مَن يَمتلِكُ القدرةَ عَلَى عدمِ الحلِّ
واستدامةِ الصِّراعِ؟!
الدكتور جبر الهلُّول
إنَّ النَّاظرَ إلى المشهدِ السوريِّ في وَاقعه المحليِّ
وبُعدِهِ الإقليمي والدَّولي يَتساءلُ مَن يمتلِكُ الحلَّ فيه؟ وأينَ يُوجدُ
الحلُّ في الدَّاخلِ أمْ فِي الخارج؟ وهل هناكَ بالأصلِ مَن يُوجدُ عنده تصوُّرٌ
واضحٌ واقعيٌّ للحلِّ قابلٌ للتطبيقِ؟ وهل هذا المشهدُ يحتاجُ إلى حلٍّ واحدٍ أمْ
أنَّ هذا الحلَّ يَرتبطُ بحلولٍ أخرى ارتبطتْ به بشكلٍ جدليٍّ لا يمكنُ تجاوزُها
والنَّظر إلى القضيةِ السورية بمعزلٍ عنها التي باتتْ بحدِّ ذاتِها تُخْتزلُ فيها
قضايا معقدةٌ ومتشابكةٌ أمميَّةٌ ودوليَّةٌ وإقليميَّةٌ ومحليَّةٌ تبحثٍ عن حلٍّ
في آنٍ واحدٍ وجدتْ فرصتَها وضالَّتَها في الساحةِ السوريةِ ؟!.
إنَّ المشهدَ السوري الذي يزدادُ تعقيدًا يومًا بعد يومٍ
وتزدادُ معه معاناةُ شعبٍ تفتتْ دولتُه بكلِّ المقاييس وعلى كل المستويات وبخاصةٍ
منها الجغرافيا السياسية التي هي عادة القاعدةُ الأساسيةُ لأيِّ حلٍّ مستقبليٍّ
الذي لمْ يعدْ بالإمكان أنْ يتجاوز ما آلتْ إليه هذه الجغرافيا في الواقع الآن،
لاسيَّما بناءً على تمزق هذه الجغرافيا وصعوبة إعادة توحيدها، تمزقتِ الديموغرافيا
السكنيةُ معها أيديولوجيًّا وفكريًّا وسياسيًّا وقوميًّا واجتماعيًّا. وفي واقعٍ
كهذا لا يمكنُ الحديثُ عن سلطةٍ واحدةٍ ومعارضةٍ واحدةٍ بلْ هناك سلطاتٌ متعدِّدةٌ
متباينةُ القوة والنفوذِ والسيطرة وفي المقابل هناك معارضاتٌ متعددةٌ متباينةُ
الأهداف لا يمكنُ أنْ تجتمعَ على صورةٍ واحدةٍ في تعاطيها مع مستقبل القضية
السورية، ولهذا لا يمكنُ اختزالُ القضية السورية بوجودِ طرفين فقط طرف الثورة وطرف
النِّظَام كما كانَ هو الحالُ عندما قامتِ الثورةُ في بداية (2011) وإن كانتْ
جميعُ الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية
تتمتْرسُ حول هذه الثنائية الشكلية التي لمْ تعدْ تملكُ من الأمر شيئًا سوى
دورٍ وظيفي وهامش من الحركة صغير في هذا المشهد الذي باتتْ جزءٌ منه وحقلةٌ من
حلقاته المتسلسلة رغمًا عنها وَفْقَ مقتضياتِ الصراع وأجندته "الكونية"،
وبالتالي لمْ يعدْ بإمكانها أنْ تتحكمَ بأيِّ مفصلٍ من مفاصل هذا الصراع وإدارته،
ولمْ يعدْ باستطاعتها تصوُّرُ الكيفية التي سينتهي إليها هذا المشهدُ ويصعبُ عليها
إدراكُه بكليته وأن تحدد معالم نهايته ودورها فيه وتوقيت ذلك.
فالصراعُ في سوريا بسببِ تعدُّدِ الأطراف هو صراعاتٌ متعددةٌ
جاء ضمن استراتيجياتٍ وأهدافٍ مختلفةٍ ومتباينةٍ يصعب أن تلتقيَ على حلٍّ واحدٍ أو
أن تلتقي مصلحتها ضمن رؤيةٍ واحدةٍ تتقاطعُ مع مصلحة السوريين أنفسهم ولعلَّ أبسط
مثال على ذلك وقف إطلاق النار والالتزام به سواء في المرحلة الأولى نتيجة للتفاهم
الأمريكي الروسي في (27) شهر شباط الماضي والذي تبناه مجلس الأمن بقرار دولي (2268) وكذلك في (12) أيلول بناء
على الاتفاق الأمريكي الروسي الذي علقت المحادثات بينهما حوله نتيجة عدم الالتزام
كل الأطراف بذلك بما فيهما طرفا الاتفاق!.
إذ لا يمكن مثلًا أن يزعمَ طرفٌ من الأطراف باستثناء
النِّظَام ومَن معه روسيا وإيران أن وقفَ إطلاق النار لا يحقق مصلحةً ولو آنية
للشعب السوري وبخاصةٍ الذي يعيشُ في المناطق المحررة التي تزيدُ نسبتُها عن (75%) من الأرض
السورية بغضِّ النظر عن القوى المحلية التي تُسيطرُ عليها وتَبسطُ نفوذَها فيها
والطريقة التي تُديرُها بها، لكن مع ذلك ومن خلال السنوات السِّتِّ لمْ تشهدْ تلك
المناطقُ أيَّ وقفٍ لإطلاق النَّار ولو بشكلٍ جزئيٍّ وكل الدعوات والتفاهمات
والاتفاقيات حول ذلك بما فيها الاتفاق الأمريكي الروسي ومشاريع القرارات التي قدمت
إلى مجلس الأمن فشلتْ عند هذه النقطة وفشلتْ في تأمين ملاذٍ آمنٍ لهم أو إيصال
مساعدات إنسانية إليهم على الرغم من إدراك كل الأطراف أنَّ الحسمَ العسكريَّ باتَ
صعبًا وأن الحسم الجغرافي باتَ محصورًا بنقاطٍ قليلة جدًّا لا يمكن أنْ يتحقق
إلَّا عن طريقِ سياسةِ الأرض المحروقة كما هو حاصلٌ في مدينة حلب والذي لا يمكنُ
أيضًا أن يتحققَ من دون تَواطئ دولي وإقليمي لهم مصلحة فيه بطريقةٍ مباشرةٍ وغير
مباشرة.
فإذا كانتْ مقتضياتُ الصراع وتشابكاته المعقدةُ بين جميع
الأطراف حالتْ إلى غايةِ الآن فرضَ وقفِ لإطلاق النار وتوضيح آليات تنفيذه وإلزام
الأطراف به فكيف يمكنُ أنْ يتمَّ الانتقالُ إلى طرحِ حلٍّ للقضية السورية والاتفاق
على ذلك بين أطراف القاسم المشترك بينها استدامة الصراع الذي يعبر عن حقيقة
استراتيجيتها في سوريا والمنطقة وقد أثبت الواقِعُ من خلال مجريات الأحداث
الميدانية وتعقيدات المشهد السوري أن الكلَّ قادرٌ على التحكم بتفعيلِ الصراع
بكلِّ جوانبه وإن كان بنسبٍ مختلفةٍ لكن ليس هناك عكس ذلك لغاية الآن، وهذا الأمر
لا يقتصرُ على الأطراف الدولية والإقليمية وإنما المحلية أيضًا، ولهذا قبل أنْ
نعرفَ مَنْ يَمتلكُ الحلَّ وكيفيَّته علينا أن نعرفَ أولًا مَن يَمتلِكُ القدرةَ
والإرادةَ ويعمل على استدامةِ الصراع حتى نتخيلَ أيَّ السيناريوهاتِ العسكرية التي
ما زالتْ تنتظر القضيةَ السورية قبل
التفكيرِ بأيِّ شيءٍ آخر لا توجد له
أرضيته ولا أطرافه المستعدين لذلك بعد!!.

الإبتساماتإخفاء الإبتسامات