تعليقُ المحادثات حول الاتّفاق الأمريكيّ – الروسيّ !!!...

تعليقُ المحادثات حول الاتّفاق الأمريكيّ – الروسيّ !!!...
الدكتور جبر الهلُّول
أعلنتِ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ، يوم أمس الاثنين، تعليقَ مشاركتها بالمحادثاتِ الثنائية مع روسيا حولَ الملفِ السوري بعد ثلاثة أسابيع من التوصل إلى اتفاقٍ ثنائيٍّ بينها في التاسع من شهر أيلول الماضي، حيثُ قالَ المتحدثُ باسم البيت الأبيض "جوش إيرنست" في سياق ذلك: "لقدْ نفدَ صبرُ الجميع على روسيا". وأضافَ: "لمْ يعدْ هناك مَا يمكنُ أنْ تتحادثَ به الولاياتُ المتحدة مع روسيا" وأكَّدَ على نفاد الصبر الأمريكي أكثر من مرة من خلال قوله: إنَّ "الصبر على سورية نفد" و "إن صبر الجميع على سوريا قد نفد"!.
وجاء إعلانُ التعليق في خطوةٍ مُتوقعة بعد تبادلِ الاتهاماتِ بين الطرفين الأمريكي والروسي حولَ فشلِ اتفاقِ وقفِ الأعمال العدائية في سوريا والتصعيد العسكري الهمجي الكبير الذي تقودُه روسيا على الأرض السورية لاسيما في مدينة حلب. حيثُ في المقابل أعلنَ وزيرُ الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" تعليقَ الاتفاقية الروسية الأمريكية لما أسماه "عدم وضوح موقف واشنطن إزاء المعارضة الروسية". ومن جهته قالَ نائبُ وزير الخارجية الروسية إنَّ موسكو تَسعى عبر قنواتِ الاتصال مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى " بلورة حلول منطقية للأزمة السورية" وأضاف: إنه " في حالِ فشلت واشنطن في توضيح موقفها حول الأزمة السورية فإنها ستلجأ إلى ما أسماه الحلول القسرية والتي تتمثل في إزاحة "الأسد" وإسقاط الحكومة وإعادة رسم خريطة سوريا والمنطقة".  فيما اعتبرتْ وزارةُ الخارجية الروسية في بيان لها أنَّ قرارَ واشنطن تعليقَ قنوات الاتصال مع موسكو بشأن سوريا يَدلُّ على سعي الأمريكيين لعقد "صفقة مع الشيطان" من أجل إسقاط حكومة "الأسد". وفي وقتٍ سابق قالت "زاخاروفا" في حديثٍ تلفزيوني ردًّا على تسجيلٍ مسربٍ لجون كيري على هامش الاجتماع السنوي للجمعية العامة أمام معارضين سوريين أنه محبط من نجاح الدبلوماسية في حل القضية السورية: "مهمتي هي توضيحُ أهمية الالتزام بالاتفاقات. إذا بدأ عدوان أميركي مباشر على دمشق والجيش السوري، فسيؤدي ذلك إلى تحولاتٍ فظيعةٍ. ليس على أراضي هذا البلد فقط، وإنما أيضا في المنطقة"، وأضافتْ "لن يؤدي تغيير النِّظَامِ إلى فراغ السلطة والفراغ السياسي فحسب، بل سيملؤه إرهابيون غير معتدلين من كافة الأطياف تتعذرُ السيطرةُ عليهم".
إنَّ التصريحاتِ التصعيديةَ بين الطرفين الأمريكي والروسي لا تعدو كونها أسلوبًا من أساليبِ الحرب النفسية ضمن مفهومِ حرب الإرادات لذا لن تُؤدي بأيِّ شكلٍ من الأشكال جاءت فيه أو بلغتْ إليه من التهديد والوعيد إلى حربٍ مباشرةٍ بينهما وإنْ أدَّتْ إلى العودة إلى تصعيدِ الحرب الباردة بينهما من جديدٍ وتفعيلها بطرق مختلفة وأمكنة متعددة منها سوريا التي حصلت فيها بين الطرفين بعض الصدمات العسكرية المقصودة سبقت تعليق الاتفاق بينهما وتصعيد اللهجة السياسية بينهما، حيثُ من المعلوم أنَّ روسيا استهدفت أكثر من مرة فصائل عسكرية تدعمها أمريكا كجيش سوريا الجديد بالقرب من معبر "التنف" وجيش العزة في حماة منذ أيام كما قامتْ أمريكا باستهداف "جبل ثردة" بريف دير الزور حيثُ تُوجدُ فيه قُوَّاتٌ للنِّظَام ومِن المحتمل وجودُ قُوَّاتٍ روسيةٍ معها التي ردَّت على ذلك باستهدافِ قافلةِ المساعدات الإنسانية الأممية بالقُرب من حلبَ على اعتبار أنَّ تلك المساعدات كانتْ ضمن الشروط الأمريكية لتفعيلِ الاتفاق مع روسيا وأنَّ قصفَها يعني رد فعل بطريقة غير مباشرة على ذلك!.
لكن السؤال لماذا اعتبرتْ روسيا أنَّ تعليقَ أمريكا للمحادثات معها سيؤدي إلى اتباع أمريكا بشكلٍ أحاديِّ الجانب خطةً بديلةً تَقومُ على استخدامِ القوة العسكرية لإسقاط النِّظَام وبخاصةٍ أنها قد استشعرت روسيا ذلك الخطرَ قبل تعليق المحادثات بناءً على تسريبِ لقاء كيري مع بعض المعارضة السورية في الأمم المتحدة حيثُ هدَّدتْ "زاخاروفا" بردٍّ مزلزلٍ على أيِّ خطوةٍ أمريكية عسكرية تأتي في هذا السياق؟!. وطالما روسيا تَستشعرُ الردَّ الأمريكي العسكري على فشلِ الاتفاق بخطةٍ بديلةٍ بهذا الحجم فلماذا عملت على عدم الالتزام بالاتفاق وقامت بعرقلة تنفيذه بل عملتْ عكس ذلك تمامًا من خلال التصعيد العسكري الهمجي على العديد من المدن وبالأخصِّ مدينة حلب التي شهدت عقبَ الاتفاق وخلال الأسابيع الماضية أعنَفَ حملةِ عدوانٍ وتدميرٍ بشكل غير مسبوق؟!. ولكن هل أدركتْ روسيا أنَّ الاتفاقَ الذي هو بالأصل اتفاقٌ على حلٍّ عسكريٍّ بينهما، وأنه لمْ يكنْ سوى لعبةٍ بين الطرفين كلٌّ منهما يُريدُ منه شيئًا مختلفًا عن الآخر وأنه مهما كانت النتيجة فإنها الخاسر الأكبر منه مع حلفائها النِّظَام وإيران ..؟!.  وإذا كانت روسيا تتوقعُ تدخلًا عسكريًّا مباشرًا في القضية السورية في هذا التوقيت - مع العلم أنَّ "أمريكا أوباما" نأت بنفسها عن ذلك طيلَةَ السنوات السابقة من عُمر الثورة - فلماذا تستعجلُ ذلك الآن وتتوقعه في آخر المرحلة الرئاسية الأمريكية؟!.
لا شكَّ أنَّ التهديداتِ الأمريكيةَ التي كانت موجَّهةً لروسيا على تصعيدها العسكري بمدينة حلب عقب الاتفاق كانت تقومُ على الدوام بالتهديد "بإعادة النظر بالاتفاق" أو "تعليق المحادثات حوله معها " لأنها تُدركُ أنَّ المصلحةَ الروسية القريبة والملحة متحصلةٌ من الاتفاق أكثر منها على المدى البعيد، ولهذا تعليقها للمحادثات لنْ يرجعَ عليها بالخسارة نفسها التي ستقع بها روسيا وإن سارعت روسيا على إعلانِ التعليق كموقفٍ سياسيٍّ تعبيرًا عن ردٍّ بالمثل لا أكثر. لكن حجم التصريحات الروسية يُشيرُ إلى قلقٍ كبيرٍ من الخطوة الأمريكية التي لها ما بعدها وبخاصة أنها تفتحُ مجالًا للخيارات الأمريكية العسكرية والسياسية بشكلٍ أوسع وتُمهِّدُ الأرضيةَ للتعامل مع القضية السورية للرئاسة الأمريكية القادمة في حين أنَّ روسيا استنفدتِ الخيارات السياسية والعسكرية فيها ولنْ تجدَ فرصةً أفضل من العمل الحثيث من أجل العودة إلى تفعيلِ الاتفاق من جديدٍ مع أمريكا ولكن هل أمريكا ستعطيها ذلك أم ستعملُ على إغراقها أكثر إلى جانب نظامٍ مُتهالكٍ محسومةٍ نهايته مهما طالت؟!!.
لكن لا شك مع التعليق والتعليق المقابل للمحادثات بين روسيا وأمريكا حولَ سوريا فإنَّ مجرياتِ أحداث القضية السورية باتتْ مرتبطةً بالصراع الأمريكي – الروسي مع ما يُرافقُ ذلك من تقاربٍ حينًا وتباعدٍ في حينٍ آخر وَفق تَشابكِ وتناقضِ مصالح تلك الدولتين ومتغيراتها على المستوى الدولي والإقليمي وتقاطعاتها في القضية السورية والمنطقة ومستقبل وجودهما فيها.



المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »