الاتّفاق الأمريكي الروسي بين الربح والخسارة الفصائل العسكريّة ثالثًا!!!

الاتّفاق الأمريكي الروسي بين الربح والخسارة
الفصائل العسكريّة ثالثًا!!!
الدكتور جبر الهلُّول
إنّ الاتفاق الأمريكي الروسي هو اتفاقٌ ثُنائيٌّ أتى في سياق الوصاية الدولية التي هيمنتْ على القضية السورية بعدما فَقَدَ جميعُ الأطراف الداخلية فيها القدرةَ على التحكم بإدارتها وحسم نتائجها نتيجةَ التدخل الدولي والإقليمي فيها بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشر وبخاصة بعد التدخل العسكري الروسي في (30/9/2015) حيث جعلتْ روسيا من نفسِها طرفًا إلى جانبِ النِّظَام وتتحكم به بعدما أنقذتْه من الانهيار الوشيك الذي وَصَلَ إليه وباتَ بيدها الحل والربط بمصيره وتتخذ القرارات عنه من دونِ الرجوع إليه وعليه الالتزام بها. أما فصائلُ المعارضة العسكرية التي استطاعتِ الولاياتُ المتحدة الأمريكية أنْ تتحكم بغالبيتها وتتفق حولها وتتعهد بإلزامها بما تتفقُ عليه مع روسيا فإنه لمْ يـأتِ من خلال التدخل العسكري المباشر إلى جنبها والقتال معها ضد النِّظَام ومن معه وإنما من خلال التحكم وإدارة غرفتي الدعم العسكري "الموك" و"الموم" أو عن طريق دعمِ دولٍ حليفة  لأمريكا مِن خارج غرفتي الدعم - وإن كانت تلك الدول موجودة فيها أيضًا - لفصائل نأتْ بنفسها عن غرفتي "الموك" و"الموم" لأسبابٍ أيدولوجية أو عقدية أجبرتها ظروفُ الصراع وشدته وطولُ أجله على التماس الدعم بكل أنواعه بشكل مباشر أو عن طريق الواسطة من تلك الدول التي وقفت إلى جانبها وزعمت أنها تُناصرُ قضيةَ الشعب السوري العادلة. وتجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ قلَّةً معدودةً من الفصائل العسكرية ما زالتْ تقولُ إنها خارج إطار الدعم الخارجي بكل أشكاله وأنواعه وتعتبره مُحرّمًا في حين لمْ تجرؤ دولٌ بعينها على التصريح بدعم تلك الفصائل لتأكيد ذلك لأن تلك الفصائل مُصنفة ضمنَ التنظيمات "الإرهابية"، وبالتالي تجد تلك الفصائلُ الفرصةَ للتمايز عن الفصائل الأخرى من أجلِ تدعيم موقفها الشعبي في ظل التنافس الداخلي المستمر لإثبات الوجود والقدرة على التأثير والسيطرة على الساحة الداخلية في المناطق المحررة والعمل على التحكم ببعض مفاصل الثورة السورية لأهدافها الفصائلية!.
وإنه بالعودةِ إلى الاتفاق الأمريكي الروسي نجد أنَّ الفصائل العسكرية وَفْقَ الآليةِ التي استطاعتْ أمريكا عن طريقها أنْ تصِلَ إلى فرضِ وصايتها عليها بنِسَبٍ متفاوتةٍ بحسب ألية الدعم وطريقتها للمجموعات الثلاث من الفصائل العسكرية الآنفة الذكر والتي هي بخلاف آلية الوصاية الروسية على النِّظَام ومَن معه.
إنَّ الآلية الأمريكية والآلية الروسية جعلتا من القضية السورية مُقسمة تحت رحمة الوصاية المشتركة بينهما وظهرتْ ملامحُها واضحةً فيما كُشِف عنه من هذا الاتفاق وما خفي منه ربما يكشف تفصيلاتها بشكلٍ أدق وأعمق. لكن مع ذلك يُستنتج من الاتفاق الذي أصبح عنوانًا للمرحلة القادمة بكل مجرياتها الميدانية العسكرية والسياسية أنَّ هناك تفاوتًا في الربح والخسارة فيما بين الفصائل أولًا وبينها وبين النِّظَام ثانيًا على الرغم أنها لمْ تكنْ طرفًا في الاتفاق الذي جرى التفاوضُ عليه بعيدًا عن رضاها أو رفضها ولم يكن لها أي دور إيجابي أو سلبي فيه يذكر وذلك فقًا لما آلتْ إليه أطرافُ الصراع على الأرض، حيث من الملاحظ أنَّ أمريكا اكتفت عن طريق مبعوثها الخاص إلى سوريا "مايكل راتني" أن تُعْلِمَ الفصائلَ العسكرية من خلال رسالتين وجّهتَا لها: الأولى سبقت الاتفاق والثانية بعده وذلك من باب العلم والخبر بما يجب عليها الالتزام به وَفْقَ بنودِ الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه مع روسيا.
لكن على الرغم من الاستياء الذي أبدتْه كافةُ الفصائل من الاتفاق من خلال البيانات والملاحظات عليه لاسيما فيما يتعلَّقُ بالهدنة ووقف إطلاق النار ورفض استثناء "جبهة فتح الشام" منه، وإدراكها مسبقًا أنَّ الاتفاقَ يستهدفها مجتمعة ويَسعى إلى التفريق فيما بينها، الأمر الذي استشعرتْ خطرَه بأنه سيضعفها أمام النِّظَام وسيزيد من خسارتها لاسيما أنه لا توجدُ ضمانات دولية ترعى الاتفاق وتضبط آليات تنفيذه وتحول دون عدوان النِّظَام ومَن معه في أيةِ مرحلةٍ من مراحل تنفيذِ الاتفاق والانتكاسات الحتمية التي سيتعرَّضُ لها إلا أنها قد تجد فيه فرصةً للتخفيف من خسائرها وتثبيت مكتسبات لها من خلال الاعترافِ بمشروعيةِ سيطرتها على الأرض ورسم حدودها الجيوسياسية التي سُمح لها بنص الاتفاق أنْ تكونَ لها على حساب النِّظَام الذي انحسَرَ ضمنَ حدودِ "الدولة المفيدة" بعدما كان يأملُ باستعادة احتلالها مرة أخرى من خلال التحالفِ العسكري الذي تقودُه روسيا وتشاركها إيران والمليشيات المتعددة الجنسيات فيه.
 لكن لا يمكنُ إدراكُ بُعْد خسارة الفصائل وربحها أمام النِّظَام ومَن معه إلا مِن خلال حجم الربح والخسارة التي ستتعرضُ لها فيما بينها أثناء تطبيق الاتفاق الذي فرق في توصيفه لها وحدد آليات العمل معها من خلال الالتزام وعدم الالتزام ببنود الاتفاق، حيث لا يمكن اعتبار أن الربح والخسارة واحد عند كل الفصائل لاسيما عند مقارنة الفصائل التي تتلقى دعمَها من غرفتي "الموك" و"الموم" التي تعتبر بشكل تلقائي أنها "معتدلة" بالفصائل التي تعيشُ تحت سيف التصنيف والابتزاز المستمر، حيث عملت كلٌّ من أمريكا وروسيا من خلال هذا الاتفاق على فرزها بشكلٍ قسريٍ إما إلى جانب الفصائل "المعتدلة" التي ستخرج وفقًا لتطبيقات هذا الاتفاق والالتزام به عن دائرة الصراع مع النِّظَام مقابلَ دورٍ مستقبليٍّ لها ما زال مجهول المعالم أو دفعها باتجاه الفصائل المصنفة "إرهابيًّا" من أجل استهدافها معها من خلال الشراكة العسكرية بينهما والعمل على إخراجها من دائرة الصراع في القضية السورية وتحييدها وإبعادها عن أيِّ دورٍ مستقبلي مؤثر فيها على الرغم من دورها الفعال على كافة الجبهات وفي كل المعارك ضد النِّظَام طيلة السنوات الخمس الماضية لصالح المجموعة الأولى تحت مسمى "الاعتدال"!.
 إنَّ الاتفاقَ الأمريكي الروسي وإنْ بات واقعًا وبدأتْ تَظهرُ تداعياتُه على الفصائل العسكرية لا سيما فيما بينها، وسيختلف تأثير تلك التداعيات ومآلاتها الإيجابية والسلبية وفقًا لنسبة تطبيق بنود هذا الاتفاق على الأرض في الأيام القادمة، وبناء على تفاعل الفصائل معها ستحدد نسبة الربح والخسارة سواء بين الفصائل مجتمعة والنِّظَام أو فيما بينها، ولكن هذه الواقع لا  يمكن اعتباره نهاية الأمر إذا ما عملت  الفصائل على إيجاد آليات التنسيق العالي والمباشر فيما بينها وإدراك الأهداف التي يسعى الطرفان إليها من هذا الاتفاق من أجل الاستفادة منه والعمل الجاد والسريع للتقليل من مخاطره لاسيما الحرص على إفشال المراهنة الدولية والإقليمية في إمكانية تفتيت الفصائل نفسها بنفسها لصالح مشاريع أخرى في المنطقة!!.


المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »