معركة حلب والنّهايات المصيريّة الكُبرى!!

معركة حلب والنّهايات المصيريّة الكُبرى!!
أُعلنت - بالأمس الجمعة -  معركةٌ أُخرى باسم "أبو عمر سراقب" من أجلِ فكِّ الحصار عن مدينةِ حلب الذي أُحكمت قبضتُه منذ شهر تموز الماضي من خلالِ السيطرةِ على طريق الكاستيلو ومحيطه، وقد جرتْ معركةٌ سابقةٌ لكسره في شهر آب الماضي باسمِ "معركة إبراهيم اليوسف" من جهةِ الراموسة التي حقَّقتْ نجاحًا سريعًا ميدانيًّا في بدايتها لكن مِن دون أن تتمكنَ عمليًّا من فكِّ الحصار عن المدينة حيثُ استطاع حلفُ العدوان الثلاثي الذي تَقودُه روسيا ومن خلال اتباعِ سياسةِ الأرض المحروقة عن طريقِ الاعتماد على الطيرانِ الحربي والمروحي أن يُعيدَ حصارَ حلبَ من جديدٍ ومُهدِّدًا لها بأحد الخيارين اللذين نتيجتهما واحدة بالنسبة له: وذلك إمَّا بالتسليم عن طريق انسحاب المقاتلين منها أو بإسقاطها على طريقة "غروزني" بتدميرها بعد إعطاءِ الفرصة للمدنيين من أجل انسحابهم منها، وبزعم روسيا ومَن معها أنه بعد انتهاء الهدنة الروسية التي أعقبتْ لقاء "لوزان" فقدِ انقضتِ الفرصةُ أمام المقاتلين وبقيتِ الفرصةُ متاحةً أمام المدنيين فقط للخروج من المعابر التي خصَّصوها لذلك، وأن استمرار توقف الطيران الروسي عن استهداف المدينة من عشرين الشهر الحالي إلى اليوم على الرغم من بدءِ معركة فك الحصار هو في سياقِ تركِ المجال لمغادرة المدنيين منها كما صرَّح بذلك بوتين قبل البدء بالخطوة الحاسمة التالية التي لم يعدْ لهم خيارٌ فيها!.
فالمعركةُ التي انطلقتْ يوم الجمعة لفكِّ الحصار عن مدينة حلب هي بلا شك من المعاركِ الحاسمة والمصيرية ليس بالنسبة إلى مدينة حلب فحسب وإنما إلى القضية للسورية بكل تفصيلاتها أيضا، لاسيَّما أنَّ هذه المعركةَ لا يمكن فصلها عن مجرياتِ الأحداث الميدانية منذ التدخل الروسي العسكري في القضية السورية في (30/9/2015) الذي جعلَ من حلب محورَ خطَّته العسكرية التي تصل بها في النهاية عبر مراحل متعددة ومتسلسلة إلى جعلها الورقة النهائية الوحيدة التي يتمُّ اللعب عليها في الساحة الدولية والإقليمية والمحلية، وبناءً على نتيجة هذه اللعبة سيتحدَّدُ الرابحون والخاسرون من كل الأطراف.
ولعل روسيا أرادتْ من خلال تدخلها العسكري إلى جانبِ النِّظَام أن تُصبحَ الطرفَ الأقوى الذي يُمسكُ بورقةِ مدينةِ حلبَ على اعتبار أنَّ مَن يُمسكُ بتلك الورقة بشكلٍ قوي يكون قادرًا على التحكم بالقضية السورية عسكريًّا وسياسيًّا ومِن ثم يمكنه أن يُساومَ على فرض تسوياتٍ في ملفاتٍ شائكةٍ في مناطقَ أخرى مع الأطراف المتدخلة والمعنية بشكل مباشر بتلك القضية التي لمْ تعدْ قضية محليّة بقدر ما هي قضية إقليميّة ودوليّة وتداعياتها ستكون على هذا المستوى من التأثر والتأثير في مجمل قضايا المنطقة والعالم.
لكن روسيا التي راهنتْ على قُدرتها في الإمساك بمدينة حلب وجدتْ - بعد أكثر من عام من التدخل العسكري والعدوان المستمر الذي لم يتوقفْ - أنَّ الأطرافَ الأخرى تُراهن على الورقة نفسها بل أشد، وربما أرادتْ أن تحشر روسيا في تلك الورقة الوحيدة ولكن ضمن استراتيجية أخرى مُقابلة للاستراتيجية الروسية ومُدركة لأبعادها وقد دخلتْ معها عن قصدٍ وتخطيطٍ في معركة "حرب الإرادات" التي لابد أن يكون فيها طرفٌ غالبٌ وطرفٌ مغلوبٌ بشكل واضح وعلني، ولهذا كانت كلُّ التفاهمات والاتفاقيات التي غابَ فيها وضوحُ هذه النتيجة كانت فاشلةً ومن خلال هذه الفشل المتكرر كانت شراسةُ الحرب في حلب التي جُعِلتْ معيارًا لحسم تلك النتيجة، لذا لمْ يتوقفْ عدوانُ الحلف الثلاثي الذي تقودُه روسيا عليها منذ اليوم الأول لتدخلها لتصل بها إلى هذه المرحلة التي تنحصرُ المعركةُ فيها بنطاقٍ جغرافي ضيقٍ يتعلق بالجزء الشرقي من مدينة حلب المحرر والذي تمكنتْ من محاصرته مُؤخرًا وباتتْ في المقابل معاركُ القوى الثورية تنحصرُ لفك هذا الحصار ولكن تبقى المراهنةُ ليس على نجاح ذلك أو فشله وإنما المراهنةُ لمَن ستكونُ حلبُ في النهاية من حيثُ النفوذِ الدولي والإقليمي وليس المحلي الذي أصبح جزءًا منه ولا يمكن أن ينفصلَ عنه؟!.
ولهذا إنَّ معركةَ فك الحصار عن الجزء الشرقي من حلب والعمل على تحرير الجزء الغربي منها وإنْ جاءتْ هذه المعركةُ غير مفاجئة في سياقِ مجرياتِ الأحداث التي تتصاعدُ يومًا بعد يوم والتي قد تكونُ غير مفاجئة أيضًا بنتائجها المرحلية الأولى وبخاصةٍ أنَّ كلَّ الأطراف كانت على استعدادٍ ظاهرٍ وعلنيٍّ لتلك المعركة التي تُسميها كلُّ الأطراف بأنها "المعركة الكبرى" إلا أنَّ المراهنة فقط قائمة في هذه المعركة مقارنة بالمعارك السابقة التي لا تنفصل عنها تتعلقُ بعامل المفاجأة الذي سيرسم معالمَ مرحلتها النهائية ضمن أحد احتمالين: إما أنْ تضعَ هذه المعركةُ حدًّا لمعارك الابتزاز والاستنزاف وردّات الفعل والمساومة على حلب وتُنهي حصارها وتُوقف معاناة ومأساة أهلها، وإما أنها ستُنهي حلب بتدميرها وفرض واقع احتلالي جديد عليها لمْ تعرفْه المدينةُ مِن قبل في العصور السباقة على النحو الذي تحلمُ به موسكو وتريدُه وتعملُ عليه مع شركائها بكلِّ ما يمتلكون من إمكاناتٍ عسكرية وسياسية.
لذلك وبناءً على ما ستنتهي إليه هذه المعركةُ المصيريةُ من خلال هذين الاحتمالين ستتحدَّدُ معالمُ المرحلة القادمة وترسم خطوطها العريضة واتجاهاتها المحلية والإقليمية والدولية والتي يصعبُ التكهنُ بها الآن في ظلِّ التعقيد الذي تشهده القضيةُ السورية الآن والصراعات المتعددة الأطراف. لكن يمكن القول: كيفما كانتِ النتيجةُ لهذه المعركة التي ستحرصُ كلُّ الأطراف عليها، ستكونُ في النهاية معركةً فاصلةً وحاسمةً ومصيريةً في سياق مجريات القضية السورية ولها ما بعدها بكل مقاييس الصراع الدائر في المنطقة كلها.

الدكتور جَبْر الهلُّول


المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »