"درعُ الفرات" و"غضبُ الفرات"!!


"درعُ الفرات" و"غضبُ الفرات"!!

أعلنتْ "قُوَّاتُ سوريا الديموقراطية" يومَ الأحدِ الماضي (6/11/2016) معركةَ تحريرِ الرقة تحتَ اسم غرفة عمليات "غضب الفرات" ضدَّ تنظيم الدولة، وأعلنتْ تركيا من قبل معركةَ "درع الفرات" في (24/8/2016) ضدَّ التنظيم نفسِه بالإضافة إلى ذلك رفض وجود "وحدات الحماية الشعبية الكردية" غربي نهر الفرات لاسيما في مدينة منبج وريفها. لكن إذا كان الإعلانُ التركي الرسمي عن "درع الفرات" جاء صريحًا وواضحًا من حيث الجهة الداعمة والمشرفة على العملية والمنفذة لها والأهداف المعلنة منها، إلَّا أَّن إعلانَ معركة "غضب الفرات" لمْ يكنْ كذلك باستثناء محاربة تنظيم الدولة حتى تحرير مدينة الرقة منه، ولهذا أثَارَ هذا الإعلانُ العديدَ من التساؤلات والتكهنات بدءًا من التوقيت والجهة التي أعلنتْ عنها واسم غرفة العمليات ووصولًا إلى الأهداف والنتائج من هذه العملية، وهل تتعارضُ مع عملية "درع الفرات" وتتصادمُ معها، أو بالعكس؟!.
فالملاحظُ بدايةً أنَّ الإعلانَ عن حملة "درع الفرات" جاءَ بشكلٍ رسمي من قبل تركيا كدولةٍ ولهذا لا يمكنُ مقارنتُه بالإعلان كإعلانٍ فقط عن "غضب الفرات" من قبل "قُوَّات سوريا الديموقراطية" - اختصارًا قسد - كتنظيم، إلَّا إذا أخذنا بعين الاعتبارِ أنَّ الجهةَ التي قرَّرتْ بدءَ معركة الرقة بهذا التوقيتِ وأمرتْ "قسد" بالإعلان عنها تحت هذا المسمى "غضب الفرات" هي الولاياتُ المتحدة الأمريكية وأنَّ "قسد" ما كانت لِتُعلنَ ذلك مِن تلقاءِ نفسها، وما كنتْ أمريكا لتتَّخذَ هذا القرارَ مِن دونِ التنسيق والتشاور المسبق مع تركيا ودول أخرى معنية بذلك، لاسيَّما أنَّ كلتا العمليتين "درع الفرات" و"غضب الفرات" تجريان في الوقتِ نفسه تحت مظلة التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتُ المتحدة الأمريكية ضد تنظيم الدولة في الشمال السوري، وبخاصةٍ بما يتعلق بمدينة الرقة التي يتخذها التنظيمُ عاصمةً له ولمعركتها أهمية كبيرة في مجريات الأحداث في المنطقة ورسم خرائط النفوذ فيها، ولهذا كانتْ معركةُ مدينة الرقة محوَرَ الاتصالات التركية الأمريكية بعد انطلاق "درع الفرات" وتحقيقها نجاحات سريعة على الأرض التي تعتبر جزءًا من معركة الرقة ولا تنفصلُ عنها بغض النظر عن الأهداف الخاصة بتركيا منها.
فالحربُ على "تنظيم الدولة" سواء في سوريا هي حربٌ قائمةٌ تحت مظلة التحالف الدولي ولا تخرج عن ذلك "درع الفرات" و"غضب الفرات" وإن كانتْ تركيا تقودُ الأولى وتشاركُ فيها عسكريًّا وتعتمدُ على فصائل من الجيش الحر وبخاصةٍ من أبناء تلك المناطق التي يسيطرُ عليها تنظيمُ الدولة بعد تحريرها من النِّظَام، إَّلا أَّن الثانية "غضب الفرات" تقودُها وتشرفُ عليها هي الولاياتُ المتحدة الأمريكية وأنَّ "قسد" التي درَّبتها أمريكا وتعتمدُ عليها بهذه العملية لمْ يكنْ لها أي دور في تحرير تلك المناطق من يد النِّظَام قبل أنْ يُسيطرُ عليها "التنظيمُ" بل العكس كان لبعض القوى فيها تواصلٌ مستمرٌّ مع النِّظَام وتفاهماتٌ لمْ تنقطعْ وأنها كانت في الغالب على عداوة مستمرة للقوى الثورية وتستغل ظروفَ المعارك لاقتناصِ الفرص لمحاربتها وتحقيق تقدمٍ على حساب المناطق المحررة كما في "تل رفعت" وريف مدينة إعزاز أثناء قيام التحالف الروسي الإيراني والنِّظَام بمعركة فك الحصار عن نبل والزهراء.
إنه من خلالِ الإعلان عن "غضب الفرات" من قبل "قسد" وتعارضه مع ما صرَّحَ به المسؤولون الأمريكيون الذين زاروا أنقرةَ وكشفوا عن وجود خطةٍ استراتيجيةٍ مع تركيا تتعلَّقُ بمراحلِ معركةِ الرقة التي لا يمكنُ استثناءُ تركيا بسب طبيعةِ التحالف الاستراتيجي بين الدولتين الذي مِن الخطأ النظرُ إليه من خلال زاوية العلاقة التي تقيمها الدولُ مع تنظيماتٍ لها دورٌ وظيفيٌّ تُراعى فيه بعضُ مصالحها المحلية التي تعطيها الدافع على الحركة في إطار المصلحة الكبرى للدولة الداعمة والمشرفة عليها، ولكن إن كان ذلك من البديهياتِ في العلاقات الدولية إلا أنَّ اللغطَ الكبير في المقارنة بين العلاقة التي تربطُ الولايات المتحدة الأمريكية "بقسد" كتنظيم وتركيا كدولةٍ فيما يتعلقُ بمحاربة التنظيم بسوريا من كونِ أنَّ "وحدات الحماية الشعبية الكردية" القوة الجوهرية "لقسد" مصنفة لدى تركيا على أنها منظمة إرهابية تهددُ الأمنَ القومي التركي، حيث كانَ الالتباسَ الحقيقي من هنا، إذ كيفَ أنَّ أمريكا تدعمُ تنظيمًا سيكونُ لتنامي قوَّته المادي والجيوسياسي خطرًا على دولةٍ حليفةٍ لها في المنطقة لا يمكنُ الاستغناءُ عن دورها فيها، ولهذا لمْ يقعِ الالتباسُ في الدعم الأمريكي لبعضِ التنظيمات العسكرية التي تعملُ ضمنَ "درع الفرات" بشكلٍ مباشرٍ.
فالإشكاليةُ بينَ "درع الفرات" و "غضب الفرات" تأتي من ناحيتين: الأولى تتعلَّقُ بالعلاقة التركية بـ ـ"قسد"، والثانية بعلاقة القوى الثورية لاسيما العاملة ضمن "درع الفرات" "بقسد". أما من ناحيةِ تشابه الدور الوظيفي بين القوى العاملة في عمليتي "درع الفرات" وقوى "غضب الفرات" فهو في الأصلِ ناتجٌ عن صراعٍ تنافسي وجودي محلي على الجغرافيا السياسية في الشمال السوري، وهذا الصراعُ هو الذي دَفَعَ بالجميع إلى هذا الدور الوظيفي من حيث محاربة تنظيم الدولة الذي يؤدي بهما إلى القيام بعمل تكاملي يلتقي فيه الطرفان وتجمعهما عليه مصلحةٌ واحدةٌ من دون تنسيق بينهما ضمن قطاعات عمل منفصلة رسمت خرائطها ومراحلها كلٌّ من القيادتين التركية والأمريكية معًا وَفق تقاطعِ استراتيجيات كل منهما.
وهنا تجدرُ الإشارةُ إلى تخوفاتٍ كبرى لأنَّ معاركَ "درع الفرات" وغضب الفرات" تخرجُ عن دائرة الثورة والمعارك بين الفصائل العسكرية والنِّظَام وبخاصةٍ أنها تبتعدُ بشكلٍ متسارعٍ عن المعارك الفاصلة معه لاسيما في مدينة حلب وفي المناطق الأخرى التي تتصاعدُ فيها الأحداثُ العسكريةُ يومًا بعد يوم، هذا يؤدي إلى الابتعاد والانفصال بين مشهدينِ يَجريانِ على الساحة السورية يكونُ الثاني فيهما على حساب الأول، وربَّما تكونُ معركةُ الرقة هي الفرصة التي تنتظرها روسيا وحلفاؤها من أجل حسم الحرب في مدينة حلب والوصول إلى النهايات التي تريدها!.

الدكتور جبر الهلُّول
المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »