الاتفاق الأمريكي الروسي
ومعيار الفشل والنجاح..!.
الدكتور جبر الهلُّول
إنَّ توصلَ وزيرِ
الخارجية الأمريكية "جون كيري" ووزيرِ الخارجية الروسي "سيرغي
لافروف" في التاسعِ من أيلول إلى اتفاقٍ بعد اجتماعاتٍ واتصالاتٍ عديدةٍ
عَكَسَ حرصَ كُلٍّ مِن الدولتين على التوصلِ إلى اتفاقٍ ينسجمُ مع مصالح كلٍّ
منهما من خلال القضية السورية وليس سعيًا منهما لحل تلك القضية التي باتتْ معقدةً
إلى درجةٍ يصعبُ تبلورُ أيِّ حلٍّ قريبٍ لها نتيجةَ تداخلِ الصراعاتِ الدولية
والإقليمية بالمحلية فيها.
فالاتفاقُ الأمريكي
الروسي الذي هو اتفاقٌ ثنائيٌّ بكلِ ما للكلمةِ مِن معنى لمْ يكنِ اتفاقًا يُنتظر
منه حلُّ القضية السورية ولا يشكل خريطة من أجل الوصول إلى ذلك لاسيما من خلال
النظر إلى النقاط التي تمَّ الاتفاقُ حولها بين الجانبين ولمْ تلقَ قبولًا مشتركًا
من غالبية أطراف الصراع على الأرض في سوريا بل كانَ من الملاحظ أنَّ كلَّ طرفٍ من
الأطراف وجد نفسَه مستهدفًا فيها بشكلٍ مباشرٍ أكثر من الآخر من دون أنْ يكونَ له
أي دور في أن يُغير أو يُعدل من بنودها، وأن موقفه السلبي أو الإيجابي منها يحسب
على الطرف الذى تعهد بإلزامه بمقتضى الاتفاق وليس على الطرف الآخر. أي بمعنى أنَّ
موقفَ النِّظَام ومَن مَعه مِن إيران والمليشيات المتعددة الجنسيات مِن الاتفاق أو
أي بندٍ منه لا يحسب مُواجهًا للاتفاق بكليته أو أيِّ بندٍ فيه أو لأمريكا وإنَّما
هو محسوبٌ على الالتزام الروسي من الاتفاق وكذلك بالمقابل إنَّ موقفَ الفصائل على
تنوعها تجاه الاتفاق يحسبُ بالدرجة على الالتزام الأمريكي منه.
لذلك إنَّ موقفَ
الأطراف المحلية المعنية بالاتفاق مهما كانت رافضة للاتفاق أو متحفظة على بعض ما
جاء فيه لا يعتبر ذلك نقضًا للاتفاق الذي أحكمتْ بنوده بدهاء السياسية الأمريكية
والروسية ولجان عسكرية وأمنية متخصصة من قبل الجانبين وكانتِ الوثائقُ التي تمَّ
التوقيعُ عليها بعد جهدٍ كبيرٍ وفترة زمنية استغرقتْ شهورًا من الاتصالات
والاجتماعات التي لمْ تنقطعْ بين الطرفين، فالاتفاقُ جاء في النهاية مُنسجمًا مَع
ما يُريدُه كلٌّ من الطرفين الروسي والأمريكي بغضِّ النظر عن آليات التنفيذ
والتزام كل منهما بما تمَّ الاتفاقُ حوله. لذا إنَّ نجاحَ الاتفاق أو فشله يرجعُ
بالدرجة الأولى إلى طرفي الاتفاق وليس لأطرافِ الصراع في الساحةِ السورية التي جعل
منها الاتفاق مجرد بنود على أجندة التنفيذ بين الجانب الأمريكي والروسي من دون أي
اعتبار لما تريد أو تطمح أن تصل إليه.
إنَّه مِن المبكرِ
التكهنُ بفشلِ الاتفاق الأمريكي الروسي بناءً على التصعيد العسكري الروسي وعدم
التمديد لوقف الإطلاق بعد الأسبوع الأول من تطبيقٍ جزئيٍّ له لأنَّ معيارَ الفشل
والنجاح يتعلَّقُ بما تريده كلٌّ من أمريكا وروسيا من الاتفاق وبخاصةٍ أنَّ هذا
الاتفاق أصبح وثيقةً دوليةً وإن كان هو اتفاقي ثنائي بين الدولتين يتعلق بسوريا
لكنه يعكس حقيقة حدةِ الصراع وحجم الاختلاف الكبير بينهما. وبالتالي إنَّ مجرياتِ
الأحداث الميدانية باتت تعيشُ على وقعِ هذا الاتفاق لفترة طويلة من الزمن وإنَّ
أيَّ حلٍّ للقضية السورية أصبح مرتبطًا به سلبًا وإيجابًا وأن هذا الحل الذي سينتج
بالنهاية هو المفرض دوليًّا وليس الحل المطلوب لكل أطراف الصراع المحلية
والإقليمية.

الإبتساماتإخفاء الإبتسامات