الاتّفاق الأمريكي الروسي بين الربح والخسارة النِّظَام رابعًا!!!...

الاتّفاق الأمريكي الروسي بين الربح والخسارة
     النِّظَام رابعًا!!!...
الدكتور جبر الهلُّول
سارعَ النِّظَامُ عقبَ توصلِ الجانبينِ الأمريكي والروسي إلى اتفاقٍ بينهما حول سوريا  إلى الإعلان عن قَبولِه بوقف إطلاق النار الذي نصَّ عليه الاتفاقُ لمدة أسبوع وذلك التزامًا منه بالأوامر الروسية وليس قناعة بالاتفاق الذي هو معنيٌّ به بشكلٍ مباشرٍ وإن كان ليس طرفًا فيه، ثم سارعَ في مساء اليوم السابع منه على إصدارِ بيانٍ رسمي يُنهي فيه سريانَ الهدنة مُرجعًا الأسباب إلى عدم التزام فصائل المعارضة بها وإن كان ذلك بأوامر روسية أيضًا وتلبية لرغبتها وتعبيرًا عن خيبة أملها في المكاسب التي سعتْ إليها من الاتفاقِ مع الجانبِ الأمريكي أو للحدِّ من خسارتها في المأزق السوري الذي شارفَ على عامِهِ الأول من دون نتائج استراتيجية تذكر.
إلا أنَّ النِّظَامَ الذي وجدَ في الأوامر الروسية فرصةً وغطاءً لجرائمه الانتقامية التي تكشفُ مدى خسارته من هذا الاتفاق وموقفه الحقيقي منه وتكشف أيضًا مدى فقدانه القدرة على اتخاذ القرار وملامح دوره الوظيفي الذي رُسم له من خلال هذا الاتفاق وحجمه في أيِّ حلٍّ مستقبليٍّ للقضية السورية وذلك بناءً على ما سيُقرره عنه الطرفُ الروسيُّ الذي امتلك الأحقيةَ بذلك عنه وعن إيران نتيجة التدخل العسكري في سوريا في (30/9/2015) وذلك في لحظةٍ تاريخيةٍ حاسمةٍ بالنسبة إلى النِّظامِ الذي أوشك على الرغم من وجود إيران والمليشيات المتعددة الجنسيات إلى جانبه على الانهيار والسقوط داخلَ حدود "الدولة المفيدة" التي أصبحتْ بالنسبة إليه معيارًا للربح والخسارة بحيث بات كلُّ ما زادَ عنها يُشكلُ ربحًا وما نقصَ منها هو خسارةٌ له ولحلفائه. وتجدرُ الإشارةُ هنا إلى أنَّ فكرة "الدولة المفيدة" طرحت من قبل إيران أولًا في (2012) نتيجة إدراك منها لحقيقة مستقبل النِّظَام ومآلاته وفقًا لآليات الصراع وتداخلاته الإقليمية والدولية!.
إنَّ هذا المعيار -"الدولة المفيدة"- في الربح والخسارة عند النِّظَام ومَن مَعه لمْ يكنْ من تداعياتِ الاتفاق الأمريكي الروسي الأخير وإنَّما بدأ عندما أخذ النِّظَامُ يفقدُ القدرةَ على اتخاذ القرار والتحكم في مجريات الأحداث من اللحظات الأولى لانطلاق الثورة في بداية (2011) التي توقف معها ميزانُ الربح الكلي على الجغرافيا السياسية السورية التي بدأتْ تتحررُ وتخرجُ عن سيطرة النِّظَام الذي اعتمدَ منذ تلك اللحظات التاريخية الفاصلة ومن خلال التعامل مع الأحداث على استراتيجية التخفيف من الخسارة المتزايدة بالاعتماد على كل ما لديه من قوةٍ عسكريةٍ بغضِّ النظر عما إذا كانتْ محظورةً دوليًّا أو مسموحًا بها وبالاستعانة المباشرة بكل حلفائه لاسيما إيران والمليشيات المتعددة الجنسيات.
 لكن تلك الاستراتيجية فشلتْ في توقيف خسارته للأرض التي تحررتْ وخرجتْ عن سيطرته لصالح الثورة أو بسببها إلى أن جاء التدخلُ الروسيُّ العسكري الذي استطاع أن يؤمن حدودَ "الدولة المفيدة" للنِّظَام ويوقف خسارته للجغرافيا السياسية ويحقق له بعض المكاسب التي تساعده على المساومةِ في تدعيم بنية الدولة المفيدة وتقويتها عن طريق فرض الهدن وحصار بعض المناطق وتفريغها قسريًّا من أهلها وإجراء تغيير ديموغرافي فيها وتمكينه إلى جانب الآلة العسكرية الروسية الانتقام من غالبية المناطق المحررة والسعي لإعادة احتلال بعض النقاط التي تدعم مشروع الدولة المفيدة عسكريًّا وسياسيًّا.
لكن يلاحظُ أنَّ الأمرَ اختلفَ بالنسبة إلى النِّظَام بناءً على المقترح الأمريكي في الاتفاق مع روسيا الذي توصلَ إليه "كيري" و"لافروف" في التاسع من هذا الشهر -أيلول- واستنادًا إلى تصريحاتهما عقب إعلان الاتفاق وما تسرب منه، على النِّظَام السوري أن يمتنعَ عن القيام بأي أعمال قتاليةٍ في المناطق التي توجد فيها المعارضةُ والتي سيتمُّ تحديدُها بدقةٍ وفصلها عن المناطق التي توجدُ فيها جبهة فتح الشام، -جبهة النصرة سابقًا - كما نصَّ على وقفِ كل عمليات القصف الجوي التي يقوم بها النِّظَامُ في مناطقَ أساسيةٍ سيتمُّ تحديدُها، وخصوصًا وقف القصف بالبراميل المتفجرة واستهداف المدنيين. وعلى المعارضة أن تنضمَّ إلى اتفاقِ وقف الأعمال القتالية، فيما يمتنعُ الطرفان عن شنِّ هجماتٍ وعن محاولة إحراز تقدم على الأرض.
فحجمُ الخسارة التي فرضها الاتفاقُ على النِّظَام بعيدًا عن المقارنة بالفصائل العسكرية على اختلاف درجات خسارتها من هذا الاتفاق، وبغض النظر عن أنَّ الاتفاقَ يقرُّ للنِّظَام ما وصل إليه نتيجة التدخل الروسي ويحافظ على وجوده السياسي والعسكري داخل الجغرافيا التي يسيطر عليها إلا أن تلك الجغرافيا تكادُ تنحصرُ بحدود الدولة المفيدة باستثناء بعض المناطق للتسويات اللاحقة التي تتعلق بحدود تلك الدولة وبنيتها الداخلية، وأنَّ المساحةَ التي يقرها الاتفاقُ للنِّظَام ولا يسمح له التوسع بعدها لا تتجاوز ربع مساحة جغرافية سورية الكلية التي خرجتْ عن سيطرته نتيجةَ الثورة وبالتالي أيُّ حلٍّ سياسيٍّ مستقبلي سيراعي تلك الجغرافيا السياسية بعينِ الاعتبار وتكون حصةُ النِّظَام ومَن معه محصورةً بما ثبَّتَه الاتفاقُ الأمريكي الروسي وأنَّ روسيا إذا لمْ تحققِ الشراكةَ العسكرية مع أمريكيا التي تطلقُ يدها في الجغرافيا وَفْقَ بنودِ الاتفاق فإنها ستكونُ مصالحُها حبيسةَ جغرافية النِّظَام وبالتالي ستكون في مأزقٍ كبييرٍ، وإنها ما تنازلت في هذا الاتفاق مع أمريكا على حساب النِّظَام الذي تدخلت إلى جانبه عسكريًّا إلا من أجل الخروج من هذا المأزق. وبخاصةٍ أن الالتزام بالاتفاق يعني أن الاعترافَ بالمعارضة على تنوعها وبما تسيطرُ عليه من الجغرافيا ستكون واقعًا سياسيًّا قويًّا لا يمكن استهدافه من قبل النِّظَام وسيكون لها دورها في أيِّ حلٍّ سياسيٍّ بناء على ذلك.
إنه يمكن القول باختصار: إنَّ حجمَ ردة فعل النِّظَام وروسيا معه على الاتفاق من خلال التسارع في نقض الهدنة وتصعيد العدوان لاسيما على المدنيين تعكسُ حجمَ الخسارة التي يتوقعها النِّظَامُ من هذا الاتفاق أثناء تنفيذه وكذلك روسيا إذا لم تتحقق الشراكة العسكريةَ مع أمريكا على النحو الذي تَسعى إليه، الأمرُ الذي تجدرُ  دراستُه بدقةٍ من أجل إيجاد الآلية المناسبة للتعاطي مع هذا الاتفاق وكيفية التعامل معه وَفْقَ ما يُحققُ مصلحةَ الثورة ويزيدُ من خسارة النِّظَام ومَن معه ويقلل من خسائر المدنيين والفصائل العسكرية على تنوعها.


المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »