حراكٌ سياسيٌّ دوليٌّ مِن أجلِ الاتِّفاقِ على حلٍّ عسكريٍّ في سوريا !!!.

حراكٌ سياسيٌّ دوليٌّ
مِن أجلِ الاتِّفاقِ على حلٍّ عسكريٍّ في سوريا!!!.
الدكتور جبر الهلُّول
إنَّ المتابعَ للحراك السياسي الدولي والإقليمي والمحلي المتعلق بالقضية السورية عند مقارنته بمجريات الأحداث الميدانية يجد أنَّ هناك انفصالًا كبيرًا بينهما بخلافِ مُقتضى التلازم بين المَساريينِ السياسي والعسكري الذي مِن المنطق أن يَعكسَ أحدُهما صورةَ الآخر سواء في ترجمةٍ عمليةٍ على طاولة المفاوضات أو يُوجدَ صداه على الجبهات العسكرية المشتعلة بين الطرفين الفصائل العسكرية وقُوَّات النِّظَام وميلشياته المتعددة الجنسيات.
إنَّ الانفصالَ بين الحراك السياسي والعمل العسكري أصبح طبيعيًّا وغيرَ مفاجئ بالنسبة إلى القضية السورية لأنها لمْ تعدْ تقتَصرُ على طرفين شعبٍ ثائر له قِواه العسكرية وتمثيله السياسي المنبثق عنها ونظامٍ مجرمٍ، وأن لكلا الطرفين حلفاء وأصدقاء وشركاء سواء في ساحات المعارك أو على طاولة المفاوضات، وإنما تعدَّدتِ الأطرافُ وتعدَّدتِ الصراعات الإقليمية والدولية والمحلية وأهدافها التي لا تلتقي مع الثورة السورية إلا في استغلالِ الفرصة الزمانية والمكانية وتقاطع مصالح المشاريع الكبرى في المنطقة والتي لا يمكنُ أنْ تجتمعَ معها على طاولةِ مفاوضاتٍ واحدةٍ ومناقشةِ مبادرةِ حلٍّ سياسيٍّ خاصة بها، كما لا يمكن أن يكون طرفا القضية السورية قادِرَيْنِ على اختزال تلك الصراعات المتداخلة والمعقدة وتمثيلها في أيِّ مبادرة حل، وبخاصةٍ أنَّ طرفي القضية لمْ يعدْ يَمتلكا إلَّا جزءًا من الجغرافية السياسية السورية التي تَنحصرُ الثورةُ فيها فقط، وانحسرتْ نقاطُ المواجهة والاشتباك فيها بشكلٍ رُسمتْ مِن خلالها حدودُ النفوذ والسيطرة المسموح بها لكل طرف، وتُركتْ بعضُ النقاط المشتعلة كحلبَ على وجه التحديد كبوابةٍ لإعادة طرح المبادرات التي تقومُ على إعادةِ تدوير المقترحات فيها لكل طرفٍ بين فترة تصعيد عسكري وأخرى لها أهدافها بما يتقاطعُ مع تلك الصراعات الخارجة عن نطاق الثورة، وبما يُساعدُ على إعادة طرحِ تلك المبادرات المعدلة شكلًا والتي لا تَجدُ لها فرصةً في حيِّزِ التطبيقِ العمليَّاتِي بينَ جميعِ الأطراف كمثيلاتها من المبادراتِ التي قَطعتْ أشواطًا من الجولاتِ لمْ تُثمرْ سوى استهلاكِ عاملِ الوقت في إطالة أمدِ الصراع الذي ما فتئتْ تُراهنُ على نتائجه العسكرية تلك الدولُ المتدخلةُ بالصراع في سوريا وعلى سوريا في رسمِ وتثبيتِ خرائطها الجيوسياسية في المنطقةِ التي مِن المرجح إلى غاية الآن عدمُ وجودِ الإمكانية والاستعداد الكافي مِن قِبلِ كلِّ الأطراف من أجل الوصول إلى ذلك في الوقت القريب الذي يَعني أنَّ الحلَّ السياسي للقضية السورية الذي ارتبط بتلك الصراعات لمْ يتبلورْ كفكرةٍ واضحةٍ بعدُ عند كل الأطراف، ولا يمكن أن يكونَ كذلك إلا في إطارِ التسويات والتفاهمات والاتفاقيات الكلية لتلك الصراعات الخارجية التي اجتمعتْ على الأرض السورية.
من خلال ما سَبَق، يُمكن القول: إنَّ الحراك السياسي الذي اقتصرَ اليوم على الأطراف الدولية بالدرجة الأولى روسيا وأمريكا والأطراف الإقليمية المعنية بالقضية السورية التي تناقشُ القضيةَ السورية على هامش الاجتماعات التي تعقدها اليوم في قمة العشرين في الصين، لا يعدو أنْ يكونَ سوى العمل على اتفاقٍ عسكريٍّ سريعٍ يتعلَّقُ بوقف إطلاق النار في بعض المناطق وبخاصةٍ بمدينة حلب وإخراجها عن دائرة الصراع تمامًا والتفرغ لمحاربة الإرهاب واستهداف الفصائل المصنفة لاسيما في إدلب، حيث ستُطلقُ يدُ روسيا في ذلك في حالِ تمَّ الاتفاقُ حول حلب وتثبيت وقف إطلاق النار بشكلٍ نهائيٍّ فيها. أمَّا مَا يتعلَّقُ بالحلِّ السياسي والمبادرات التي يتمُّ تسريبها في الإعلام سواء أكانت مبادرة دي ميستورا التي سيطرحها في العشرين من هذا الشهر أو ما ستطرحه الهيئةُ العليا للمفاوضات في لندن في الأسبوع القادم والتي تلتقي بكثيرٍ من النقاط معَ ما سيقدِّمُه دي ميستورا تحت اسم "الإطار التنفيذي للحلِّ السياسي في سوريا"، فإنه حراكٌ سياسيٌّ يَستندُ إلى ملء فراغِ عاملِ الوقت على حسابِ الثورة وإطالة معاناة الشعب السوري لا أكثر، لأنَّ مبادرةَ دي ستورا تَقتضي في مرحلتها الأولى ستة أشهر من المفاوضات المباشرة، ومن ثم الانتقال إلى فترةٍ انتقالية مدتُها ثمانيةَ عشر شهرًا!!.
إنه مِن دونِ الدخولِ بتفصيلاتِ تلك المبادرات السياسية سواء التي سيقدِّمُها دي ميستورا أو التي ستطرحها الهيئةُ العليا للمفاوضات فإنَّ تلك المبادرات كسابقاتها في الفشل حيث لا يمكنُ أن يُراهنَ عليها في إيجادِ أيِّ حلٍ سياسيٍّ باستثناء مَا يمكنُ الاتفاقُ عليه حول فكرةِ مجلسٍ عسكريٍّ انتقاليٍّ يَتناسبُ مع الحلول العسكرية المطروحة المؤقتة التي تخدمُ أطرافَ الصراع الدولي والإقليمي. وإن ما سيتَّفقُ عليها الطرفان الأمريكي والروسي هو ما سيُطبَّقُ وباقي المبادرات والحراك السياسي هو تفصيل ....

إنه يمكن القول: إن كل ما يجري على الأرض بشكلٍ مُتسارعٍ سواء عن طريق فرض الهدن والترحيل القسري ومعارك الريف الشمال السوري ومعركة حلب الحصار وفك الحصار والترتيبات المتعلقة وبما سيجري من تطوراتٍ مُتلاحقةٍ لن تكون ناتجة عن مبادرات الحل السياسي المفقود وإنما ستكونُ انعكاسًا للتسويات والصفقات والتفاهمات الجزئية المرتبطةٍ بالمصالح الدولية والإقليمية والتي ستظهر تداعيتُها وآثارُها على الأرض وترسم معالم المرحلة المقبلة بكل تعقيداتها في الأيام القادمة.....!.
المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »