"قُوَّاتُ سوريا الديموقراطية" ومعركةُ الرقةِ مِن
جديدٍ!!
إنّه كان من المُتوقّع إعلانُ معركةِ "تحرير
الرقة" ضدَّ تنظيم الدولة بعد إعلانِ معركة "تحرير الموصل" من
التنظيم نفسِه للارتباط الوثيق عسكريًّا وسياسيًّا بين المعركتين، وذلك قُبيلَ
بدءِ الانتخابات الرئاسية الأمريكية لدوافعَ سياسيةٍ داخلية، وإنْ كانت هذه
المعركةُ سواء كانت في الموصل أو في الرقة تَجري وَفقَ خطةِ الاستراتيجية
الأمريكية الخارجية في المنطقة وضمن أولوياتها في إدارة الصراع والتحكم به.
فإعلانُ معركة
تحرير الرقة بغضِّ النظر عن التوقيت السياسي لها ومدلولاته وأبعاده، فهي من خلال
مجريات الأحداث المتصاعدة عنفًا وتوحُّشًا ما هي إلا مرحلة من مراحلَ سبقتها في
سياق الحرب على "الإرهاب" الذي تَزْعمه الولاياتُ المتحدة الأمريكية في
المنطقة وتَقودُ تحالفًا دوليًّا من خلال حملةٍ أسمتها بـ "العزم التام"
ضدَّ تنظيم الدولة في العراق وسوريا. حيث مِن المعلوم في سياقِ مجريات هذه الحرب
على "الإرهاب" أنَّ تحالفَ ما سمي بـ"العزم التام" هو عنوانُ
الحملة التي تقودُها أمريكا ضدَّ التنظيم في العراق منذ (15/10/2014) ومن ثم
جاءتْ حملةُ قُوَّات التحالف الدولي في القصفِ الجويِّ ضدَّ التنظيم في سوريا في
(7/8/2015) تحت الاسم نفسه، ثمَّ إنَّ ما أعلنَه المُتحدّثُ باسم هذا التحالف
"ستيف وارن" في (24/5/2016) عن بدءِ معركة تحرير ريف الرقة وأن
"قُوَّات سوريا الديمقراطية" – "قسد" اختصارًا – هي مَن ستقومُ
بتلك المعركة التي انطلقتْ بها مباشرة، لكن سرعانَ ما تحوَّلتِ المعاركُ بعد
انطلاقها بأسبوع في الشمال الغربي من الرقة بالقرب من عين عيسى إلى غرب نهر الفرات
نحو ريف مدينة حلب الشرقي حيث وصلتْ إلى منبج التي ما إنْ انتهتْ "قسد"
مِن انتزاعها مِن التنظيم بعد معارك ضارية حتى أعلنتْ تركيا بالمقابل عن حملةِ درع
الفرات في (24) من شهر آب الماضي ضدَّ تنظيم الدولة وطالبتْ بالوقت نفسه منْ
قُوَّاتِ "قسد" بالانسحاب مِن منبج والعودة إلى شرق نهر الفرات مِن أجل
قطع الطريق على طموحها في السيطرة على الشمال السوري ووصْلِ عفرين بكوباني، لما
يشكِّلُ ذلك من خطرٍ على الأمن القومي التركي من جهةٍ، ويشكِّلُ عامِلَ تحدِّي
وتفعيل لعوامل صراع جديدة على أسسٍ قومية في منطقة عُرفت بالتعدد القومي العربي
والكردي والتركماني ... ضمنَ مظلوميَّات كامنة لها أسبابُها التاريخية المعاصرة
التي ما زالت تُجيّر لصالح التنافس والصراع الدولي والإقليمي كورقةٍ من أوراق
اللعب في المنطقة التي يُعاد رسم خرائطها الجغرافية والديموغرافية. ولعلَّه مِن
هنا تأتي أهميَّةُ معركة الموصل والرقة على وجه التحديد التي تحرصُ الكثيرُ من
الأطراف الدولية والإقليمية على المشاركة بها لاسيَّما تركيا وإيران وكذلك تأتي
الأهمية الوظيفية في اختيار الأطراف المحلية فيها من قبل تلك الأطراف الدولية
الإقليمية لتقاطع مصالحها ووجود الدافع المحرض عندها لخوضها.
لهذا كان من الطبيعي وكما أوكلت أمريكا مهمةَ معركة
الرقة إلى قُوَّات "قسد" أن توكل تركيا المهمة الأساسية لدرع الفرات إلى
الجيش الحر مِن أبناء تلك المنطقة على وجهِ الخصوص الذين كانَ لهم السبق في
تحريرها من النِّظَام قبل سيطرة التنظيم عليها منه. وأن يكون التقدمُ الذي أحرزته
"قسد" تحت مظلة التحالف الدولة لاسيما في مدينة منبج عاملَ استفزاز
واستنهاض لأخذ زمام المبادرة من جديدٍ لاستعادة المناطق من سيطرة تنظيم الدولة
للحؤول دون سقوطها بيد "قسد" لاسيما بعد إدراك أنَّ التوجه الدولي
حَسَمَ موقفَه من الدور الوظيفي لتنظيم الدولة بعدما أنجزَ وحقَّقَ الغرضَ مِن
وجوده في هذه المنطقة وأنه آنَ أنْ يَنحسرَ هذا الوجودُ منها إلى أماكن أخرى،
ولهذا لابد للأطراف الدولية من إكمالِ تنفيذِ خطة استراتيجياتها، والدولِ
الإقليمية إثبات فعالية دورها المؤثر، والأطراف المحلية أن تأخذَ دورَها المناطقيّ
الذي يتناسبُ مع المرحلة القادمة التي يحضر لها في الشمال السوري وتُسْتَفزّ لذلك
عن طريق التحدي المتكافئ في القوة والمصالح وتَقْبل العملَ من دون شروطٍ وإن اضطر
الأمرُ تحتَ مظلة التحالف الدولي التي يَعملُ معها الطرفُ الآخر التي لطالما رُفض
العمل تحتها قبل ذلك التحدي لأبناء المنطقة أنفسهم وتهديد وجودهم فيها!.
إن ما أعلنته "قسد" يوم الأحد (6/11/2016) عن
إطلاق عملية "غضب الفرات" جاء في إطارِ ما أعلنتْ عنه قيادةُ القُوَّات
الأمريكية في الشرق الأوسط، كمرحلةٍ أولى لعزل مدينة الرقة أولًا، وإذا كان
الإعلانُ مفاجئًا لبعض المتابعين بسبِ الاعتراض التركي على مشاركة "قسد"
في معركة تحرير الرقة، إلا أنَّ قراءةَ تلك الخطوة لا تخرجُ عن السياق السابق،
وبخاصةٍ أنَّ الخطواتِ الأمريكيةَ اللاحقةَ أشارتْ إلى ذلك وأوضحته، لاسيما أنَّ
زيارةَ رئيس أركان الجيش الأميركي "جوزف دانفورد" إلى أنقرة، تزامنًا مع
ما أعلنته "قسد" عن بدء المعركة أشارت إلى أنَّ الذي أعلنَ المعركةَ هو
الولاياتُ المتحدة الأمريكية وما كان ليتمَّ ذلك الإعلان مِن دون أن يتمَّ
الاتصالُ والتنسيق مع تركيا. وأنَّ ما صرَّحَ به المبعوثُ الخاص لقُوَّات التحالف
الدولي ضدَّ تنظيم الدولة "بريت ماكغورك" أكَّد ذلك بقوله: إنَّ
"أقلَّ ما يمكن أنْ يُقال هو أنَّ ظروف العمل في سوريا معقدةٌ، لكننا على
تواصلٍ بشكلٍ مستمر مع جميع الأطراف". وتابع: "نودُّ أنْ يكونَ هناك
تنسيقٌ قدر الإمكان مع علمنا بأن هناك خليطاً من القوى في الميدان، والعديدُ من
تلك القوى لا تلتقي وجهًا لوجه لكنها تشتركُ في كونِ عدوها واحداً ولا يزال
مميتا". لذا يراد من هذا الإعلان عن طريق "قسد" في إنجاز هذه
المرحلة التي هي جزءٌ من مراحلَ قادمةٍ من معركة تحرير مدينة الرقة التي يتخذها
التنظيمُ عاصمةً له، ولهذا أكَّدَ مسؤولون أميركيون على استمرار المباحثات حول مَن
سيتولَّى المهمةَ ميدانياً، بعد استعادة المدينة من التنظيم، واعتبروا أنَّ
مسؤوليةَ اقتحام المدينة تعودُ بشكل أساسي لقُوَّات عربية، لأنَّ المدينة عربية،
وأعلن المتحدثُ باسم التحالف الدولي أنه عندما يتعلق الأمرُ بمدينة الرقة،
فالتحالفُ يريدُ أن تكون القوةُ التي تحرر المدينةَ في نهاية المطاف قُوَّاتٍ
عربيةً. وقال: "لهذا قمنا بتدريبِ العديد من هؤلاء المقاتلين وسوف نستمرُّ
بتدريب المزيد منهم". وفي السياق نفسه أكَّدَ رئيسُ الأركان الأمريكي:
"أن التحالفَ الدولي سيعمل مع تركيا على إعداد خطةٍ بعيدةِ المدى من أجل
تحرير الرقة والمحافظة عليها وإدارتها".
إنَّ إعلانَ "قسد" عن معركة "غضب الفرات"
كمرحلةٍ من مراحل معركة الرقة التي يقومُ بها التحالفُ الدولي بقيادة الولايات
المتحدة الأمريكية تحت اسم "العزم التام" ما هو إلا إعلان أمريكي تكتيكي
يخدمُ متطلباتِ المعركة ويستثمر التناقضاتِ بين الأطراف المحلية وتعارض مصالحها
وأهدافها فيها، وكما فعَّلت تلك الخطوة "درع الفرات" سيكون لها تأثيرها
الكبير في تفْعيلِ معركة الرقة لاسيما في جانبها العشائري العربي من جهةٍ وفصائل
الجيش الحر وعلى وجه الخصوص أبناء المنطقة الشرقية من جهةٍ أخرى.
فما أعلنتْه
"قسد" من معركةٍ تحت اسم "غضب الفرات" سيكونُ كافٍ لتحريك حملةٍ
واسعةٍ من أجل الاستعداد لدخول معركة الرقة مقابل استبعاد "قسد" أو
سباقها نحوها، لكن كيف إذا حقَّقتْ "قسد" نجاحاتٍ ميدانيةً على الأرض
واقتربتْ من المدينة وفرضت عليها حصارًا من بعض جهاتها وبدأت تطرق أبوابها؟!!..
الدكتور جبر الهلُّول

الإبتساماتإخفاء الإبتسامات