الاحتضان الدولي للمشروع الصهيوني



الاحتضان الدولي للمشروع الصهيوني 
الدكتور جبر الهلّول
إن الاحتضان الدولي للمشروع الصهيوني لم ينفك لحظة عن اتخاذ القرارات والخطوات اللازمة لبنائه وتثبيت وجوده في المنطقة،  فقد حصل اليهود بقرار الجمعية العامة (181/2) على (البراءة) المزعومة في أقسامها الثلاثة السابقة (وعد بلفور، وصك الانتداب، وقرار التقسيم) وهي ما تعرف عندهم بـ(الحق القانوني) الذي وعد – بموجبه – من لا يملك (بريطانيا، عصبة الأمم، هيئة الأمم المتحدة) إقامة وطن لمن ليس له حق (اليهود)، في أرض الآخرين (فلسطين).
وقد حصل اليهود على هذه (البراءة) نتيجة الجهود التي بذلوها والمحاولات التي قاموا بها من أجل (استعادة الوطن القومي اليهودي) بمؤازرة كافة القوى والمنظمات الدولية التي كانت السبب الرئيسي، في قيام "الدولة اليهودية" على أرض فلسطين([1]). بل إن قرار التقسيم الدولي جاء ليعلن الانتهاء من تكوين "الدولة" ويصبغ عليها الصفة الشرعية في المجتمع الدولي. وهذا ما تأكد في الخطوة اللاحقة من النشاط اليهودي، إذ في الساعة السادسة مساء يوم 14 أيار 1948 تم الإعلان الصهيوني من قبل الوكالة اليهودية، عن قيام "دولة إسرائيل"([2]). وكان ذلك اليوم آخر الأيام المقررة، لإنهاء الانتداب البريطاني، على فلسطين – وقد بني إعلان قيام الدولة على وعد بلفور وصك الانتداب وقرار التقسيم. وقد جاء في بيان الإعلان الذي تلاه بن غوريون ما يلي:
«نشأ الشعب اليهودي في أرض إسرائيل، وفيها اكتملت صورته الروحانية والدينية والسياسية. وفيها عاش حياة مستقلة في دولة ذات سيادة، وفيها أنتج ثرواته الثقافية القومية والإنسانية، وأورث العالم أجمع كتاب الكتب الخالدة!! [التوراة]… وبدافع الصلة التاريخية التقليدية أقدم اليهود في كل عصر على العودة إلى وطنهم القديم والاستيطان فيه…
وفي عام… 1897م عقد المؤتمر الصهيوني تلبية لنداء صاحب فكرة الدولة اليهودية… تيودور هرتزل وأعلن حق اليهود في النهضة الوطنية في بلادهم.
وقد اعترف تصريح بلفور في 2/11/1917 بهذا الحق وصادقت عصبة الأمم على هذا الحق بموجب صك الانتداب، الذي أكسب بصفة خاصة مفعولية دولية للصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بأرض إسرائيل، وبحق الشعب اليهودي في تشييد وطنه القومي…
… وقد اكتسب اليهود بدماء جنودهم وبجهودهم الحربية [في الحرب العالمية الثانية] حق اعتبارهم من الشعوب التي وضعت الأسس لميثاق الأمم المتحدة.
وبتاريخ 29/11/1947، اتخذت الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة قراراً يقضي بإقامة دولة يهودية في فلسطين، وطالبت الجمعية العمومية للأمم المتحدة أهالي فلسطين باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذا القرار بأنفسهم.
إن اعتراف الأمم المتحدة بحق الشعب اليهودي في إقامة دولته غير قابل للإلغاء… وعليه فقد اجتمعنا نحن أعضاء الشعب، ممثلو المجتمع اليهودي في البلاد والحركة الصهيونية، في يوم انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وبحكم حقنا الطبيعي والتاريخي وبمقتضى قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة، تعلن عن إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل هي دولة "إسرائيل", وإننا لنقرر أنه ابتداء من اللحظة التي ينتهي فيها الانتداب الليلة، ليلة (15 أيار 1948م)… يقوم مجلس الشعب مقام مجلس الدولة المؤقت وتكون هيئته التنفيذية… هي الحكومة المؤقتة التي تسمى "إسرائيل" …
إن دولة "إسرائيل" لمستعدة للتعاون مع مؤسسات وممثلي الأمم المتحدة على تنفيذ قرار الجمعية العمومية…
إننا ندعو أبناء الشعب العربي سكان دولة إسرائيل… إلى المحافظة على السلام والقيام بنصيبهم في إقامة الدولة…»([3]).
القرارات الدولية تجاه اليهود بعد إعلان "الدولة اليهودية":
إن استعراضنا الموسع لبيان "إعلان الدولة اليهودية"، لنؤكد على الدور الخطير الذي لعبته قرارات الشرعية الدولية في إحداث كيان استعماري على أرض فلسطين. وقد اعتبر القادة اليهود أن هذه القرارات أسانيد قانونية في إثبات حقهم في فلسطين ولا يمكن إلغاؤها. وقد عبر بعضهم عن الإنجاز الكبير الذي حققته الصهيونية عقب إعلان الدولة. فبعد يومين فقط – أي في 17 أيار – انتخب (مجلس الدولة المؤقت في "إسرائيل")، الزعيم الصهيوني حاييم وايزمن رئيساً "لجمهورية إسرائيل" الذي أدلى بأول تصريح بعد إبلاغه نبأ انتخابه فقال: «اليوم تحقق الصهيونية أول خطوة في برنامجها»!
وصرح الزعيم الصهيوني بيغن في الإذاعة السرية التابعة لمنظمة "الأرجون": «والآن فإن دولة إسرائيل قد قامت، ولكن يجب أن نعلم أن دولتنا لم تتحرر بعد، إن المعركة مستمرة، والسواعد اليهودية هي التي ستحدد حدود دولتنا»!([4]).
وبعد إعلان قيام "الدولة اليهودية"، أصبحت هذه الدولة جاهزة من حيث تكوين عناصر قيام الدولة الفعلية (الأرض، والشعب، والسيادة) ولكنها بحاجة إلى الانضمام إلى الأمم المتحدة لكي تصبح دولة ذات وجود قانوني يحميها ويكفلها القانون الدولي العام. وكانت "إسرائيل" تعتبر أن انضمامها للأمم المتحدة مسألة مفروغ منها معتمدة في ذلك على القرار 181 الصادر في 29 تشرين الثاني 1947 الذي يقول: إن الأمم المتحدة ستنظر بعين العطف إلى مسألة انضمام الدولة العربية أو الدولة اليهودية إلى عضويتها عندما يعلن قيامها([5]). وها "إسرائيل" قد أعلنت قيامها في 15/5/1948. ولكن ماذا بعد؟ إن ميثاق الأمم المتحدة في المادة الرابعة، الفقرة الأولى، تنص على أن «العضوية في الأمم المتحدة مباحة لجميع الدول الأخرى المحبة للسلام، والتي تأخذ نفسها بالالتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق، والتي ترى الهيئة العامة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات فيه. وتنص الفقرة الثانية من المادة الرابعة على أن قبول أية دولة في عضوية الأمم المتحدة يتم بقرار من الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس الأمن. إن الميثاق يشترط على الدولة طالبة الانضمام أن تكون الدولة صاحبة طلب الانضمام من الدول المحبة للسلام وتلتزم بتنفيذ الالتزامات الواردة فيه»([6]). ومن هذه الالتزامات يجب تعيين الحدود للدولة التي تريد الانضمام إلى الأمم المتحدة. ولكن هذه المسألة بالنسبة للقادة اليهود كانت مثار خلاف في الاجتماع الصهيوني الذي سبق إعلان قيام دولة "إسرائيل" حول قضية تعيين الحدود، ولكن بن غوريون حسم أمر الخلاف بقوله: «أمامكم الإعلان الأمريكي للاستقلال، ليس به ذكر لحدود أرضه ولسنا ملزمين بتعيين حدود للدولة»([7]).
من هنا كان أمام اليهود سابقة قانونية في عدم تعيين الحدود وهذه السابقة تتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية الدولة العظمى صاحبة الدور المؤثر والضاغط في هيئة الأمم المتحدة والداعم الأساسي لإنشاء "الدولة اليهودية" وتقوية وجودها القانوني والفعلي في الشرق الأوسط. فتعيين الحدود لم يعد مشكلة في الانضمام إلى الأمم المتحدة، باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعمل على تجاوز هذا الأمر.
واختارت "إسرائيل" يوم 29 تشرين الثاني 1948، وهو يوم مرور عام على قرار التقسيم 29 تشرين الثاني 1947 لكي تقدم طلباً للانضمام إلى الأمم المتحدة. فبعث وزير خارجية الكيان الصهيوني برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة يطلب فيه قبول "إسرائيل" في عضوية الأمم المتحدة.
ولكن هذا الطلب رد ولم يحصل على موافقة لأن كندا وضعت تطبيق قرارات الأمم المتحدة كشرط للموافقة على الطلب، كما أن بسبب تجدد القتال بين "إسرائيل" والعرب في ذلك الوقت، واعتراض الدول العربية على انضمام "إسرائيل" حال دون ذلك الاعتراف([8]).
إلا أن السبب الأخير زال بعدما انتهت (حرب فلسطين) بتوقيع "إسرائيل" اتفاقيات الهدنة الدائمة في (رودس - اليونان) مع الدول العربية:
-          حيث وقعت اتفاقية الهدنة المصرية الإسرائيلية في 24 شباط 1949.
-          ووقعت اتفاقية الهدنة اللبنانية الإسرائيلية في 23 آذار 1949.
-          ووقعت اتفاقية الهدنة الأردنية الإسرائيلية في 3 نيسان 1949.
-          ووقعت اتفاقية الهدنة السورية الإسرائيلية في 2 تموز1949([9]).
ومع بدء توقيع هذه الاتفاقيات وبتاريخ 24/2/1949 طلب ممثل "إسرائيل" «من الأمم المتحدة مناقشة طلب الانضمام مجدداً، وسأل مندوب بلجيكا فيما إذا… [كانت] إسرائيل مستعدة في حال قبولها أن توافق على تدويل القدس وإعادة اللاجئين، فأعلن الممثل الصهيوني بأن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في الطريق إلى الحل تحت إشراف لجنة التوفيق الدولية، وأن حكومته توافق على تدويل القدس…
وخلال تلك الفترة كانت المباحثات تجري في (لوزان) بين العرب واليهود تحت إشراف لجنة التوفيق الدولية، وتمخض عنها توقيع (بروتوكول لوزان) وبموجبه تعهدت "دولة اليهود" تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، لذلك أوصى مجلس الأمن الدولي بالموافقة على قبول الطلب»([10]).
وجاء قرار مجلس الأمن رقم (69) (1949) بتاريخ 4 آذار 1949 تحت عنوان: (التوصية بقبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة) ونص على ما يلي:
«إن مجلس الأمن:
وقد تلقى ونظر في طلب إسرائيل الدخول في عضوية الأمم المتحدة،
يقرر أن إسرائيل، بحسب رأيه، دولة محبة للسلام وقادرة وعازمة على تنفيذ الالتزامات التي يتضمنها الميثاق، وبناء على ذلك.
يوصي الجمعية العامة بقبول إسرائيل لعضوية الأمم المتحدة.
تبنى المجلس هذا القرار في جلسته رقم 414، بـ 9 أصوات مقابل صوت ضده وامتناع صوت كالآتي:
مع القرار: الأرجنتين، كندا، الصين، كوبا، فرنسا، النروج، أوكرانيا، الاتحاد السوفييتي، الولايات المتحدة الأمريكية. ضد القرار: مصر، امتناع: المملكة المتحدة»([11]).
فظروف تقديم الطلب الثاني لإسرائيل بالانضمام للأمم المتحدة قد تغيرت، فقد توقف القتال بينها وبين العرب، ووقعت معهم اتفاقيات هدنة، وجرت في "إسرائيل" انتخابات حلت فيها حكومة منتخبة مكان الحكومة المؤقتة، وبلغ عدد الدول التي اعترفت بها (45) دولة من بين الثماني والخمسين دولة التي تكوِّن الأمم المتحدة. وجاءت التوصية من مجلس الأمن لتكمل الشروط المطلوبة للانضمام إلى الأمم المتحدة([12]).
فعقدت الجمعية العامة الدورة (3) بتاريخ 11 أيار 1949، وأصدرت القرار رقم (273) بقبول "إسرائيل" عضواً في الأمم المتحدة، الذي نص على ما يلي:
«إن الجمعية العامة:
وقد تسلمت تقرير مجلس الأمن حول طلب إسرائيل الدخول في عضوية الأمم المتحدة، إذ تلاحظ أن إسرائيل، بحسب تقرير مجلس الأمن، دولة محبة للسلام وقادرة على تحمل الالتزامات الواردة في الميثاق وراغبة في ذلك،
إذ تلاحظ أيضاً تصريح دولة إسرائيل أنها تقبل دون تحفظ الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وتتعهد بأن تحترمها منذ اليوم الذي تصبح فيه عضواً في الأمم المتحدة.
إذ تشير إلى قراريها الصادرين في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، وفي 11 كانون الأول (ديسمبر) 1948، وإذ تحيط علماً بالتصريحات وبالإيضاحات التي صدرت عن ممثل حكومة إسرائيل، أمام اللجنة السياسية المؤقتة فيما يتعلق بتطبيق القرارات المذكورة.
فإن الجمعية العامة،
عملاً بتأدية وظائفها المنصوص عليها في المادة 4، من الميثاق والقاعدة 125 من قواعد سير العمل:
1.        تقرر أن إسرائيل دولة محبة للسلام راضية، بالالتزامات الواردة في الميثاق، قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات، وراغبة في ذلك.
2.        تقرر أن تقبل إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة.
تبنت الجمعية العامة هذا القرار في جلستها العامة رقم 207 بـ37 صوتاً مقابل 12 وامتناع 9»([13]).
وهكذا أصبحت "إسرائيل" دولة ذات سيادة، ولها مكانها بين هيئة الأمم، ويحق لها بفضل الشرعية الدولية الدفاع عن نفسها بكل الوسائل المتاحة، والعمل على تقوية مكانتها وتعزيز وجودها بشكل يضمن استمرارها إلى أمد بعيد. وأي صراع ينشب بينها وبين الدول العربية المجاورة سوف يفصل فيه القانون الدولي العام. وبخاصة أن "إسرائيل" صنيعة استعمارية أصبحت دولة محبة للسلام وتتعهد بتنفيذ كافة الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وهي قادرة على ذلك!!
وكان وصف هيئة الأمم المتحدة للكيان الاستعماري على أرض فلسطين، مخالفاً ومناقضاً للواقع بشكل تام، ويرسم صورة مزيفة للرأي العام الدولي من أجل تسويق المشروع الصهيوني في فلسطين. وجاءت حرب حزيران 1967 لتثبت عكس الصورة التي أوصى بها مجلس الأمن وأقرتها الجمعية العامة في القرار (273). فقد شنت "إسرائيل" حرباً واسعة ضد كل من مصر والأردن وسورية ولبنان، وحققت توسعاً جغرافياً كبيراً شمل القسم الآخر من فلسطين الذي نص عليه قرار التقسيم 1947 بالإضافة إلى ذلك احتلت سيناء وجزءًا من أراضي الأردن وسورية. وقد ادعت "إسرائيل" أن تلك الحرب كانت دفاعاً عن "أرض إسرائيل" أمام الدول العربية التي اعتدت وبدأت بشن الهجوم عليها.
ولكن حقيقة حرب (1967) أنها حلقة من حلقات المشروع الصهيوني، ومرحلة من مراحل بناء "إسرائيل الكبرى" التي كانت تحت رعاية وإشراف هيئة الأمم المتحدة! التي برز دورها بشكل جلي وكبير أثناء تلك الحرب وما خلفته من احتلال للأراضي العربية، وضمها من قبل اليهود إلى "أرض إسرائيل". وأمام هذا الوضع المخالف لمبادئ هيئة الأمم المتحدة التي وقعت عليها "إسرائيل" لم تستطع هيئة الأمم اتخاذ القرار المناسب الذي يتفق مع العدالة الدولية التي وضعتها في ميثاقها. وأمام هذا التعثر من قبل المنظمة الدولية، «دعت مصر مجلس الأمن إلى الاجتماع مجدداً، في 9/11/1967، للنظر في استمرار الاحتلال الإسرائيلي، [الناتج عن حرب حزيران 1967] وقد انتهت مناقشات المجلس، في 22/11/1967، حين أصدر القرار رقم (242)، بعد أخذ ورد بين الدول الأعضاء وتعديلات على مضمونه، بحيث أقر الاقتراح البريطاني القاضي بالربط بين الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة [بعد حرب 1967] وبين تحقيق التسوية السلمية للصراع العربي - الإسرائيلي. وبذلك تكون الأمم المتحدة قد خالفت ميثاقها الذي يحرم استخدام القوة في العلاقات الدولية، إلا لتحقيق المصلحة الدولية المشتركة، فدعت إلى انسحاب "إسرائيلي" مشروط، … وهذا يدل على دور الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول، في دفع الأمم المتحدة إلى تبني نظرية الانسحاب الإسرائيلي المشروط من الأراضي العربية، فضلاً عن تزايد رغبة المجتمع الدولي التوصل إلى تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي»([14]). وهذه التسوية لن تكون أولاً وأخيراً إلا على حساب العرب وتنازل من قبل العرب!
وقد صدر قرار مجلس الأمن رقم 242 (1967) بتاريخ 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1967. تحت عنوان (إقرار مبادئ سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط) وينص على ما يلي:
«إن مجلس الأمن،
إذ يعرب عن قلقه المتواصل بشأن الوضع الخطر في الشرق الأوسط،
وإذ يؤكد عدم القبول بالاستيلاء على أراض بواسطة الحرب، والحاجة إلى العمل من أجل سلام دائم وعادل تستطيع كل دولة في المنطقة أن تعيش فيه بأمن.
وإذ يؤكد أيضاً أن جميع الدول الأعضاء بقبولهم ميثاق الأمم المتحدة قد التزمت بالعمل وفقاً للمادة (2) من الميثاق.
1.   يؤكد أن تحقيق مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط ويستوجب تطبيق كلا المبدأين التاليين:
- سحب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراضي احتلتها([15]) في النزاع الأخير.
   -  إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب واحترام واعتراف لسيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة، واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد أو أعمال القوة.
2.   يؤكد أيضاً الحاجة إلى:
- ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة.
- تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
- ضمان المناعة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق إجراءات بينها إقامة مناطق مجردة من السلاح.
3.  يطلب من الأمين العام تعيين ممثل خاص للذهاب إلى الشرق الأوسط كي يقيم ويجري اتصالات مع الدول المعنية بغية إيجاد اتفاق، ومساعدة الجهود لتحقيق تسوية سلمية ومقبولة وفقاً لنصوص ولمبادئ هذا القرار.
4.   يطلب من الأمين العام أن يرفع تقريراً إلى مجلس الأمن حول تقدم جهود الممثل الخاص في أقرب وقت ممكن. تبني المجلس هذا القرار، في جلسته رقم 1382، بإجماع الأصوات»([16]).
إن صدور القرار (242) أتى منسجماً بشكل عام مع الفكر الصهيوني السياسي وذلك من ناحيتين الشكل والمضمون.
-           أما من ناحية الشكل فإننا نلاحظ من خلال قراءة نص القرار أن هناك غموضاً وإبهاماً فيما يتعلق بالمشروع الصهيوني تجاه الحقوق العربية، وهذا ما جعل للقرار (242) تفسيرين مختلفين، تفسيراً عربياً وتفسيراً إسرائيلياً.
أما التفسير الإسرائيلي للقرار (242) فقد جاء قبل التفسير العربي له، وذلك عندما أعلنت "إسرائيل" موافقتها على القرار (242) في المذكرة التي قدمتها إلى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في 19/2/1968. وقد جاءت هذه الموافقة مرتبطة بتفسير إسرائيلي خاص لمضمون القرار يتحدد بمسألتين أساسيتين: رفض الانسحاب الشامل والتمسك بالانسحاب الجزئي، والمطالبة بإنجاز اتفاقيات سلام ثنائية مع الدول العربية.
وكانت حجة "إسرائيل" بهذا التفسير أن النص الإنكليزي للقرار يدعو إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من "أراض احتلت في النزاع الأخير" واعتمدت على هذا النص لرفض الانسحاب من الأراضي التي احتلتها بعد حرب (1967)، ولتطوير "نظرية الحدود الآمنة" التي يدعو إليها القادة اليهود في "إسرائيل"، القائمة على التوسع تحت ذرائع استراتيجية دفاعية([17]).
بينما انطلق التفسير العربي للقرار من الدعوة إلى "انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة في النزاع الأخير". أي جميع الأراضي دون استثناء، ورفض التسويات الخاصة، والمنفردة. وقد وافقت كل من مصر والأردن على هذا القرار في آذار 1968، ورفضته سوريا لأنه يؤدي إلى الاعتراف بإسرائيل وكذلك يؤدي إلى الاستعداد إلى إنهاء حالة الحرب، والدخول معها في مفاوضات غير مباشرة بواسطة مبعوث الأمم المتحدة تؤدي إلى تسوية سلمية لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط على حساب التنازل عن الحق العربي في فلسطين، وهذا ما كانت ترفضه الدول العربية قبل حرب 1967، وتتجنب الوصول إليه([18]).
إن الخلاف بين التفسيرين "الإسرائيلي" والعربي للقرار (242) سببه صياغة النص بلغات متعددة: الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية. فقد جاء في النص باللغة الإنكليزية: "… من أراض احتلتها"، بينما النص في اللغات الأخرى: "من الأراضي المحتلة". وهذا الخلاف في صياغة القرار بين اللغات الخمس هو خلاف مقصود لأنه من منطقية الصراع بين العرب واليهود فإن اليهود سوف يختارون الترجمة الأخرى لأنها تحقق جزءاً من مطالبهم بعكس الترجمة الأولى التي تعني موافقتهم عليها موافقة على تنفيذ مراحل المشروع الصهيوني!! وبالتالي هناك موافقتان وتفسيران متناقضان من طرفي الصراع مما يؤدي إلى تعطيل القرار (242) وعدم سريان تنفيذه إلا بشرط تنازل أحد الطرفين عن تفسيره لصالح الطرف الآخر! (وهذا ما حصل لاحقاً من قبل مصر والأردن ومنظمة التحرير في اتفاقياتهم مع "إسرائيل").
ويمكن القول إن التفسير الإسرائيلي للقرار (242) هو الذي يعبر عن حقيقة صياغة النص الذي أراده مجلس الأمن، لأن اقتراح القرار الذي تبناه مجلس الأمن كان إنكليزياً وصياغته كانت باللغة الإنكليزية. وبطبيعة الحال السياسة البريطانية تخدم اليهود ولا تخدم العرب. ويؤكد ذلك «المقدمة التي أتى بها القرار (242) حول عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، لا تضمن استعداد "إسرائيل" بالتخلي عن الأراضي المحتلة في حرب 1967»([19]).
ومن هنا يمكن تفسير سبب وجود الترجمات الأخرى للقرار على أنها خديعة للعرب أو بالأحرى للحكام العرب الذين يريدون أن يخدعوا شعوبهم ويبرروا موافقتهم على القرار بأنهم أخذوا بهذه الترجمة دون تلك وهم يعلمون يقيناً أن الذي سوف يطبَّق هو النص الإنجليزي وذلك لأنه ليس للعرب يد في صياغة القرار لا من بعيد ولا من قريب. بعكس الصهيونية إلى يتجلى فكرها السياسي في كل عبارة من عبارات القرار بحيث حددت من حيث الشكل أيضاً – مصالحها ومطالبها بشكل دقيق ومفصل.
-           أما من ناحية المضمون فإن القرار (242) يخدم المشروع الصهيوني جملة وتفصيلاً. ويمكن القول إن هذا القرار هو صورة مُظهّرة لتصريح بلفور الذي نص على قيام «الوطن القومي اليهودي». وفي القرار (242) طلب من الحكومات العربية إنهاء جميع الادعاءات ضد هذا "الوطن القومي اليهودي" الذي قام، والاعتراف بسيادته ووحدة أراضيه ضمن الاعتراف "بسيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة"، وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها في منأى عن التهديد أو استخدام القوة. إن القرار طلب بشكل صريح الاستسلام لهذا المشروع الصهيوني وعدم مقاومته بأي شكل من أشكال المقاومة، والاعتراف والقبول بمشروعية اغتصابه واحتلاله للأراضي العربية، وإقرار نتائج هذا الاغتصاب وذيوله([20]). ذلك أن الفقرة (ب) من البند (2) تنص على "تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين".
كما أن الفقرة (ب) من البند (1) تنص على: «إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب واحترام واعتراف لسيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة، واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد أو أعمال القوة».
ومن هنا نلاحظ أن قرار مجلس الأمن رقم (242) قد أولى مسألة الحدود عناية بارزة، بوصفها نقطة أساسية ذات تأثير ملموس وحاسم في الصراع العربي – الإسرائيلي. فنص على حق كل دولة في أن تعيش في سلام ضمن حدود آمنة معترف بها متحررة من أعمال التهديد أو أعمال القوة.
ومن هنا نرى أن القرار جاء بمعيار نسبي، وصفي للحدود فهي:
- "آمنة معترف بها" أي تثبيتها نهائياً وضمان عدم تعرضها لأعمال التعديل والتبديل، ولمنع قيام أي خلاف حولها.
- تأيدت هذه الحدود بضمانات واضحة نص عليها القرار (242) – لتعزيز انتصار "إسرائيل" في حرب (1967) – وهذه الضمانات سياسية وعسكرية وقانونية([21]).
فمضمون القرار لا يخدم العرب ولا يعيد إليهم حقوقهم وإنما يخدم فقط المشروع الصهيوني، وهذا ما دفع كسينجر إلى مخاطبة العرب، بعد ذلك قائلاً: «ما الذي يدعوكم إلى التمسك بهذا القرار؟ ليس فيه غير مجموعة عبارات. كل واحدة منها تتعارض مع الأخرى، وهذه عبقرية الإنكليز في الصياغات التي تصور لكل طرف أنه حصل على شيء، وفي الحقيقة فإن أحداً… من الأطراف لم يحصل على شيء…
ومع ذلك فقد قبل هذا القرار بعض العرب، ورفضه البعض الآخر، ثم عاد إلى قبوله، والذي قبله في البداية، واتخذ هذا الموقف لأن القرار 242 نص على عدم جواز احتلال الأراضي بالقوة، ولأنه طالب بالانسحاب من "أرض محتلة" سنة 1967. كما أن "إسرائيل" صرحت بقبوله ظاهرياً لأنه يربط مسألة الانسحاب بمفاوضات تأخذ الانسحاب إلى "حدود آمنة ومعترف بها". وهكذا فإن نصف القرار يبدو متعارضاً مع نصفه الآخر. وكانت مشكلة التوفيق بين النصفين، أيهما يمثل نقطة البداية؟ ففي حين أعطى الجانب العربي الأولوية للانسحاب، فإن "إسرائيل" أعطت الأولوية للسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها…»([22]).
ولكن يبدو لي أن هذا التعارض في القرار كان قبل تنفيذه على أرض الواقع الذي أخذ بالأولوية الإسرائيلية للسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها. في جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي جرى التوقيع عليها بين الطرف الإسرائيلي والأطراف العربية. لأن هذه الاتفاقيات قامت على أساس قراري مجلس الأمن (242 و338) وفق التفسير اليهودي (كما مر سابقاً) وهذا يعني أن توقيع الأطراف العربية على هذه الاتفاقيات يعتبر تنازلاً صريحاً للجانب الآخر، وبالتالي كما قال كيسنجر عن هذا القرار "لا يخدم العرب ولا يعيد إليهم حقوقهم وإنما يخدم فقط المشروع الصهيوني". بحيث أن الاتفاقيات التي قامت على أساس هذا القرار لم تعد للعرب الأراضي المحتلة وإنما أعادت أجزاء من الأراضي ضمن سيادة منقوصة للعرب عليها. مقابل تحقيق مكاسب عظيمة أمنية واقتصادية وسياسية. تجعل من "إسرائيل" دولة مسيطرة ومهيمنة على دول المنطقة في شتى المجالات، وكل ذلك بفضل الشرعية الدولية!!
إن دراستنا للقرار (242) تقودنا إلى دراسة القرار (338) الذي ارتبط به وأصبحا قاعدة أساسية لكل تسوية سلمية مستقبلية بين "إسرائيل" والدول العربية. ففي 22 تشرين الأول 1973 وفي أعقاب حرب 6 تشرين 1973 اجتمع مجلس الأمن الدولي وأصدر القرار (338) وطلب وقف إطلاق النار والدعوة إلى تنفيذ القرار (242) بكل أجزائه وقد نص على ما يلي:
1.  «إن مجلس الأمن يدعو جميع أطراف النزاع بوقف كل إطلاق النيران وإنهاء كل نشاط عسكري فوراً – في مدى (12) ساعة على الأكثر من اتخاذ هذا القرار – في المواقع التي يحتلونها الآن.
2.   يدعو جميع الأطراف المعنية بالبدء فوراً بعد وقف إطلاق النيران في تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 بكامله.
3.   يقرر المجلس أن تبدأ فوراً وفي الوقت نفسه مع وقف إطلاق النار المفاوضات بين الأطراف المعنية تحت إشراف مناسب تهدف إلى إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط»([23]).
وبذلك يكون قرار 338 قد أعاد إطار التسوية إلى قرار 242 السابق، دون أن يقدم مسائل موضوعية جديدة، بل بقي في حدود المسائل الإجرائية لوقف إطلاق النار، وقد ألحق بقرارات تكميلية صادرة عن مجلس الأمن لتعالج موضوع إرسال قوات الطوارئ الدولية إلى "الشرق الأوسط" وترتيبات تشكيل هذه القوات([24]).
وما يجدر ذكره أن القرارات الدولية تجاه "إسرائيل" كانت تصدر دائماً في أعقاب انتصار يهودي كبير وانهزام عربي كبير. ولذلك جاءت دائماً لتعزز وتثبت ما أنجزه اليهود على أرض الواقع وتضفي صفة الشرعية الدولية عليه. ولم تأت لتعيد للمهزوم حقه وتعزز موقفه، وإنما جاءت لتجبره باسم الشرعية الدولية بالخضوع لسياسة فرض الأمر الواقع التي يقوم عليها الفكر الصهيوني. وتلزمه بالمساهمة في تنفيذ مراحل المشروع الصهيوني مرحلة مرحلة حتى يتم تحقيقه كاملاً!!.
فالاحتضان الدولي للمشروع الصهيوني احتضان يتوقف عليه مصير هذا المشروع، ولا أعتقد أن هذا الاحتضان سوف يتوقف بعد مرور أكثر من مئة عام على وجوده وبخاصة بعدما أصبح يعتبر المشروع الصهيوني ثمرة من نتاج التوافق الدولي، وجزء من الحضارة الغربية في المنطقة.




([1])   د. أحمد الزغيبي: العنصرية اليهودية، مجلد 3، مكتبة العبيكان، الرياض، 1998. ص 67-68.
([2])   د. محمد عبد الكريم عكاشة: المرجع السابق، ص 260.
([3])   د. عبد الحسين شعبان: الصهيونية المعاصرة والقانون الدولي، ط 1، دار الجليل للطباعة والنشر، دمشق 1985، ص 73-76.
([4])   د. احمد الزغيبي: المرجع السابق، مجلد 3، ص 72.
([5])   علي محمد علي: فلسطين بين عصبة الأمم والأمم المتحدة، الدار القومية للطباعة والنشر، لا ت. لا مكان، ص 80.
([6])   د. غازي حسين: الصراع العربي الإسرائيلي والشرعية الدولية، ط 1، الأقصى للطباعة، دمشق 1995، ص 28.
([7])   د. أحمد الزغيبي: المرجع السابق، مجلد 3، ص 162.
([8])   علي محمد علي: المرجع السابق، ص 80.
([9])   علي محمد علي: المرجع نفسه، ص 95-124.
([10])   د. غازي حسين: المرجع السابق، ص 28.
([11])   قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين، والصراع العربي الإسرائيلي، مجلد 1، ط 3، مراجعة: د. جورج طعمة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1993، ص 181.
([12])  علي محمد علي: المرجع السابق، ص 80. 
([13])  قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين (1947-1972)، جمع وتصنيف سامي مسلم، ط 1، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1973، ص 17، وقرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين، مجلد 1، ص 21.
([14])  د. عدنان السيد حسين: عصر التسوية، ط1، دار النفائس بيروت، 1990. ص 63. 
([15])  هذه الترجمة للنص الإنجليزي، أما النص الفرنسي والإسباني: "من الأراضي المحتلة". 
([16])  قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين (1927-1972)، ص 122. وقرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين، مجلد 1، ص 197. 
([17])  د. عدنان السيد حسين: المرجع السابق، ص 64-65. 
([18])  المرجع نفسه، ص 66. 
([19])  القرارات الدولية بشأن فلسطين، ص 11. 
([20])  المرجع نفسه، ص 14-15.
([21])  القرارات الدولية بشأن فلسطين، ص 108-109.
([22])  د. منير الحمش: السلام المدان،ط2،مكتبة المدبولي،مصر،1997، 135-136. 
([23])  قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، مجلد 1، ص 197. 
([24])  د. عدنان السيد حسين: المرجع السابق، ص 70-71.  
المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »