"لوزان" وإعلانُ إسقاطِ الحلِّ في سوريا!!!.

"لوزان" وإعلانُ إسقاطِ الحلِّ في سوريا!!!.
عُقدَ يومَ السبت الماضي في الرابعِ عشر من الشهر الحالي اجتماعٌ دوليٌّ بشأن سوريا في مدينةِ لوزان في سويسرا بمشاركةِ الولايات المتحدة وروسيا وإيران والسعودية والعراق وتركيا ومصر وقطر والأردن والمبعوثِ الخاص إلى سوريا ستيفان دي مستورا. وقدْ قلَّلَ كثيرٌ من المحلِّلينَ والمتابعين للقضية السورية مِن فُرَصِ نَجاحِ هذا الاجتماع الذي غَلبَ عليه الطابِعُ "البرتوكولي" عن الطابع العملي من خلالِ حرصِ كُلٍّ من روسيا وأمريكا على حضورِ حلفائهم الإقليمين المَعنيِّينَ بالقضية السورية من أجل خروجِ المحادثات عن طابع الثُنائيَّةِ التي عُلّقتْ بين الجانبين الأمريكي والروسي في التاسع عشر من شهر أيلول الماضي وفشلِ تنفيذِ الاتفاقِ الذي توصَّلا إليه في التاسع من شهر نفسه.
لقد كانَ من المُلاحَظِ أنَّ هناك تركيزًا إعلاميًّا على اجتماع لوزان والتَّقليلِ من نتائجه واستباقِ توقُّعِ فشلِهِ قبل انعقادِه بشكلٍ مقصودٍ ومبالغٍ فيه، ممَّا دفَعَ إلى التَّساؤلِ لماذا إذًا هذا التَّداعي إلى مثلِ هذا الاجتماعِ العاجلِ والسريعِ الذي إذا لم يكنْ محكومًا بالفشل الذريع فإنَّه لن يخرج بنتائج إسعافيةٍ تُذكرُ على النَّحو الذي تطلبه القضيةُ السوريةُ بالحد الأدنى التي أخذتْ تزدادُ تعقيدًا يومًا بعد يوم وأنَّ هذا الاجتماع لن يكونَ سوى عقدة تضاف إليها، وبخاصة أنه جاء بعد توتُّرٍ كبيرٍ بين روسيا من جهةٍ والولايات المتحدة الأمريكية من جهةٍ أخرى وتبادل الاتهامات في مسؤوليَّةِ تحملِ فشلِ الاتفاق بينهما وانعكاس ذلك على مجرياتِ الأحداثِ المَيدانيَّةِ لاسيما التصعيدُ الروسيُّ العنيفُ الذي وصفه كيري بأنه يَهدفُ إلى تدمير حلب على طريقة "غروزني" في الشيشان؟!.
إنَّ كلَّ ما نُشرَ عن اجتماع لوزان الذي دامَ لمدةِ أربع ساعاتٍ من نقاشاتٍ حول النقاط نفسها التي تمَّ الاتفاقُ عليها في الاتفاق الأمريكي الروسي الذي عُلقت المحادثاتُ الثنائيةُ بينهما حوله حيث كان التركيزُ على أهميَّةِ وضرورةِ وقفِ إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية وفصل المعتدلين عن المتطرفين من خلالِ مبادرةِ دي ميستورا التي تنصُّ على إخراج مقاتلي جبهة فتح الشام  (900) من داخلِ مدينة حلب حيث جُعلت هذه النقطةُ محوريةً في الاجتماع لأنَّ النقاطَ الأخرى عُلِّقتْ على ضرورة تنفيذها أولًا ، وأنَّ هذه النقاط التي لاقتِ اتفاقًا شفهيًّا حول أهميتها لمْ يكنْ مِن المتوقَّعِ أن يكونَ هناك خلافٌ حولها وبخاصةٍ بما يتعلَّقُ بجوهر مبادرة دي ميستورا التي زعم أنها "مبادرة عملية" على الفصل بين المعتدلين والمتطرفين وأنها الشرطُ الوحيدُ من أجل توقف روسيا وحلفائها عن تدمير ما تبقَّى من مدينةِ حلب التي لمْ يتوقفْ عليها العدوانُ المستمرُّ وبشكلٍ يوميٍّ وبكلِّ أنواعه وبكافَّةِ الأسلحة منذ شهر نيسان الماضي الذي توقَّفتْ فيه محادثاتُ جنيف3 وانتهتْ على إثرِ هذا العدوان التدميري الممنهج وبخاصةٍ بعد فرضِ الحصار عليها، وعدمِ وجودِ الاعتراضِ الدولي والإقليمي الجدي على ذلك.
لهذا لمْ يكنْ غريبًا أنْ تَظهرَ المواقِفُ موحدة في اجتماع لوزان طالما أنَّ ذلك لنْ يكونَ له تطبيقاتٌ عمليَّةٌ على الأرض تُخالِفُ ما يجري على الأرض وبخاصةٍ الاتفاقُ على حول خروج مقاتلي جبهة فتح الشام وعدم الاختلاف العلني حول ذلك لمْ يكنْ إلا مواقف في وسوق الابتزاز السياسي الذي تريد أن تثبت روسيا نقاطًا فيه من أجل تبرير خطواتها العسكرية اللاحقة في حلب وغيرها من المدن، لاسيما أنَّ غالبيةَ الأطرافِ باتَ من الصعوبة بمكان تغييرُ استراتيجيتها التي دخلت بها سوريا وتحديدًا بحلب وأنَّ هذه الاستراتيجية لا يمكنها أنْ تتوافقَ مع الاستراتيجية الأمريكية، ويستحيلُ أن لا تتصادم معها، وأنَّ روسيا أرادتِ التحديَّ معها بهذه المعركة، ولهذا أرادتْ  من خلال تأييدها مبادرة دي ميستورا فرضَ أمرٍ واقعٍ في حلب عن طريق عرض استسلام وتسليم المدينة حيث لا ترى إمكانيةً للانتصار والخروج من المأزق إلا بهذه الصورة التي تكاد أن تكونَ شبه مستحيلةِ التَّطبيقِ التي ستبرر المضي بخطتها فيها إلى النهاية وأنها وضعتِ الكرةَ في اجتماع لوزان عند الطرف الآخر - الأمريكي - الذي يتحركُ وَفقَ استراتيجيةٍ لا تتيح له تسليم المدينة وَفق ما تُريد روسيا وإنما عن طريق إمكانية إسقاطها فقط!.
إنَّ اجتماع لوزان لمْ يكنْ إلا عامل تحريك لأحداث قادمة ويوضح ذلك ما أعلنته وزارةُ الدفاع الروسية يوم الثلاثاء الماضي وبعد اجتماع لوزان عن هدنة (8) ساعات ثم مددتها إلى (11) ساعة من اليوم الخميس لكي تتيح بزعمها المجالَ أمام مقاتلي فتح الشام الخروج من أحياء حلب الشرقية المحاصرة من خلالِ معْبرينِ مُحدَّدينِ وذلك وَفق الإعلان الروسي الذي يُعتبر بمثابة الإعلان عن بدء المرحلة الأخيرة لمعركة حلب التي لمْ تتوقفْ من شهر نسيان الماضي، وأنَّ تلك الهدنة هي مراوغةٌ سياسيةٌ لا تنفصلُ عن المعركة التي يتحضر لخوضها مع حلفائه وأن استقدامه للسفن الحربية وحاملة الطائرات ونشر الصواريخ المتطورة إلا تأكيد من روسيا على أنها ماضيةٌ في حربها في سوريا إلى النهاية وأنَّ فرصتها الأفضل توقيتًا للحسم العسكري هي قبيل الرئاسة الأمريكية القادمة.
فالهدنةُ الروسيةُ التي وصفتها واشنطن بأنها "محدودة ومتأخرة جدًا" واعتبرتها الأممُ المتحدة والاتحاد الأوروبي غير كافية وأنها لنْ تجدَ لها قبولًا من الفصائل العسكرية المقاتلة في حلب التي تتحضَّرُ للمواجهة المحتومة، قد كشفت أن اجتماع لوزان العاجل لمْ يكنْ لبحث الحل للقضية السورية ولإيقاف تدمير حلب وإنما كان منْ أجلِ الإعلان ضمن سياسةِ تشكيلِ الأحلاف الجديدة أنَّ الحربَ مستمرةٌ في سوريا وأنه لم يكن بيدهم بالإمكان أكثر مما كان ولكن كان عليهم في هذا التوقيت الضيق بعد تصاعد التكهنات عن حرب عالميةٍ ثالثةٍ قادمةٍ إبعادُ شبحها قدر المستطاع من خلال تنظيم الحروب الدائرة في المنطقة وحصرها في ميادين محددة لا تخرجها عن السيطرة وتوصلها إلى الحرب المباشرة بين الأطراف الإقليميين والدوليين، وذلك كأن يتمَّ الفصلُ بين معركةِ حلب عن معركة درع الفرات وكذلك معركة الموصل في العراق ضدَّ تنظيم الدولة عما يجري في سوريا وفصل ما يجري في الجنوب السوري عن شماله وكذلك الفصل بين استهدافِ بعضِ الفصائل عن الأخرى.....
فاجتماعُ لوزان لمْ يأتْ في لحظةٍ عابرةٍ من القضية السورية وليس منفصلًا عما يجري في المنطقة الملتهبة وإنما أتى في توقيتٍ حاسمٍ ومفصليٍّ في القضية السورية وفي قضيةِ الصراع ومستقبله في المنطقة ككل، وأنَّ ما تمَّ الاتفاقُ عليه في لوزان لا يعدو مواقف سياسية لن تغير من مجريات الأحداث وتحرف مسارها عمَّا هو متوقعٌ من الجميع وبخاصةٍ فيما يتعلق بمدينة حلب وأنَّ هدنةَ الساعات ليست سوى إعلان روسي لتدمير حلب وتهجير أهلها بشكلٍ قسريٍّ وأن ساعات الهدنة (11) هي لخروج المدنيين وليس المقاتلين وَفق ما صرَّحَ به وزيرُ الدفاع الروسي "شويغو": إنَّ الوقف المبكر للغارات "ضروري من أجل تطبيق الهدنة الإنسانية ويضمن سلامة خروجِ المدنيين عبر ستةِ ممراتٍ ويحضر لإجلاء المرضى والجرحى من شرق حلب". فالروسُ يُريدون إفراغَ المدينة من المدنيين ومحاولة جعل فتنة فاشلة بين العسكريين من خلال تحميلِ مسؤولية ما سيحدث إلى فصيل محدد دون الآخرين.
إن اجتماعَ لوزان ومِن بعده لندن ليستْ إلَّا إعلانًا دوليًّا وإقليميًّا في سياق توقع إسقاط مدينة حلب وبدء مرحلةٍ جديدةٍ من مراحل القضية السورية وأن تكتيكاتِ المعركة بين جميع الأطراف محصورةٌ بين خياراتٍ عسكريةٍ فإمَّا محاولةُ فرض التسليم أو فرض الاستسلام وإمَّا محاولةُ إسقاطها عن طريق المعاركة الحاسمة لتبدأ بعدها معارك من نوع آخر، وتبقى نتائجُ تلك الخيارات ترجعُ إلى تكتيكاتِ استراتيجياتِ اللاعبين الكبار التي ستكشفها الأيامُ القليلةُ القادمة، ومدى إدراك القوى الثورية لهذه الاستراتيجيات وكيفية التعاطي معها!!!.

الدكتور جَبْر الهلُّول
المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »