روسيا ومغامرتها القادمة بحلب!!
أعلنتْ "غرفةُ جيش الفتح" وغرفةُ عمليات
"فتح حلب" صباح يوم الجمعة الماضي - (30/10/2016) - عن بدءِ
المرحلة الأولى من معركةٍ كبيرةٍ بهدف فك الحصار عن الجزء الشرقي من مدين حلب،
وأطلقوا عليها اسم "ملحمة حلب الكبرى"، ثم بدأتِ اليوم الخميس - (3/11/2016) - المرحلةُ
الثانية من هذه المعركة. وقد جاء بدءُ المرحلة الثانية في سياقِ استمرار توقفِ
غارات الطيران الروسي على مدينة حلب لليوم السادس عشر، ومستبقًا بدءَ هدنة يوم
الغد الجمعة ليومٍ واحدٍ بحسب ما أعلنتْ عنه روسيا من جانبٍ واحدٍ. وتأتي هذه
الهدنةُ "السّاعيّة" للمرة الثانية في الجزء الشرقي من مدينة حلب
المحاصرة بحجَّةِ إعطاء الفرصة الأخيرة لخروج المقاتلين منها وفسح المجال أمام
المدنيين من أجلِ النزوح عبر المعابر الستة التي خصصتها لذلك، بالإضافة إلى الزعم
بمحاولة تسهيل مساعدات إنسانية إليها.
لكن تلك الخطوات الروسية التي لا يعدو كونها تكتيكات
ومناورات عسكرية للتحضير لما هو قادمٌ مِن مغامرةٍ عسكريةٍ ما فتئت تتوعَّدُ بها
وتَعدُّ لها عدتها وتَحسبُ لها حساباتها، وإن حملت أبعادًا سياسية في الظاهر لكنها
لا تنفصلُ عن تلك الحملة التي تُجهزها لمدينة حلب مع شركائها الإيرانيين
والنِّظَام، وبخاصةٍ أنَّ تلك الخطوات قد جاءت في سياق الحراك السياسي الدولي
والإقليمي المتوقف بشكل رسمي حول القضية السورية لاسيما بعدما انحسرتْ خياراتُ
غالبية الأطراف في ساحة الميدان العسكري ليقول كلُّ طرفٍ ما يريد على طريقته
عمليًّا وليس قوليًّا مستثمرًا عاملَ الوقت في انتظار ما ستؤولُ إليه الأوضاعُ
الميدانية في مدينة حلب وريفها التي هو جزءٌ منها بطريقة ما ومعني بها وبمآلاتها
التي ستنعكسُ بشكلٍ مباشرٍ على أيِّ خطة أو مبادرة للحل الدولي والإقليمي المتعثر
اليوم لطغيان الحراك العسكري في المنطقة كلها تحت مسمياتٍ متعددةٍ وأطراف متنوعة،
وإنَّ جميعَ الأطراف قد باتوا بحاجةٍ إلى نتائج المعركة فيها بشكلٍ ملحٍّ لحسم
الخيارات المستقبلية التي سيكون لها وقعُها على طاولة المفاوضات في رسم خريطة
المنطقة وذلك إذا ما أصبحت جميعُ الأطراف جاهزةً ومستعدةً لتلك المرحلة التي تُثبت
مجريات الأحداث ومن خلال الواقع أنها لا تزال إلى غاية اليوم بعيدة وأنه لنْ يتمَّ
الوصولُ إليها إلا عن طريق العمل العسكري الذي وحده سيحسمُ الخياراتِ السياسيةَ
مستقبلاً.
فالمتابعُ للحراك الدولي والإقليمي والمحلي يجد أنَّ
لغةَ الحرب هي السائدة وهي طاغية على أي حراك سياسي في أي صراع من صراعات المنطقة
أو أي حل لمشكلاتها وقضاياها، فالأمريكيون لا يتحدثون إلا عن محاربة الإرهاب
ومعركة الموصل والرقة ويظهرون عن قصد عدم اهتمامهم بما يجري بحلب وبما يحضر لها،
وبخاصةٍ بعد تعليقِ محادثاتهم مع الروس حول سوريا، وكذلك تركيا التي اقتصرَ
اهتمامُها السياسي والعسكري بعمليةِ "درع الفرات" والوصل إلى مدينة
الباب وفرض شروطها في المشاركة ضمنَ التحالفِ الدولي في معركة الرقة والموصل، ولعل
اهتمامها بمدينة حلب مؤخرًا تعلق فقط بالتقاطعات التي فرضت ضرورة التفاهم مع روسيا
عسكريًّا من أجل ضمان وصول "درع الفرات" إلى أهدافها الجيوسياسية،
لاسيما أن تركيا تريد أن تستثمرَ الخلافَ الروسي الأمريكي بعد تعليق المحادثات
بينهما حول الملف السوري وتدرك حاجة روسيا لها في تلك التقاطعات التي تتعلقُ بحلب
وريفها وأنَّ الخلافَ بين الطرفين ليس لمصلحتهما في هذه الظروف لاسيما أنَّ كلًّا
منهما يُريد شيئًا مختلفًا عن الآخر من الجانب الأمريكي وأنَّ أيَّ تقارب بينهما
ليس إلا ورقة ضغط على ذلك الجانب الذي سيكون منشغلًا إلى حدٍّ مَا بالشأن الداخلي
الأمريكي المتعلق بالانتخابات الرئاسية القادمة خلال هذا الشهر.
فروسيا التي ترى نفسَها في هذه الظروف أنها الطرفُ
الأقوى الآن في الساحة السورية وأنها الأقدرُ عسكريًّا على حسم الخيارات فيها من
خلال التركيز والاهتمام بمعركة حلب التي تراها فاصلةً بشكل مباشر في مستقبل روسيا
قبل سوريا وتُحدد من خلالها موقعها في ساحة الصراع الدولي والإقليمي وتفرض وجودها
فيه.
لذا تجدُ روسيا في هذه الوقت ووفقًا للظروف الدولية
والإقليمية والمحلية أنَّ فرصةَ الاستيلاء على مدينة حلب بكاملها وتعزيز موقفها
العسكري والسياسي من خلالها باتتْ مناسبةً لاسيما بعد إكمال التجهيزات العسكرية والدعاية
الإعلامية الكبيرة التي حضرتْ من خلالها لتلك الحملة التي تنوي القيامَ بها. ولكن
وإنْ لمْ تحدد بعد ساعةَ الصفر لتلك المغامرة إلا أنها ربما باتتْ قريبةً جدًا
تقاسُ بالأيام وليس بالأسابيع بعدما أخذتْ وقتًا طويلًا في الاستعداد لهذه الخطوة
الحاسمة ودراسةِ مخاطرها الكبيرة المتوقعة وغير المتوقعة وعملت تحسبًا لأيِّ طارئ
مفاجئ فاستقدمتْ تعزيزاتٍ إضافيةً عسكرية بحريةً وجوية وصاروخية ضخمة لهذا الغرض،
تحت أنظارِ واشنطن وسائر الدول الغربية والعربية والإسلامية، والمنظمات الأممية
وكأنها تتحضَّرُ لحربٍ عالمية ثالثة.
كما لمْ توفر روسيا جهدًا في القيام بتفاهماتٍ مصلحية مع
دول إقليمية وتُنسق خطواتِها العسكريةَ مع شركائها الإيرانيين والنِّظَام في سياق
التحضير لتلك المغامرة المرتقبة قبل أن تُعلنَ بشكلٍ صريح وعلني يوم الثلاثاء
الماضي عن إرجاءِ العملية السياسية حول القضية السورية إلى "أجلٍ غير مسمى" حيث ترافقَ ذلك الإعلانُ الرسمي مع تهديداتٍ
أطلقها الكرملين، حول الاستعداد إلى استئناف الغارات الجوية على الأحياء الشرقية
من حلب، في حال استمرتِ المعارضةُ بتهديد قُوَّاتِ النِّظَام غرب المدينة، عبر
"ملحمة حلب الكبرى" التي أدَّت الى انهيار دفاعات النِّظَام في تلك
النقاط، ومن ثم أعلنت اليوم بدء مرحلتها الثانية.
لكن وإنْ قلَّل محللون وسياسيون من أهميةِ التحضيرات
العسكرية الروسية واعتبروها في سياق الاستعراض للقوة وأنَّ موسكو ليست جادةً في
إطلاق عمليةٍ عسكرية كبيرة غير متوقعة على اعتبار أنَّ روسيا تُدركُ أنَّ حلبَ غير
"غروزني" إلا أنَّ ذلك لا يعني على الإطلاق الابتعاد عن الاستعداد وتوقع
معركة كبيرة وفاصلة قريبة جدًّا تَدْفع إليها إيرانُ ويريدها النِّظَامُ ولنْ تجدَ
روسيا من دون هذه المغامرة العسكرية خيارًا آخر يُنقذها من المستنقع السوري الذي
جرَّتْها أمريكا إليه لكي تكونَ سوريا أفغانستان جديدة بالنسبة لها!!.
الدكتور جبر الهلُّول

الإبتساماتإخفاء الإبتسامات