معركة حلب والمراهنة على عامل المفاجآت المخفي!!

معركة حلب والمراهنة على عامل المفاجآت المخفي!!
لم تكنْ مُجرياتُ الأحداث التي تَجري في مدينة حلبَ مُفاجئةً وخارجةً عن السياق العسكري الذي تنتظره المدينةُ وتتوقَّعه من قِبَل كُلِّ الأطراف التي تُراهنُ على أنَّ خياراتِ المرحلة القادمة تَرسمها معاركُ حلب التي لم تتوقَّفْ منذ أكثر من عام، وبخاصةٍ أنَّ هناك مَن أعدَّ العدةَ لخوضِ معركةِ النهاياتِ المصيرية فيها التي ستصْنعُ وتَفرضُ القراراتِ الحاسمةَ والصعبةَ في مُعادلةِ الصراع الدولي والإقليمي والمحلي في المنطقة كلها انطلاقًا من القضية السورية وتحديدًا من خلال المجريات العسكرية في مدينة حلب وريفها الشمالي والشرقي التي دخلتْ بازارَ التسوياتِ الدولية والإقليمية عن طريق اتباع الاستراتيجيات العسكرية على الأرض، بعدما باتَ أصحابُ تلك الاستراتيجيات جميعًا موجودين داخلَ تلك الأرض بشكلٍ مباشرٍ وأصبح أيُّ انسحابٍ لأيِّ طرفٍ قبل الحسم العسكري الجغرافي في مدينة حلب سيكونُ لصالح الطرف المقابل له.
 لذا لقدْ فَرَضَ واقِعُ التدخل العسكري الدولي والإقليمي والمحلي الاستمرارَ في اللعبة حتى النهاية التي لا تَبدو قريبةً وإنْ كانت معركةُ حلب الجزءَ المهمَّ من تلك المرحلة في سوريا كما هي مدينة الموصل هي الجزءُ المهمُّ في العراق، ولكن عمليًّا ووفقًا لمجريات الأحداث لا يمكنُ الفصلُ بينمها من حيثُ النتائج وتداعياتها مع الأخذ بعين الاعتبار أن المُتغيرَ الأساسيَّ السلبي سيكون على حسابِ ديموغرافية المنطقة السنيَّة التي جُعلتْ بين أحدِ خيارين مِن قِبلِ كلِّ الأطرافِ مِن دون استثناء: القتل والتدمير أو النزوح والتهجير إلى أجل غير مسمى.
فروسيا التي تُراهنُ مِن خلال فرض الحصار على المدينة والتهديد بمعركةٍ فاصلةٍ من أجل إعادة احتلالها بشكلٍ حاسم وإعلان انتصارها بسوريا لا تخرج عن تحقيق أحد الخيارين، وأن ذلك الرهان في الواقع ليس إلا خيارًا وحيدًا بعد فشل اتفاقها مع أمريكا وتعثر الحراك السياسي الدولي والإقليمي الذي أعقبَ فشلَ الوصول إلى مقاربةٍ لحلِّ القضية السورية باستثناء انتظار ما ستؤول إليه مدينةُ حلب التي باتتْ مكسرَ العصا لجميع الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية.
إنَّ هذا الواقع ووفقًا لكلِّ المبادرات التي طُرحت مُؤخرًا وألقتِ المسؤوليةَ على عاتق فصائل المعارضة ما كانتْ إلَّا مناورةً سياسية في إطار تفعيلِ العمل العسكري بشكلٍ أكبر في مدينة حلب من قبل كل الأطراف، ولم تكنْ مبادرةَ دي مستورا التي وجدتْ فيه روسيا فَرْضَ خيارها الوحيدِ وبخاصةٍ بعد اجتماع لوزان الذي لمْ يكن أمامه سوى التوافق الشفهي على ضرورة فصل المقاتلين "المعتدلين" عن "المتطرفين" عن طريق إخراج مقاتلي جيش فتح الشام (900) من داخل المدينة المحاصرة بحسب مقترح دي ميستورا الذي دعم خيارها العسكري الذي تعمل عليه وتحضر له لإدراكها صعوبةَ تنفيذِ المقترح الذي لمْ يأت إلا في سياق دعم واستمرار العمل العسكري في حلب الذي تعتبر فيه روسيا أنها الطرف الأقوى فيه لاسيما من خلالِ عامل الطيران الحربي الذي استطاعتْ من خلاله تغييرَ موازين القوة على الأرض لصالح النِّظَام من جهةٍ كما استطاعتْ من خلاله التحكمَ في نهاية العديد من المعارك التي كان آخرها معركةُ فكِّ الحصار الأولى التي تدخلت في نهايتها بشكل كبير وأعادت إحكامَ الحصار على المدينة وإعادة طرحَ خياراتها عليها وتنتظر ردَّ الفعل الدولي والإقليمي والمحلي على ذلك.
لم تكن تلك الصورة التي تريدها روسيا غائبةً عن كل الأطراف التي اجتمعت في لوزان والتي لها حضورها العملي على أرض الميدان ولكن عجلت الأحداثِ لمْ يعدْ بالإمكان توقُّفِها ما لمْ تصلْ إلى النهايات التي سترسم خريطةَ المنطقة ونفوذها كل الأطراف فيها ولا شك أنَّ نتائجَ ما ستؤول إليه معركةُ حلب هي التي ستحدِّدُ نسب ذلك.
ولهذا كانت الخطوةُ الاستباقية الروسية بإعلان هدنةٍ من جانبٍ واحد ووقف غارات الطيران الحربي على مدينة حلب ضمن التحضيرات لتلك المعركة التي تعتبرها روسيا فاصلةً في مجريات الأحداث، وأن استمرارها في التوقيف المؤقت لغاراتها عن المدينة فقط ليس إلا جزءًا من الخطة العسكرية التي تعدها لتلك المعركة، وأن معركةَ فك الحصار الثانية التي أعلنتْ عنها الفصائلُ العسكرية هي من وجهةِ النظر الروسية كانت مرتقبةً ومتوقعةً وأن لا خيار أمام الفصائل مجتمعة سوى القيام بتلك المعركة لفك الحصار قبل بدء المعركة التي ستقودها روسيا وتأخذ فيها زمام المبادرة بحسب سيناريو معركة فك الحصار الأولى من خلال إعادة تفعيل سلاح الطيران بشكلٍ حاسمٍ وقويٍّ في وقتٍ لاحقٍ من مراحل معركة فك الحصار ليبدو الرَّدُّ الروسي كردِّ فعلٍ يُريدُ مِن خلاله صناعة النهايات التي رسمها في موسكو مع وزير خارجية النِّظَام وإيران للقضية السورية من خلال مدينة حلب.
ولكن إذا كانتْ مجرياتُ الأحداث ما زالتْ تسيرُ ضمن ما هو متوقع مِن قبل كلِّ الأطراف وَفق سيناريو معركة فك الحصار الأولى لكن هذه المعركة التي كان مجرد الإعلان عنها هو معركةٌ بحدِّ ذاته لأهمية عامل الوقت فيها فإنَّ أهميتها ليست بتكتيكاتها الأولى ولكن بما تخفيه من عامل المفاجأة الذي تحرص كل الأطراف على التهديد به كعامل حاسم في صناعة نتائجها ولهذا تبقى كلمة السر في هذه المعركة المصيرية في حلب تنتظر عامل المفاجأة الحاسم!!.

الدكتور جَبْر الهلُّول
المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »