون" الرهيبة التي سيذبح فيها ملايين البشر.. وهو ما علق عليه "موسى بن ميمون"(1) باعتدال بالغ قائلاً: "لو كان (عيسى ابن مريم) قد أعاد الهيكل، وكان نجح في لم شمل أسباط إسرائيل من الشتات، لكان قد أصبح من الممكن اعتباره المسيح المنتظر. لكنه لم يفعل شيئاً من ذلك، بل "أعدم" . إذن فهو ليس المسيح الذي علمتنا الشريعة أن ننتظر مجيئه.. لقد علمنا كل "النبييم"(النبيين) أن المسيح الذي ننتظره سوف يكون على يديه فداء إسرائيل وخلاصها وإنقاذ شعبها من النفي، وترسيخ شريعتها، لكن هذا كان (ويقصد عيسى) المتسبب في دمار إسرائيل، وكان المتسبب في استسلامها للذل والشتات، وكان المتسبب في إفساد الناموس وفي تضليل العالم بعبادة إله غير إله إسرائيل...لكنه عندما يأتي المسيح الحق المنتظر ويعلو ويسود سوف يتغير كل هذا ويظهر زيفه وعقمه". (2) 
  ولذلك يبغض اليهود عيسى عليه السلام وأتباعه بغضاً كبيراً، ويبتدئ هذا البغض منذ مجيء عيسى عليه السلام له ، وهو مستمر في نفوسهم لم ينقطع عبر تاريخهم الأسود لينصب مستقبلاً على "روما" عاصمة مسيحي العالم اليوم . لأنهم يريدون أن تخفق راية اليهود الوحيدة فوق العالم بأكمله تحقيقاً لرغبة الاستعلاء والعدوانية عندهم .
  وهذا البغض يدفع إلى التساؤل حول سر العلاقة اليهودية المسيحية اليوم من خلال تبني الولايات المتحدة الأمريكية المشروع الصهيوني ودعمه، ومن خلال تعاطف الأصولية المسيحية مع اليهود .
  وإن كان هذا التساؤل ليس موضوع البحث إلا أنني سأحاول من خلال بحث علاقة اليهود مع المسيح من خلال " الأناجيل " تلمس خيوط الإجابة عليه لأن المؤامرة الصهيونية الصليبية في المنطقة العربية ليست موجهة ضد المسلمين وحدهم وإنما ضد المسيحيين أيضاً لأن دم المسيحي يعتبر بالنسبة لليهود أفضل دم يسفك لصناعة فطير صهيون المقدس !. فقد ورد في التلمود :" من يقتل مسيحياً أو أجنبياً أو وثنياً يكافأ بالخلود في الفردوس والجلوس هناك في السراي الرابعة  (3).
  فالوفاق بين اليهود وبعض الأطراف المسيحية المتأثرة بالفكر اليهودي، لا يعدو كونه وفاقاً ظاهرياً، وذلك لتحقيق مصالح سياسية استعمارية، أو مصالح دينية . إلا أن الحقيقة تبقى كامنة في الحقد اليهودي على كل الغوييم لا فرق بين مسيحي ومسلم ، وإن كان يحاول اليهود سترها، إلا أن عيسى عليه السلام فضحها، ومازالت الأناجيل عند المسيحيين تؤكد ذلك من خلال علاقة عيسى عليه السلام مع اليهود، وتبرهن على أن اليهود لا عهد لهم ولا ميثاق ولا يمكن الركون والاطمئنان إليهم . وهذا ما سوف أعالجه من خلال النقاط التالية : 
  1- نقضهم لشريعة موسى عليه السلام :
  لقد جاء عيسى عليه السلام متمماً لشريعة موسى لا ناقضاً لها، ولهذا كان يدعو اليهود إلى العمل بهذه الشريعة، ولكن اليهود خالفوا شريعة موسى ونقضوا أحكامها وجعلوها تتناسب مع أهوائهم ، وتشبع شهواتهم ، وتقوي تعصّبهم . فمثلاً نجد أن يوم السبت عندهم يوم مقدس فهو يوم راحة، وإن التزام شعائره، الذي هو عيد أسبوعي، أمر إلزامي لا يجوز لأي يهودي مخالفته مهما كانت الظروف لأن تقديسه فرض ديني - اجتماعي لا مناص منه. ولذا على اليهودي ألا يقوم بأي عمل مهما كان بسيطاً، أو كان مهمّاً وخطيراً، ومع ذلك سعوا وراء عيسى عليه السلام في محاولة لقتله لأنه شفى إنساناً يوم السبت. بحجة أنه لا يجوز معالجة المرضى فيه مهما كانت حالتهم خطيرة وتستدعي ذلك، بينما يجوز فيه الختان طبقاً لتعاليم موسى عليه السلام!. وهذا تناقض في سلوكهم وتحريف واضح لشريعة موسى عليه السلام، الذي لا يمكن أن يأمر بترك أعمال الخير ومساعدة المحتاجين، وهذا ما أكده عيسى عليه السلام بقوله :« أما أعطاكم موسى الشريعة ؟ ولكن ما من أحد منكم يعمل بالشريعة! لماذا تسعون إلى قتلي ؟ أجابه الجميع :" بك شيطان ! من يريد أن يقتلك ؟ " فقال يسوع :" عملت يوم السبت عملاً واحداً فاستغربتم جميعاً. إن موسى أوصاكم بالختان - وهذا لا يعني أن الختان يرجع إلى موسى بل إلى الآباء - ولذلك تختنون الإنسان ولو يوم السبت فإن كنتم تجرون الختان للإنسان يوم السبت لكي لا تخالفوا شريعة موسى، فهل تغضبون عليَّ لأني شفيت إنساناً بكامله يوم السبت » (4). وهذا الكلام من عيسى عليه السلام تأكيد على أن اليهود لم يلتزموا بشريعة موسى بل نقضوها وخالفوا تعاليمها، وقاموا بمضايقة عيسى عليه السلام ومحاولة إلحاق الأذى به وقتله لأنه قام بشفاء إنسان من الغوييم بحجة انتهاك حرمة يوم السبت!!.
  2- تآمر اليهود لقتل عيسى عليه السلام :
  إن مصدر الشرور والفساد في العالم يرجع في قسم كبير منه إلى اليهود الذين لا يرعون حقاً لإنسان ، ولا يحترمون قانوناً ولا ميثاقاً. فإن كانوا يحيكون المؤامرات على العالم أجمع من أجل تقويضه أخلاقياً واقتصادياً واجتماعياً، فإن ذلك ليس غريباً وقد حاكوا المؤامرات من قبل ضد الأنبياء والرسل الذين هم صفوة خلق الله على الأرض، لاسيما عيسى عليه السلام الذي تميزت دعوته بالدعوة إلى السلام والمحبة والتعاون بين الناس جميعاً. ولكن اليهود لم يسمعوا لذلك بل كانوا يكيدون له كيداً عظيماً بغية التخلص منه ضمن سلسلة عظيمة من المؤامرات ، ومن هذه المؤامرات التي ورد ذكرها في الإنجيل ما نصه:"ثم انتقل من هناك ودخل مجمعهم، وإذا هناك رجل يده يابسة. وإذا أراد الفريسيون(5) أن يشتكوا عليه بتهمة ما، سألوه :" أيحل شفاء المرضى في يوم السبت ؟" فأجابهم : أي واحد منكم يكون عنده خروف واحد، فإذا وقع في حفرة يوم السبت، أفلا يمسكه وينتشله، فكم هو الإنسان أفضل كثيراً من الخروف ! إذن، يحل فعل الخير يوم السبت. ثم قال للرجل :" مد يدك " فمدها، فعادت سليمة كاليد الأخرى ولكن الفريسيين خرجوا وتآمروا على يسوع  ليقتلوه. فعلم بذلك وانسحب من هناك " (6).
  نلاحظ من خلال ذلك أن الفريسيين دعوا عيسى عليه السلام إلى مجمعهم لكي يشفي رجلاً منهم يده مشلولة في يوم السبت، وذلك ضمن مؤامرة معدّةً منهم لكي يخالف تعاليم يوم السبت عندهم فتكون عليه الحجة فيقتلوه. ويعتبر ذلك السلوك خيانة ونكث لعهد الأمان الذي يجب على الإنسان أن يقدمه للإنسان الآخر إذا دخل بيته أو إذا دعاه. ولكن أنى ذلك السلوك من اليهود تجاه غيرهم، وبخاصة المسيحيين منهم وقد تآمروا على نبيهم عيسى عليه السلام ليقتلوه!!.
  3- خيانة يهوذا الإسخريوطي لعيسى عليه السلام :
  جاء عيسى عليه السلام ليدعو اليهود إلى التمسك بشريعة موسى تمسكاً صحيحاً، ويخلصهم من شرورهم وآثامهم بالتزام طريق الحق، إلا أن من قست قلوبهم من بني إسرائيل رفضوا الامتثال لتلك الدعوة، وحاربوا المسيحية والمسيح عليه السلام منذ اللحظة الأولى للولادة، لأنهم شعروا أن ما سيأتي به سيفضح زورهم وبهتانهم وبعدهم عن الحق. ولهذا قيل أن ملكهم "هيرودوس" عندما عرف بمولد المسيح عليه السلام  أرسل عماله يعملون القتل في جميع أطفال بيت لحم وتخومها، من ابن سنتين فما دون(7). وعندما أخذ المسيح عليه السلام يمارس مهمته في أداء الرسالة التي كلفه الله بها أخذوا يضعون العراقيل أمامه، ويحيكون المؤامرات ضده، وكلما رأوا نجاحاً له في أداء مهمته ازداد غيظهم وازداد مقتهم له لأن في نجاحه فشلاً لهم وهزيمة، وكلما سطع النور تبدد الظلام واختفت خفافيش الظلمة.
وحرصاً من اليهود على الدور الذي أخذوا على عاتقهم القيام به في الحياة، فقد كادوا للمسيح عليه السلام كل مكيدة كعادتهم مع كل الأنبياء والرسل، وفتنوا ضده، وحاولوا تسفيه تعاليمه، وعندما فشلوا في ذلك حاولوا إيذاءه شخصياً، خشية من كثرة أتباعه وازدياد نفوذه، الأمر الذي يهدد وجودهم بشكل فعلي ويحبط جميع مخططاتهم. لذلك لم يوفروا أية وسيلة للتصدي له بما في ذلك استخدام العمالة والدسائس والمكر والخديعة، فبعد اجتماع كبار كهنتهم في منزل أحدهم يدعى " قيافاً" اتخذوا قرارهم بإيذاء السيد المسيح عليه السلام، وخططوا لذلك معتمدين على أحد الحواريين الإثني عشر الذين كانوا من تلاميذه المقربين. وهذا وفق ما جاء ذكره في الإنجيل : «عندئذ ذهب واحد من الإثني عشر وهو المدعو يهوذا الإسخريوطي إلى رؤساء الكهنة وقال :" كم تعطونني لأسلمه إليكم ؟" وزنوا له ثلاثين قطعة من الفضة . ومن ذلك الوقت، أخذ يهوذا يتحين الفرصة لتسليمه» (8).
  ويهوذا هذا كان أحد التلاميذ الإثني عشر المقربين من المسيح عليه السلام والذين يلازمونه في أغلب أوقاته ليتعلموا منه، ويتتلمذوا على يديه، ليحفظوا تعاليمه ووصياه!.ولكن العقلية اليهودية عقلية شيطانية لم تتغير ولو ارتدت لباس الملائكة. فيهوذا لم تتغير طباعه ولم يتهذب سلوكه برغم مصاحبته للمسيح عليه السلام لأن الغدر والخيانة صفة ثابتة ومعششة في فكره وكل حنايا جسده، فمقابل ثلاثين قطعة من الفضة تعهد للكهنة أن يدلهم على عيسى عليه السلام ليقتلوه. وقد ظن أن المسيح لم يكن يعرف باطنه الأسود بتظاهره بأنه أحد تلاميذه المقربين، ولكنه لم يعلم أن الحق لا يخفى على الأنبياء والرسل لأن الله يوحي لهم ويزيل عن بصائرهم غشاوة الجهل ويمدهم بنور المعرفة، فقد فضحه المسيح وكشف مكره وحذره تحذيراً شديداً، وهذا ما جاء في الإنجيل : «وعند المساء اتكأ مع الإثني عشر . وبينما كانوا يأكلون، فقال :" الحق أقول لكم: إن واحداً منكم سيسلمني ." فاستولى عليهم الحزن الشديد، وأخذ كل منهم يسأله : هل أنا يا رب؟ فأجاب :" الذي يغمس يده معي في الصفحة هو الذي يسلمني. إن ابن الإنسان لا بد أن يمضي كما قد كتب عنه. ولكن الويل لذلك الرجل الذي على يده يسلم ابن الإنسان. كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد . فسأله يهوذا مسلمه : هل أنا هو يا معلم ؟ أجابه : أنت قلت» (9).
  ولكن هل هذا الكلام يثني يهوذا عن فعلته التي ينوي القيام بها، ويغير من طبيعته التي  تربى عليها وفق العقيدة اليهودية التي تحثه على ذلك، وتأمره بعدم الالتزام بالعهود والمواثيق لغيرهم، وأن ذلك واجب ديني ينالون به رضا الرب على حد زعمهم ؟. وبخاصة أن ما قام به تجاه عيسى عليه السلام هو دليل على ذلك، فقد ورد في الإنجيل: «وفيما هو يتكلم، إذ يهوذا، أحد الإثني عشر، قد وصل ومعه جمع عظيم يحملون السيوف والعصي، وقد أرسلهم رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وكان مُسلِّمه قد أعطاهم علامة قائلاً :" الذي أُقبِّله فهو هو، فاقبضوا عليه فتقدم في الحال إلى يسوع وقال : سلام يا سيدي !" وقبله بحرارة. فقال يسوع :"يا صاحبي، لماذا أنت هنا ؟" فتقدم الجمع وألقوا القبض على يسوع» (10).
  فهذا هو المكر وهذه هي الخديعة والخيانة العظيمة، وأي شيء أكبر من أن يخون يهوذا المسيح عليه السلام ليسلمه إلى الكهنة ليقتلوه، وبخاصة بعدما حيَّا المسيح بالسلام الذي لا يعرف معناه غيرهم قائلاً : «سلام يا سيدي »!!. وهذا السلام هو سلام القتل والغدر بالآخر، أي السلام الذي يسعى اليهود ليعيشوه على الأرض بعد التخلص من الغوييم واستعبادهم، وما تقبيل يهوذا للمسيح عليه السلام بحرارة إلا تعبير عن فرحه الكبير بالخلاص منه، لاسيما أن من يسلمه ليس إنساناً عادياً بل هو نبيٌّ مرسل له دعوته وله أتباعه وتلاميذه وله تأثيره الكبير في مقاومة شرورهم وفسادهم .
ومازال اليهود يعتقدون وحسب التلمود، أن عيسى عليه السلام من قبل محكمة حاخامية مختصة، بتهمة الوثنية، لأنه حرض بعض اليهود الآخرين على عبادة الأوثان، ولأنه احتقر السلطة الحاخامية. وجميع المصادر اليهودية التقليدية التي تذكر إعدامه مسرورة جداً بتحمل مسؤولية هذا الإعدام. كما إن اسم "يسوع" ذاته بالنسبة لليهود يعتبر رمزاً لكل ما هو بشع. وبخاصة أن الصيغة العبرية لاسم "يسوع" ـ يشوعا ـ فسرت على أنها الأحرف الأولى للعنة: « فليتمكن اسمه وذكره من الاختفاء»، التي تستخدم شكلاً متطرفاً من الشتائم.
  لكن ومن خلال خيانة يهوذا الإسخريوطي للمسيح عليه السلام هل أدرك من يفاوض اليهود ووقع اتفاقيات سلام معهم، أي سلام ينتظرهم، وأي قُبَلٍ حارة يُقَبِّلهُم إيَّاها اليهود بعد التوقيع ؟!.
  والجواب ليس بصعب ولا يحتاج إلى كبير عناء في التفكير فالسلام سلام الموت والقبلة قبلة الخلاص منهم، حيث يقبض اليهود مقدرات الأمة وخيراتها. والمسيحيون لاسيما في بلادنا، ليسوا مستثنين من ذلك فهم كأبناء هذه الأمة لهم ما لها وعليهم ما عليها. وما نظرة اليهود إليهم بأحسن من نظرة اليهود إلى المسيح عليه السلام، ولن يكون مصيرهم على أيد اليهود بأحسن من مصيره. والسلام الذي يسمعون عنه من اليهود هو السلام ذاته الذي حيَّا به يهوذا المسيح عليه السلام . ولهذا فاليهود لا أمان لهم ولا سلام، وقد ورد في الإنجيل أن المسيح خاطبهم قائلاً: «أيها الجيل غير المؤمن والأعوج، إلى متى أبقى معكم؟وإلى متى أحتملكم ؟! جيل شرير خائن»(11). إذاً فاليهود جيل شرير خائن هكذا وصفهم المسيح عليه السلام، وهذه الصفة صفة ملتصقة بهم لا انفصام لها ما داموا على قيد الحياة، ولذلك هم يتقنون بعناية بالغة الخديعة والمكر والنفاق. وهذا ما دفع المسيح عليه السلام إلى القول متسائلاً : «يا أولاد الأفاعي كيف تقدرون وأنتم أشرار أن تتكلموا كلاماً صالحاً ؟!» (12).
  إذن يُكنُّ اليهود للمسيحيين عداءً كبيراً ابتدأ بمجيء المسيح عليه السلام، واستمروا على ذلك طيلة حياته بينهم إلى أن ساقوه إلى الصليب ليقتلوه. حيث انتقلت عدوانيتهم إلى أتباعه من بعده ليمارسوا ضدهم القتل والتحريق والتعذيب، وذلك كما حدث لأصحاب الأخدود في مدينة نجران في اليمن على يد الملك اليهودي "ذي نواس" حيث لم تكن جريمتهم إلا أنهم مؤمنون برسالة عيسى عليه السلام واليهود يريدون فتنتهم عن إيمانهم هذا .
  لذلك على المسيحيين أن يدركوا من خلال علاقة اليهود مع المسيح عليه السلام، وما حدث من بعده لأتباعه أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام مع اليهود، أو تطبيع معهم لأن الذين خاصموا المسيح عليه السلام نفسه، لا يمكن أن يكونوا أصدقاء لأي مسيحي من بعده، وقد صرحوا بذلك في أدبياتهم مرات كثيرة، فقد ورد في التلمود وفق ما ذكره الأب براناتيس: «اليهودي وحده يحترم كرجل، كل ما ومن في العالم له، وجميع الأشياء يجب أن تكون في خدمته، خصوصاً الحيوانات التي لها أشكال آدمية .... إنهم يعتبرون جميع أنواع التعامل مع المسيحيين مفسدة، وانتقاصاً من قدر كرامة اليهودي، وعلى هذا ، فالمفروض على اليهود أن يتعهدوا بالابتعاد، قدر المستطاع في عيشهم وتعاملهم عن المسيحيين ». (13)
وقد ورد في التلمود: «على اليهود أن يعاملوا المسيحيين كحيوانات دنيئة غير عاقلة»، واعتبروا كنائسهم «كبيوت الضالين ومعابد الأصنام فيجب على اليهودي تخريبها»(14). ولم تكن هذه التعاليم في الماضي السحيق وقد تبدلت اليوم، وإنما هي ثابتة لا تتغير، وقد أكد ذلك "إسرائيل شاحاك" فقال: «على سبيل المثال، إضافة إلى الاتهامات الجنسية البذيئة ضد يسوع، ينص التلمود على أن عقوبة يسوع في الجحيم هي إغراقه في غائط يغلي ـ وهي عبارة لا تجعل التلمود مقبولاً من المسيحيين المؤمنين ـ كما التذكير بالوصية التي يؤمر اليهود بموجبها بإحراق أي نسخة من الإنجيل، علانية إذا أمكن، أن تقع بين أيديهم. هذه الوصية ليست موجودة في الوقت الراهن وحسب، بل وتمارس أيضاً. ففي الثالث والعشرين من مارس 1980، أحرقت مئات من نسخ الإنجيل علانية وبصورة احتفالية في القدس تحت رعاية "ياد لعاخيم" وهي منظمة دينية تتلقى المعونات المالية من وزارة الشؤون الإسرائيلية»(15).


(1)  موسى بن ميمون: (1135-1204م) أبو عمران موسى بن ميمون بن عبيد الله القرطبي. فيلسوف يهودي، ولد في قرطبة وتعلم بها، ثم انتقل إلى القاهرة التي أصبح فيها رئيساً روحياً لليهود المصريين حتى وفاته. ولابن ميمون مكانة عظيمة لدى اليهود، حتى أنهم يشبهونه بموسى ـ عليه السلام ـ قائلين: "من موسى إلى موسى لم يظهر واحد كموسى". ومن أهم مؤلفاته: مشناة التوراة ودلالة الحائرين. توفي ابن ميمون في مصر، ودفن في طبرية في فلسطين!.
 (2) شفيق مقار المسيحية والتوراة، ط1، رياض الريس، نيوسيا، قبرص، 1991. ص55. 
(3)   د.كامل سعفان : اليهودية تاريخ وعقيدة، لا. ت. لا. مكان. . ص 149 .
(4)  الإنجيل يوحنا. 7 :19 - 23 .
(5)      الفريسيون: فرقة دينية متعصبة يؤمنون بجميع مصادر الفكر الديني اليهود بما فيها أقوال الأحبار اليهود. ويشكل الفريسيون أهم فرق اليهود وأكثرها عدداً في تاريخ اليهود القديم والحديث. وهم فرسان القومية اليهودية العنصرية والمغالون فيها. وقد كرس الفريسيون أنفسهم لدراسة الشريعة اليهودية وتفسيرها، ويدعون أنهم متبعون لقوانين موسى الأبدية في نظرهم التي لا تقبل التغيير والتبديل. وهم الذين ألفوا التلمود، وادعوا أنه كتاب أنزل على موسى شفاهاً، وأنزلوه منزلة أسمى من منزلة التوراة،...والفريسيون هم الذين زرعوا في عقيدة اليهود ما سطره لهم حاخاماتهم من أن اليهود جزء من إلههم، مثلما الابن جزء من أبيه، ولذلك ذكروا في اتلمود أن الفرق بين درجة الإنسان والحيوان هو بقدر الفرق الموجود بين اليهود وبقية الشعوب. والفريسيون في العصر الحديث هم أشد اليهود تعصباً وتمسكاً بالأرض في فلسطين والإصرار على العودة إليها، ومنهم الحاخامات الذين يسيطرون على حزب الليكود والأحزاب والحركات الدينية في إسرائيل لاسيما المتشددة منها. والفريسيون المعاصرون لا يكونون فرقة دينية، بقدر ما يمكن أن يطلق عليهم حزباً سياسياً له اتجاهات دينية تتداخل في نسيج المجتمع الإسرائيلي. انظر: السيد أحمد فرج: اليهود واليهودية، التاريخ والعقيدة، ص95-98.
(6)  إنجيل متى . 12: 9 - 15 .
(7) أسعد السحمراني : الإسلام بين المذاهب والأديان ،ط2 ، دار النفائس بيروت . 1413هـ - 1992 ، ص 112 .
(8)   إنجيل متى . 26 : 14-16 .
(9)   إنجيل متى . 26 : 20 - 25 .
(10)   إنجيل متى . 26 : 47- 50 .
(11)   إنجيل متى . 19 : 17 .
(12)  إنجيل متى . 12 : 24 .
(13) نقلاً عن:  د.أسعد السحمراني : من اليهودية إلى الصهيونية، ط1، دار النفائس، بيروت، 1993 . ص 221 .
(14)   إبراهيم خليل احمد إسرائيل والتلمود،ط2، مكبة الوعي العربي، 1983. ص79-80.
(15)  إسرائيل شاحاك: الديانة اليهودية وموقفها من غير اليهود، ط1، سينا للنشر، مصر، 1994.ص28-29.
المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »