الاتّفاق الأمريكي
الروسي بين الربح والخسارة
المدنيون ثانيًا!!!.
الدكتور جبر الهلُّول
ليس غريبًا أو مُفاجئًا
أن تكون الهدنةُ التي دخلت حيز التنفيذ بناءً على الاتفاق الأمريكي الروسي الذي
توصَّلا إليه في العاشر من هذا الشهر هشّةً وأنْ تشهدَ انتكاسةً كبيرةً في نهاية
يومها السابع بناءً على ميزان الربح والخسارة بين الطرفين الأمريكي والروسي أولًا
ومن ثم المدنيون ثانيًا وأطراف الصراع في القضية السورية ثالثًا من خلال تكتيكاتِ
هذا الاتفاق ومآلاته. حيث يقتضي منطقُ الصراع وتعقيداتُه وشدّتُه أن تعمل الأطرافُ
التي تجدُ نفسَها خاسرةً من هذا الاتفاق في أية ناحية من النواحي مقابل الطرف
الآخر على التخفيف من خسارتها أو تسعى إلى تحقيق مكسب إضافي طالما أنَّ الاتفاق ما
زال تحت فترة الاختبار الأولى حيث الفرصة ما زالت متاحة أمام الجميع بحسب فعالية
وقوة كل طرف على الأرض، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال التصعيد وخرق الهدنة أو
نسفها إذا أمكن ذلك لبعض الأطراف المستهدفة من هذا الاتفاق، إلا أن المدنيين وإن
كانوا من المستهدفين في هذا الاتفاق إلا أنهم وإن كانوا ليسوا طرفًا لتعديل الربح
أو تخفيف الخسارة فإن الاتفاقَ سينعكسُ عليهم إيجابًا وسلبًا بحسب درجات تطبيقه
بين الأطراف المتحكمة بإدارة الصراع لا سيما الأمريكي والروسي بالدرجة الأولى.
إنَّ تصعيدَ العنف ونقضَ
الهدنة التي يتعطل معها بشكل تلقائي إيصالُ المساعدات الإنسانية إلى المدنيين
الذين هم مكسرُ العصا وهم الذين يدْفَعون فاتورةَ الصراع الدولي والإقليمي والمحلي
بعدما خرجتِ الثورةُ عن مسارها في خدمة الشعب ووُظّفت بطريقة مباشرة وغير مباشرة
في ذلك الصراع وأصبحت ضمن أجندته الوظيفية وبالتالي فإنَّ الشعبَ بات يُمسي ويُصبح
على المؤقت الزمني لرحى هذا الصراع المُتداخل بين جميع الأطراف من دون أن يكون له
مصلحة فيه باستثناء أن وقف إطلاق النار الذي يمكن أن يُوقِف بشكل نسبي عدّادَ
الخسائر الكبير وأنه في حال فشله فإنَّ المدنيين يعلمون من خلال التجربة كما في
الهدنة السابقة وتجربة الأسبوع الأول من الاتفاق أن الثمنَ سيكون أضعافًا مُضاعفة.
فالشعبُ الحاضن للثورة في الاتفاق الأمريكي الروسي وإن كان ليس طرفًا مباشرا في
الصراع لكنه المستهدف بشكل مباشر من هذا الاتفاق الذي لا يُحقق له ما كان يريد من
الثورة ويطمح إليه لذا لا يجد فيه مكسبًا وإنما احتمالية الإيقاف النسبي للخسائر
التي يدفعها يوميًّا في هذا الصراع من دون أن يكون لديه أي تصور لحل سياسي قريب له
وما ستؤول إليه الأمور في النهاية.
لكن هناك إشكاليةٌ
كبيرةٌ في هذا الاتفاق بالنسبة للمدنيين المعنيين بوقف إطلاق النار وإيصال
المساعدات الإنسانية إليهم، حيث من المعلوم أن مناطق المدنيين الجغرافية هي المناطق
المحررة التي توجد فيها كل الفصائل العسكرية على تنوعاتها الأيدولوجية وارتباطاتها
الإقليمية والدولية والتي يعمل الاتفاق بشكل مباشر على الفصل بينها على أساس
التصنيف كـ"معتدلين" ومتطرفين" من أجل استهدافهم من خلال الشراكة
العسكرية الأمريكية الروسية على اعتبار أن وقف إطلاق النار لا يشملهم مما يعني أن
المدنيين بحسب الخرائط الجغرافية لهذا الفَصْل بين الفصائل سيكون هناك قسمان قسم
يتضاعف عليه القصف الدولي والقسم الآخر يخف عنه قليلًا وبخاصة أن الجغرافيا التي
ستكون مستهدفة هي أكبر بكثير من المناطق المستثناة إذا قدرنا المساحة التي توجد
فيها الفصائل المستهدفة بالإضافة إلى مساحة الأرض التي يسيطر عليها تنظيم الدولة،
مما يعني أنَّ الاتفاقَ من خلال وقف إطلاق النار فقط سيؤدي إلى ضغطٍ كبيرٍ على
المدنيين ويجبر الكثير منهم على النزوحِ من المناطق التي ستستهدف ضمن حربٍ مفتوحةٍ
تحت مسمى "محاربة الإرهاب" إلى مناطق أقل استهدافًا لا أكثر، ونكون بذلك
أمام حركةِ تهجيرٍ مناطقيةٍ جديدةٍ تأتي في سياق التغيير والفرز الديموغرافي الذي
يتناغم مع مشاريع التقسيم الجيوسياسي كأحد أهم مآلاتِ الاتفاق الأمريكي الروسي
التي يرون فيها بوابةً لحلِّ القضية السورية عن طريق تجميدِ الصراع بين النِّظَام
والمعارضة وتخفيف معاناة المدنيين ريثما يتبلور حلٌّ سياسيٌّ في الأفق البعيد.
إنه يمكن القول من خلال
الاتفاق الأمريكي الروسي لا سيما عن طريق وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات
الإنسانية أنَّ المدنيين لهم مصلحةٌ فيه من خلال تخفيف الخسائر فقط بغض النظر عن
مآلاته بالنسبة إلى كافة الأطراف التي يضغط عليها بالدرجة الأولى من خلال استهداف
المدنيين الذين يشكلون حاضنةَ الثورة وخزانها البشري الأمر الذي يقتضي على كافة
الفصائل العسكرية مراعاة ذلك لاسيما أنها ستكون بحاجةٍ إلى هذه الحاضنة في
المستقبل أكثر مما مضى حتى تستمرَّ الثورةُ لكن بطريقةٍ أخرى عند تطبيق الاتفاق
كاملًا ببنوده السرية والعلنية!!.

الإبتساماتإخفاء الإبتسامات