موقفُ الدُّولِ الإقليميةِ مِن الاتِّفاقِ الأمريكيِّ الرُّوسيِّ

موقفُ الدُّولِ الإقليميةِ مِن الاتِّفاقِ الأمريكيِّ الرُّوسيِّ
الدكتور جبر الهلُّول
سارعتْ غالبيةُ الدول الإقليمية المعنية بالقضية السورية إلى إبداءِ ترحيبها بالاتفاق الذي توصَّلَ إليه وزيرُ الخارجية الأمريكية "جون كيري" ووزيرُ الخارجية الروسية "سيرغي لافروف" ووجدتْ تلك الدولُ فيه فرصةً لإظهار موقفٍ مِن القضية السورية التي عجزوا عن تقديمِ أيِّ مبادرةِ حلٍّ لها على مدار السنوات الست من عمرها. وكان الترحيبُ هو عبارة عن موقفٍ سياسيٍّ لا أكثر كَشَفَ عن مدى جدية تلك الدول في تعاملها مع تلك القضية وأهميتها الثانوية بالنسبة لها وعن مشاركة البعض منها في زيادةِ مأساتها والعمل على تعقيد الصراع وإطالة أمده فيها، كما كَشَفَ مِن جهةٍ أخرى عن مدى ابتعادِ تلك الدول الإقليمية عن هذا الاتفاق ومحتواه لاسيَّما بعدم استشارتهم بما تضمنه أو اطلاعهم على وثائقه باستثناء ما كشف عنه طرفا الاتفاق في الإعلام.
لقدْ حاولتْ بعضُ تلك الدول الاستفادةَ من الطلبِ الروسي بكشفِ الوثائق السرية للاتفاق من خلال التأكيد على ضرورة ذلك وبخاصةٍ بعدما تصاعدَ الخلافُ بين طرفي الاتفاق في الأسبوع الثاني منه عندما لمْ يتمَّ تمديدُ وقفِ إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية على النحو المتفق عليه وبالتحديد إلى مدينة حلب المحاصرة، ووصول أجندة تنفيذ الاتفاق سريعًا إلى عقدة تبادل فيها الطرفان الروسي والأمريكي المسؤوليةَ بذلك واتهم الآخر بأنه لمْ يفِ بالتزاماته ويعمل عن قصد على الخروج أو التحايل على ما تمَّ الاتفاقُ حوله وعبَّرتْ روسيا باعتبارها كطرفٍ داخل الصراع إلى جانب النِّظَام ومعها إيران والمليشيات المتعددة الجنسيات عن ذلك من خلال التصعيد العسكري الهمجي الذي تركز في معظمِه على مدينة حلب والمدنيين فيها. الأمر الذي انعكس أيضًا على مواقفِ تلك الدول التي رحَّبتْ بالاتفاق أولًا إلى التنديد بالانتكاسة التي تعرَّضَ لها الاتفاقُ بين الجانبين على الأرض وإنْ كانتْ غالبيةُ الدولة حمّلت روسيا مسؤوليةَ ذلك التصعيد بحلب إلا أنَّ البعضَ كإيران حمَّلتْ أمريكا مسؤوليةَ ذلك ولكن كان من اللافتِ أنَّ بعضَ الدول اكتفتْ بالصمتِ حول مجريات الأحداث التي تصاعدتْ بمدينة حلب نتيجةَ تلك الانتكاسة المقصودة على الأقل من أحد طرفي الاتفاق – روسيا - ومباركة ومشاركة بعض الدول الإقليمية معها كإيران.
إنَّ مجريات الأحداث الميدانية المتصاعدة في سوريا والحراك السياسي الذي شهدتْه الأممُ المتحدةُ حولَ القضية السورية أثبتْ أنَّ مواقفَ غالبيةِ الدول الإقليمية التي وقفتْ عاجزةً عن فعل أيِّ شيءٍ تجاه ما يتعرض له الشعبُ السوري باستثناء تلك الدول المشاركة عمليًّا في قتله إلى جانب النِّظَام أن ترحيبها بالاتفاق لا يختلفُ في مضمونه عن تنديدها بما يَجري ويؤكد على دورها الانتهازي في الصراع الدولي بين روسيا وأمريكا على حساب القضية السورية ومعاناة شعبها.
إذا إن محاولة بعض تلك الدول الإقليمية الدخول على خطِّ الاتفاق الروسي الأمريكي عن طريق الوثائق السرية لمْ يكنْ إلَّا من أجلِ إيجاد دورٍ لها في عمليةِ إنجاحه وأخرى لإفشاله وذلك وَفق معيار الربح الخسارة والربح لكل منها في هذا لاتفاق الثنائي في القضية السورية الذي كفّ يدَ غالبيةِ الأطراف وبالأخصِّ "مجموعة العمل الدولية المتعلقة بسوريا " وكذلك "مجموعة أصدقاء سوريا" عن التحكم بإدارةِ الصراع فيها وتقرير مصيرها واختزال دور تلك الدول الإقليمية بتنفيذ ما سيتفقُ عليه الأمريكي والروسي واللعب بينهما من خلال الميل إلى هذا الطرف أو ذاك ضمنَ العودةِ إلى سياسةِ الأحلاف التي فرضها تجددُ الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا وتصاعد حدتها من جديد بينهما، حيثُ لمْ يكنِ الاتفاقُ الثنائي إلا تعبيرًا عن ذلك ويعكس حجمَ الاختلاف الكبير وقلة الاتفاق أو تفاهمها حول المصالح الاستراتيجية لكل منهما!.
لقد وجدت تلك الدول الإقليمية على اختلاف مستويات ربحها وخسارتها من تدخلها بالقضية السورية وحجم دورها فيها أنّ الاتفاقَ بما تضمنه من وقفٍ لإطلاق النار ولو لمدة أسبوع وإيصال المساعدات الإنسانية خطوة أولية تخفف عنها المسؤولية الأخلاقية تجاه شعوبها لا أكثر وخطوة تحقق من ورائها حضورًا على مستوى الحراك السياسي الدولي والإقليمي إلى جانب كل من أمريكا وروسيا من دون أي التزامات يدفعون ثمنها وتعطيهم هامشًا من الانتظار لما  ستؤول إليه تطبيقات هذا الاتفاق بين الطرفين وبخاصة أنَّ هناك مَن يُراهِنُ أو يَعمل على فشلِه أكثر من نجاحه لإدراكه أنَّ حدّة الصراع واختلاف الأهداف من الاتفاق بين روسيا وأمريكا كبيرة تضعف من احتمالية تطبيقه على النحو المراد لكل طرف منهما وبخاصة أن سرعة فشل تنفيذ الخطوات الملموسة الأولية تشير إلى ذلك.
إنَّ مواقفَ الدول الإقليمية المعنية بالقضية السورية باتتْ مكشوفةً بكلِّ أبعادها وتأثيراتها ولا يمكنُ التعويلُ عليها كثيرًا خارج نطاق ما سيُقرِّره بالدرجة الأولى الجانبُ الأمريكي الذي مازال يتطلَّعُ إلى المحافظة على القطبية الواحدة في الساحة الدولية ومِن ثم بالدرجة الثانية الجانب الروسي الذي ما تدخل عسكريًّا في سوريا إلى جانب النِّظَام إلَّا من أجلِ أنْ يخطو خطوةً واحدةً نحو الثنائية القطبية على حساب أمريكا عن طريق الشراكة العسكرية معها ولو في حدها الأدنى في سوريا.
ولهذا يمكنُ القولُ: إنَّ القضيةَ السورية وجميعَ أطراف الصراع فيها المحلية أولا والإقليمية ثانيًا دخلتْ ضمنَ أجندةِ الاتفاق الأمريكي الروسي لفترة طويلة من الزمن لا يمكن التكهن بنتائجها أو الحكم على الاتفاق أنه فشل أو نجح بالقياس لمجريات الأحداث القضية السورية وإنما فشله ونجاحه بحسب الأهداف التي سيحققها طرفي الاتفاق منه ومن ثم الدول الإقليمية بحسب تحالفاتها هي تبع لذلك لا أكثر!!.


المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »