إنَّ عمليةَ "درع الفرات" التي تقودُها تركيا
بالاعتماد على فصائلَ من الجيش الحر قد أوضحتْ أنَّ الهدفَ من العملية هو تحقيقُ
منطقةٍ آمنةٍ على مساحةٍ جغرافيةٍ تقارب (5000) كم مربع وتلك المساحةُ لا تتحقَّقُ
إلَّا من خلال السيطرة على أربع مدن كبرى تتبع إداريًّا إلى محافظة حلب: مدينة
إعزاز في الريف الشمالي لحلب وثلاثة أخرى في الريف الشرقي لحلب وهي على وجه
التحديد مدينة جرابلس ومنبج ومدينة الباب التي تَجري عليها المعاركُ ضدَّ تنظيم
الدولة ضمنَ المرحلة الثالثة من عمليةِ درع الفرات التي وصلتِ اليوم إلى داخلها
ويكون بانتزاعها من سيطرةِ التنظيم تكونُ "درع الفرات" قد حققتْ نجاحًا
كبيرًا وَفق الأهداف المعلنة للعملية وتَبقى قضيةُ منبج التي حرَّرتها "قُوَّات
سوريا الديموقراطية" -اختصارًا-
"قسد" من التنظيم قبل بدء "درع الفرات" وما يتعلَّق
بريف إعزاز الذي سيطرتْ عليه "قسد" أيضا من الجيش الحر بعد التدخل
العسكري الروسي وأثناء معارك النِّظَام لفك الحصار عن نبل والزهراء موضوعًا قائمًا
يحتاج إلى حلٍّ لأنه لا تستكمل "درع الفرات" أهدافها ما لمْ تدخلْ تلك
المناطقُ الجغرافية ضمنَ المنطقة الآمنة التي طرحتها تركيا وانسحبت منها "قُوَّات
الحماية الشعبية الكردية" إلى الشرق من نهر الفرات وتمَّ القضاءُ عمليًّا على
فكرةِ وصل مدينتي كوباني بعفرين، وتأمين الحدود التركية من الجهة السورية من عدم
قيام حزام كردي "انفصالي" بالقرب منها.
فعمليةُ "درع الفرات" وَفق ما أعلنتْه تركيا
هي عمليةٌ محددةُ الأهداف من حيث الجغرافيا التي تنتهي عندها العمليةُ وتتحققُ بها
الأبعادُ السياسية والعسكرية وما يأتي من تعديلٍ لتلك الأهداف المعلنة لنْ تخرجَ
عن تلك الأبعاد السياسية والعسكرية وإنْ خرجتْ عن إطار عملية "درع
الفرات" وبخاصةٍ فيما يتعلق بشرق نهر الفرات لاسيَّما في تل أبيض ومعركة
الرقة القادمة، حيث أن ترتيبَ منطقة شرق نهر الفرات هي مرحلةٌ لاحقةٌ وقادمة ولابدَّ
أن يكون لتركيا دورٌ كبيرٌ في ذلك لا يمكن تجاهلُه بعد النجاح في عملية "درع
الفرات" وقيامها أولًا بترتيب المنطقة الممتدة غرب نهر الفرات.
فإذا كانتْ "قسد" قد حققت نجاحًا تحت مظلة
التحالف الدولي في السيطرة على مدينة منبج بعد طرد تنظيم الدولة منها وقد أعطاها
ذلك دافعًا للبقاء فيها والتوسع من خلالها إلا أنَّ ذلك يتعارضُ مع التفاهم التركي
الأمريكي حول عملية منبج تحديدًا على اعتبار أنَّ أمريكا هي مَن يقودُ المعركةَ
عمليًّا على الأرض وعليها يقعُ إعادةُ عناصر "وحدات الحماية الكردية"
إلى شرقي النهر، وذلك لأن الشمالي السوري الذي هو خارجُ الثورة منذ انْ سيطرَ عليه
تنظيمُ الدولة في عام (2014) سيعاد ترتيبه من جديدٍ تحت الإشراف الأمريكي المباشر
ضمن معركة محاربة "الإرهاب" وأن الشمال السوري بغالبيته سيكونُ تحت مظلة
طيران التحالف الدولي بعد طرد التنظيم منه بمعنى أنه من المفترض أن يكون خارجًا عن
سيطرة النِّظَام ومَن معه على الأقل بصورةٍ مباشرة وبالتالي إنَّ بقاء
"قسد" غرب نهر الفرات بأية طريقة كانت ودعمها بطريقة مباشرة أو غير
مباشرة سيعرقلُ هذا الترتيب ومنه سيعيقُ إتمام عملية "درع فرات" وهذا
سيؤدي إلى صدامٍ بين الطرفين يتعارض مع الاستراتيجية الأمريكية التي ستعملُ على
ضبطه و تحول دون تفاعله وتجاوزه الرسائل السياسية العنيفة التي لن تتوقف بسبب
طبيعة تكوين "قُوَّات الحماية الشعبية" التي تستفيد من الصراعات الدولية
والإقليمية والمحلية وتلعب على التناقضات فيما بينها من أجل الوصول إلى أهدافها.
إنَّ إعلانَ "قسد" "غضب الفرات" هو
خطوة أمريكية تأتي في سياق ترتيبات الشمال السوري لاسيما شرق نهر الفرات وأن تلك
الخطوة التي لا تتعارض مع "درع الفرات" لا من حيث الأهداف ولا المجريات
الميدانية بل ربما تساعدُ في إنجاح "درع الفرات" وإتمامها من خلال حصر
"غضب الفرات" ضمن قطاع جغرافي بعيد عنها ويرسم من جهة أخرى ملامح الحدود
الجغرافية التي ستكافئ بها قسد على دورها في محاربة تنظيم الدولة وتحصر بها الفدرالية
الجغرافية التي تمَّ الإعلانُ عنها سابقًا، ولكن إذا كان معيار نجاح " درع
الفرات" هو الترتيب النهائي للمنطقة الآمنة الجغرافية بكامل مساحتها المعلنة
فما هو معيارُ نجاحِ "غضب الفرات" الذي حصرت مهمتها من الجانب الأمريكي
في عزل مدينة الرقة الذي لن يتحقق لها إلا من الجهة الشمالية فقط وينتهي دورُها
الأحادي فيها الذي لن يتكررَ في معركة مدينة "الرقة" القادمة؟!.
إنَّ النجاحَ الذي حققته "قسد" في منبج لن
يتكررَ في "غضب الفرات" لا بالظروف نفسها ولا بالحملة الإعلامية الدولية
التي رافقتها، كذلك لن تتوافرَ فيها عواملُ الاندفاع التي شجَّعتْ خوضَ معركة منبج
على أمل التقدم إلى مدينة الباب التي كانت تراها الطريق الإجباري من أجل الوصول
إلى عفرين، وبخاصةٍ أنَّ معركةَ مدينة الباب هي المعركةُ الكبرى في "درع
الفرات" وباتت على أبوابِ حسمها ومِن ثمَّ الالتفات إلى منبج مباشرة !.
إذًا بغضِّ النظرِ عن الظروف التي أحاطتْ بعملية
"درع الفرات" ومحاولات عرقلتها في بعض الأحيان إلا أنها وَفق ما أعلنتْه
مِن أهداف وما قطعته من مراحلَ بنجاح هي اليوم في المرحلة النهائية العسكرية التي
تقربها من غاياتها المرسومة التي قد تَحقق قسمٌ كبيرٌ منها وإنه بمجردِ حسم خوض
معركة مدينة الباب وطرق أبوابها اليوم أصبحت "درع الفرات" على أبوابِ
مرحلةٍ جديدةٍ لاستثمار نتائجها من خلال التحدي الأكبر الذي يتعلَّقُ بتنظيم
المنطقة وإدارتها وإعادة ترتيب أوضاعها بطريقةٍ مختلفةٍ عن
المراحل السابقة وبناءً على ذلك سيقاسُ معيار النجاح والفشل لعملية
"درع الفرات" وعلى ذلك يراهن النِّظَامُ ومَن ومعه وكذلك
"قسد"!!.
الدكتور جبر الهلُّول

الإبتساماتإخفاء الإبتسامات