المجتمع الدوليُّ يُراقبُ!!!
حدَّدتِ المندوبةُ الأمريكيةُ الدائمة في الأمم
المتحدة "سامنثا باور" عددًا مِن مُجرمي الأسد العسكريين والأمنيين على
أنهم مرتكبي جرائم حرب ضدَّ المدنيين وأنذرتهم بمصيرِ مَنْ سَبقهم مِن مُجرمي
الحرب وحذَّرتهم بأنَّ "المجتمع الدولي يُراقبُ ما يحدثُ" في سوريا
وأنهم سيحاسبون في يومًا ما على جرائمهم !.
إنَّ المجتمعَ الدولي الذي تتحدَّثُ عنه
المندوبةُ الأمريكية التي هي جزءٌ منه وما زال ممثِّلُ الأسد ونظامه أيضًا جزءًا
منه ومعترفًا به كعضوٍ في الأمم المتحدة وقد ردَّ عليها بهجومٍ عنيفٍ على اعتبار
أنه زميل لها في هذا المجتمع الدولي الذي تهدد به وتراه قريب جدًّا من المأساة
الحاصلة في سوريا وهو يراقبُ عن كثبٍ ما يجري فيها.
بالتأكيد إنَّ موقفَ "سامنثا" لا
يتعدَّى الموقف "أخلاقي" الذي لا قيمة له عمليًّا على الأرض ولن يكونَ
له تأثيرٌ على مجريات التصعيد الهمجي للعدوان الثلاثي الذي تقوده روسيا وأعلنتْ
عنه صراحةً وبتفاخرٍ بما تُدمِّرُه عن طريق استخدام آلتها العسكرية المتطورة بحجة
"محاربة الإرهاب" التي تتقاطع فيها مع الولايات المتحدة الأمريكية لكن
كل بمعياره على الساحة السورية نفسها.
لا شكَّ أنَّ "سامنثا" ومَن ورائها
يُدركُ تمامًا أنَّ الجرائم التي تقعُ بحق المدنيين تقومُ بها وترعاها روسيا التي
هي عضوٌ في مجلس الأمن والتي استخدمتْ حقَّ الفيتو خمسَ مرَّاتٍ لصالح
"الأسد" وحالتْ دون وقف إجرامه لأنهما شركاء في ذلك بالإضافة إلى إيران
المشاركة الأكبر على الأرض عن طريق قُوَّاتها واستجلاب المليشيات المتعددة
الجنسيات كمرتزقة لقتل الشعب السوري. لكن المندوبة الأمريكية وإنِ اقتصرتْ على
عددٍ من مجرمي الأسد وهي إشارةٌ إلى كلِّ المجرمين الذين معه وحاولتْ أنْ تؤكدَ
على مصداقية تحذريها بمصير الرئيس الصربي السابق "سلوبودان ميلوسيفيتش"،
لكنها تغافلتْ عن قصدٍ عن الآلية التي صنعت مصير الرئيس الصربي، ودور أمريكا في
ذلك مباشرة عن طريق استخدام القوة العسكرية، واكتفت بمطالبةِ روسيا وقفَ العنف
فورًا وتسهيلَ المساعدات الإنسانية الطبية إلى الشعب السوري وانتقدتِ استهدافَ روسيا
للمدنيين والمستشفياتِ التي دمرت خمس منها خلال يومين فقط. الأمر الذي دعا روسيا
إلى الرَّدِّ على "سامنثا" بأنها ذكرت أسماء مجرمي النِّظَام ولمْ تذكرْ
أسماءَ الإرهابيين على الأرض، وكأنها تُذكرها بنقاط التقاطع فيما بينهما من جهة،
ومن جهة أخرى تعترف بما تقوم به وتعطيه المشروعية وتبرر ما يقوم به النِّظَامُ
ومَن معه على أنهم جميعًا جزءٌ من هذا المجتمع الدولي الذي تستند إليه المندوبةُ
الأمريكية وتهددُ بمراقبته مجريات الأحداث في سوريا التي يعلمُ المجتمعُ الدولي
نفسُه وغالبيةُ شعوب الأرض مَن هو المجرمُ فيها ومَن هو الضحيَّةُ. لكن النفاقَ
الدولي يبدو جليًّا وواضحًا أنه من خلال مراقبته لما يجري في سوريا أنه شريك فعلي
في الأحداث الإجرامية التي سببت مأساةً كبرى للشعب السوري وسواء جاء ذلك عن طريق
الصمت أو المراقبة أو الاحتجاج أو عدم الوقوف العملي إلى جانبه أو كان بمشاركة عمليةٍ
بطريقة أو أخرى في الساحة السورية جعلت من هذا المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية لا
تقل عن مسؤولية الدور الروسي والإيراني ومن معهم تجاه القضية السورية التي جعل
منها هذا المجتمع الدولي وسيلة لصراعاته ومشاريعه وخططه ولم تكن يومًا خلال
السنوات التي مضتْ غاية عنده من أجل التدخل لإيجاد أي حل عادل لها، وذلك ليس لعجز
وإنما لأن مصلحته اقتضتِ استمرارها وباتَ حلُّها مرهونًا بتلك المصالح
واستراتيجيات الوصول إليها التي تعتمد بشكل مباشرٍ على العنف باستخدام الجانب
العسكري بكل وسائله وإمكاناته في المنطقة وعلى حساب أهلها كما هو في سوريا
والعراق.
لذلك إنّ تَذرُّعَ المجتمع الدولي بقضية
المدنيين وتجريم المسؤولين عنه من خلال ما يتعرضون له مسألة فيها نظر، بخاصةٍ أنَّ
المجتمعَ الدولي – باختصارٍ-هو الدول القوية المتحكمة فيه وهو لعبة
"الكبار" الذين يجعلون من الدول الصغيرة والشعوب أدواتٍ في هذه اللعبة
ووقودًا لصراعاتهم فيها لا أكثر ولا أقلَّ من ذلك. وقد أثبتتِ الكثيرُ من قضايا
الشعوب وبالأخص منها القضية السورية حقيقة المجتمع الدولي وزيفه وكذبه في الشعارات
التي يطرحها بدءًا بادعاءاته الحرص على حقوق الإنسان وانتهاء بتجريم من ينتهك تلك
الحقوق !.
إنَّ مَا يتعرَّضُ له الشعبُ السوري من عدوانٍ
همجيٍّ تقوده روسيا وتشارك به إيران بشكل قوي بصمت إلى جانب نظام مجرم ومليشيات
متعددة الجنسيات كافٍ للقول: إنَّ المجتمع الدول بكل منظماته ومؤسساته هو كاذبٌ
بادعاءاته وشعارته وهو شريكٌ فعليٌّ فيما يجري في سوريا، وإنَّ التعويلَ عليه في
أية صورةٍ للحل لا تخرجُ عن استمرار الخديعة التي ما زال يرددها بعضُ أدوات اللعبة
من الصغار على مستوى كثير من الدول التي تتدعي أنها أصدقاءُ للشعب السوري وكثير من
السياسيين الذين نصبوا أنفسهم متحدثين باسم القضية السورية عن طريق كياناتهم التي
صنعها هذا المجتمعُ الدولي ولم تصنعها الثورةُ وباتوا بوقًا وصدى له من خلال هذا
الطرف أو ذاك الطرف فيه ، وأصبحوا يراقبونَ ما يراقبه المجتمعُ الدوليُّ عن قُربٍ
أو عن بعد وينتظرون ما يُبشر به المجرمون بالعقاب، واقتصر فعلهم السياسي على الحض
والتشجيع والتنديد!.
إنَّ على الشعوب ومنه الشعب السوري على وجه
الأخصِّ أنْ يحرصَ على استمرار ثورته ويبدع الأساليب والطرق للتجديد فيها ويعمل
على الاستفادةِ مِن أخطاء التجربة الثورية التي وقع فيها ويتجاوزها، عندها فقط
يستطيعُ أنْ يفرضَ وجودَه في الساحة المحلية السورية وحضوره في المجتمع الدولي،
ولا ينتظر منه معاقبة المجرمين وتهديده لهم بأن يوقفوا العنف ويسمحوا بالمساعدات
الإنسانية له!.
إنَّ المجتمعَ الدولي هو باختصارٍ ما زالَ
يحكمُه قانونُ الغاب، ومَن لا يُتقنُ كيفيَّةَ العيشِ ضمن هذا القانون، لا يستطيعُ
الاستمرار على قيد الحياة سواء أكانت دولًا أم شعوبًا. وما قالته: المندوبةُ
الأمريكية لا يخرج عن هذه الحقيقة الجوهرية بأنَّ العنفَ يدفع إلى التطرف ولا
يُوقفه!!!.
الدكتور جَبْر الهلُّول

الإبتساماتإخفاء الإبتسامات