الاتِّفاقُ الأمريكيُّ الرُّوسيُّ والحلُّ العسكريّ المفروض ...!.

الاتِّفاقُ الأمريكيُّ الرُّوسيُّ والحلُّ العسكريّ المفروض ...!.
الدكتور جبر الهلُّول
إنَّ مَا يَجري في حلبَ مِن تصعيدٍ عسكريٍّ تَقودُه روسيا لا يَنفصلُ عَنِ الاتفاقِ الأمريكيِّ الرُّوسيِّ في الكثيرِ مِن جوانبِه فهو يَعكسُ حجمَ قوَّةِ كُلٍّ مِن الطَّرفينِ في الاتِّفاقِ أولًا  ومقدارِ الانتكاسةِ في الربح والخاسرة لكلٍّ منهما فيما أرادَه مِن خلالِ تطبيقِ هذا الاتفاقِ وبخاصَّةٍ فيما يتعلَّقُ بمدينةِ حلبَ على وجه التحديدِ التي شكَّلتْ ساحة الصراعِ بينهما وجوهر الاتفاق الذي تمحورتْ غالبيةُ بنوده حولها وجُعلت ميدانَ الاختبار لدرجةِ نجاحِ الاتفاق وفشله ومعيارًا لمدى التوافقِ والاختلاف الأمريكي الروسي حولَ القضيةِ السورية والخطوة الأولى الأساسية لبلورةِ أيِّ حلٍّ مستقبليٍّ لها يُمكنُ أن يَعملَ عليه الجانبان ويفرضانه على كافَّةِ الأطراف المحلية والإقليمية بعد أنْ يفرضَ أحدُهما على الآخر إرادَته وقدرتَه في إدارةِ الصراع والتحكم به ويقبل الآخر بالنتائج النهائية التي ستتمخَّضُ عن هذا الاتفاق فيوافِقُ على تنفيذِ بنوده على قاعدةِ أنه لمْ يكنْ بالإمكانِ أنْ يُحققَ مِن مصالحَ أو يُتجنبَ من خسائرَ أكثر ممَّا كانَ سواء عن طريقِ المفاوضات بين الطرفين أو عن طريق الحرب عن طريقِ الوكالة واستنفاذ كافة وسائل الضغط المتاحة بينهما، وبناء على ذلك ستُفرضُ النتيجةُ التي تمخضتْ عنها حربُ الإرادات بشكلٍ تبعيٍّ على كلِّ الأطرافِ المحلية والإقليمية.
فإذا كانَ العدوانُ الهمجيُّ الذي تتعرَّضُ له مدينةُ حلب الذي تقودُه روسيا وهي أحدُ طرفي الاتفاق مع أمريكا هو تعبيرٌ عن حدَّةِ الصراع الدولي في فرضِ الحل الذي تريده أمريكا أو روسيا الَّلتان تفرَّدَتا في التحكمِ في مصيرِ القضية السورية وقد باتْ يعكسُ حجمَ التصعيد العسكري في حلب أن تنفيذ الاتفاق لنْ يكونَ ناتجًا عن تفاهمٍ دبلوماسيٍّ بين الطرفين بقدر ما سيكونُ ناتجِ عن كسرِ إرادةِ أحدِ الطرفين مقابلَ الآخر، وبالتالي لنْ يكونَ هذا الحلُ تعبيرًا عن إرادة الأطراف المحليين بالدرجة الأولى والإقليميين بالدرجة الثانية، ولنْ يُحققَ طموحاتهم لاسيَّما المعارضةُ - بشقيها العسكري والسياسي - التي  لا يوجدُ في رؤيتها منذ انطلاقِ الثورة مكانًا للنِّظَام بأيِّ شكلٍ من الأشكال التي تُؤدي إلى الاعترافِ ببقائه أو وجودِه سياسيًّا وعسكريًّا ولو على جزءٍ مِن الجغرافيا السورية أو أنْ يكونَ له نصيبٌ مشتركٌ في مستقبلِ سوريا ولو مرحليًّا، وكذلك النِّظَامُ الذي لمْ يتركْ وسيلةً لإبادة الثورة والقضاء عليها طيلةَ السنوات التي مضتْ من عمرها إلَّا واستخدمها ولمْ يدعْ أحدًا من حلفائه إلَّا واستعانَ به سواء بذلك إيران والمليشيات المتعددة الجنسيات المأجورة وكذلك روسيا وجعل رأس النِّظَام الجغرافيا السورية نهبًا لمن يُدافع فيها عن بقائه في السلطة والحيلولة دون تمكُّنِ المعارضةِ في الجغرافيا التي أخرجتها عن قبضته والعمل على تدميرها من دون توقُّفٍ وبخاصةٍ بعدما ترسَّختْ له القناعةُ من خلال مجرياتِ الأحداث الميدانية وتداخل الصراع الدولي والإقليمي على الساحة السورية أنه يصعب عليه احتلالها مرة أخرى.
 إنَّ أيَّ حلٍ خلافَ تصوُّرِ وطموحاتِ المعارضة والنِّظَام لنْ يكونَ مقبولًا بسهولةٍ لهما ولنْ ترضى الأطرافُ المحلية لما وصلتْ إليه نتيجةَ الصراع الذي خرج مؤخرًا حتى عن إرادةِ المعارضة والنِّظَام وأصبحا ضمنَ أجندةِ الصراع الإقليمي والدولي وبخاصةٍ أمريكا وروسيا ولعلَّ الاتفاق الأخير كان فاضحًا وواضحًا في ذلك لاسيما فيما آلتْ إليه مجرياتُ الأحداث الميدانية المأساوية في حلب والتصعيد في لهجة الخطاب بين أمريكا وروسيا حول ذلك نتيجة للاتفاق بينهما.
فبناءً على مجرياتِ الأحداث الميدانية لا سما في مدينة حلب والاتفاق الأمريكي الروسي يمكن استنتاج بعض النقاط المهمة التي ستحدد ملامح المرحلة القادمة والحل الذي سيفرض للقضية السورية:
1-  إنَّ الصراعَ في حلبَ في بُعده السياسي والعسكري صراعٌ أمريكيٌّ روسيٌّ وأنَّ الأطرافَ الأخرى أصبحتْ أدواتٍ ولا خيار لها في بدايتها ونهايتها أو التحكم بمجرياتها بغضِّ النظرِ عن النتائج التي يحصدها هذا الطرفُ أو ذاك. وبالتالي فإنَّ الحلَّ الذي ينتج عن صراع سيكون حتمًا ذا طابعٍ عسكريٍّ سيفرضه أحدُ الطرفين على الآخر ومن ثم سيفرض على الآخرين ومن دون الرجوع إليهم.
2-  إنَّ المتابعَ لمجريات القضية السورية عسكريًّا وسياسيًّا من خلال الاتفاق الأمريكي الروسي والتصعيد العسكري الروسي في حلب يجد أنَّ هناك تعجلًا روسيًّا في لهجة الخطاب السياسي تجاه أمريكا وتصعيدًا عسكريًّا غير مسبوق تجاه المدنيين في حلب كأحد أهم الوسائل التي باتت ترد فيها روسيا على أمريكا من أجل الضغطِ عليها لتفعيلِ الاتفاق وتعبيرًا عن خيبتها وخسارتها من تمهل أمريكا التي بنت استراتيجيتها في سوريا على أنها حَكَمٌ بين الأطراف وليست طرفًا من الأطراف ولهذا ليسَ لها شيء تخسره بعكس روسيا التي يتثاقل عليها عاملُ الوقت في المستنقع السوري، ولذا عليها أنْ تلهثَ حصرًا وراء أمريكا للخروجِ من ذلك وبخاصةٍ أنها ترى قد حققتْ بتدخلها العسكري حضورًا ثنائيًّا إلى جانبِ أمريكا كلاعبٍ دوليٍّ في القضية السورية وهو أهمُّ أهدافها الاستراتيجية وتخشى أنْ تفقدَ ذلك في المرحلة الرئاسية الأمريكية القادمة.
3-  إنَّ أمريكا من خلالِ محاربة الإرهاب وإعلانِ معركة الرقة استطاعتْ أنْ تفرضَ منطقةَ حظرِ طيرانٍ في قسمٍ كبيرٍ من الشمال السوري والآن بإمكانها إجبار النِّظَام وتعميم ذلك في مناطق أخرى بطرقٍ مختلفة سواء عن طريق الفعل المباشر أو عن طريق دعم المعارضة بأسلحة أكثر نوعية من قبل وبالتالي تجعل روسيا أمامَ واقعٍ جديدٍ تكونُ فيه أقرب ما تكون إلى الحالة الأفغانية.

إنَّ الاتفاقَ الأمريكيَّ الرُّوسيَّ ومِن خلال مجريات الأحداث الميدانية لا سيما بمدينةِ حلبَ يُمكنُ الاستنتاجُ أنَّ حلًّا عسكريًّا سيُفرضُ على جميعِ الأطراف عاجلاً أو آجلًا وأنَّ هذا الحلَّ ستفرضُ ملامحُه حربَ الإرادات بين أمريكا باستراتيجيتها الناعمة وروسيا باستراتيجيتها الهمجية الخشنة!!!.
المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »