الاتِّفاقُ الأمريكيّ الروسيّ بتقنيَّةٍ ثُلاثيَّة
الأبْعاد!!
الدّكتور جَبْر الهلُّول
بناءً على تفاهمِ كيري – لافروف في موسكو في (24) آذار الماضي عُقْبَ
اجتماعهما في موسكو، حُدِّدَ في البيانِ الختامي أنَّ الأوَّلَ من آب موعدٌ لبدء
المرحلة الانتقالية في سورية وتشكيلِ هيئةِ الحكم الانتقالي، وذلك باعتبار أنَّ
هذا الموعد "هدفٌ" لتفعيل الضّغط على الأطراف الإقليميّة والسوريّة
للتفكير في هذا الاتجاه مع وضعِ مواعيدَ وإجراءاتٍ أخرى للوصول إلى ذلك، وممَّا
جاء في ذلك البيان: أنَّ الأوَّلَ من آب "هدفٌ" كي تصلَ الأطرافُ
المعنيّةُ إلى اتفاقِ إطارٍ لانتقالٍ سياسيٍّ حقيقيٍّ الذي يتضمنُ تشكيلَ
"هيئة حكمٍ انتقاليّةٍ" شاملةٍ وذات صدقيّةٍ وغير طائفيةٍ بصلاحياتٍ
تنفيذيةٍ كاملةٍ". ثم أكَّدَ وزيرُ الخارجية الأمريكي "جون كيري"
في تصريح لافتٍ أيضًا عقبَ انتهاء اجتماع "المجموعة الدولية لدعم سوريا"
في فيينا في (17/5/2016) بعد فشلَ تحديدِ موعدٍ لاستئناف محادثات جنيف3 التي توقفت
في جولتها الثانية التي انعقدتْ من تاريخ (24 إلى 27/4/2016) وانسحَبَ منها وفدُ
المعارضة التفاوضي، أن الأول من آب هدف لانطلاق عمليّة الانتقال السياسيّ في
سوريا. ومع اقترابِ الموعد "الهدف" – الأول من آب - نجد أنّ الحراكَ السياسيّ الدوليّ الذي تَرعاه
أمريكا وروسيا يتمحوَرُ فيه الاتفاقُ حول ثلاث قضايا مركزية تُمَكِّنُ من رؤية
المشهد الأخير للقضيّة السوريّة سياسيًّا وعسكريًّا بتقنية "ثلاثية
الأبعاد".
إنّ القضايا الثلاث التي هي على موعدٍ مع الأول من آب "الهدف"
هي: الاتفاقُ على شراكةٍ عسكريّةٍ بين أمريكا وروسيا تتعلقُ بالدرجة الأولى
بمحاربة "جبهة النصرة" ومن ثم "تنظيم الدولة" الذي يُحاربه
التحالفُ الدوليُّ بقيادةِ الولايات المتحدة الأمريكية حيثُ باتَ من المعلوم
أبْعاد هذه الشّراكة العسكريّة التي تَكْمن في المُقايضة من خلالِ الشراكةِ بضربِ
"جبهة النصرة" مقابلَ توقّف النِّظَامِ عن استهدافِ الفصائل والمناطق
التي تُسمِّيها أمريكا بالاسم. فالقضيَّةُ الأولى مرتبطةٌ بالقضية الثانية التي
تتعلَّقُ بفرضِ هدنةٍ طويلةِ الأمد بين النِّظَام والقوى العسكرية على الأرض وِفْقَ
الجغرافيا السياسية التي ستنتهي إليها الأطرافُ عند تثبيتِ وقفِ إطلاق النار، ثم
ستنطلِقُ بالتوازي القضيةُ الثالثةُ التي تتعلَّقُ بعملية الانتقال السياسي في
سوريا من خلالِ إعادةِ تفعيل المحادثات السياسية في جنيف بناءً على المُتغيراتِ
والمُعطياتِ الجديدةِ على الأرض وما آلتْ إليه التفاهماتُ والاتفاقياتُ السياسيةُ
في كواليس السياسة الدولية والإقليمية التي ستظهرُ تِباعًا وتنعكسُ آثارُها على
الأرض مباشرةً وقريبًا.
إنه من المُلاحظِ أنَّ الطرفين الأمريكي والروسي يَحرصان على الوصولِ إلى
الاتفاقِ على التفصيلات الدقيقة والخطوات العلميّة قبل الموعدِ الأول من آب، فقد
أوضحَ كيري خلال مؤتمر صحفي سابق، بالقول: إن "كلانا نعتقدُ أنَّنا نُدركُ
الاتجاهَ الذي نتحرك نحوه، وما هي الأهدافُ التي لا بدَّ من تحقيقها"، مضيفاً
"فريقانا سيجتمعان قريبًا لإعطاء دفعةٍ لنظَام وقف الأعمال القتالية (في
سوريا) من أجلِ تعزيزِ قدراتنا على محاربةِ تنظيمي "القاعدة"
و"تنظيم الدولة". في حين قال مصدرٌ في وزارة الخارجية الروسية فضَّلَ
عدمَ الكشف عن اسمه لوكالة "تاس" إنَّ الجانبَ الروسي يتوقَّعُ أنْ
"ينطلق في جنيف في الأيام القريبة المقبلة العملُ المكثَّفُ على مستوى
الخبراء في المجال السياسي والعسكري"، وذلك تكملة للمحادثات التي أجراها كيري
في موسكو يومي الخميس والجمعة الماضيين.
في سياق ذلك، وسباقًا مع الوقت الموعد "الهدف" – الأول من آب
- قام وزيرُ الخارجية الأميركي جون كيري يوم
الأربعاء الماضي بوضعِ مسودةِ الاتفاق أمام نظرائه في الدول الأوروبية الرئيسية
الذي حمله إلى موسكو الخميس قبل الماضي الذي تضمن اتفاقاً بالتوازي حول القضايا
الثلاث التي تُحدّد ملامحَ المشهد السوري في المرحلةِ القادمة التي من المُرجّح
أنْ تبدأَ مع بداية الشهر المقبل وذلك بعد مجيء الردِّ الروسي على المقترح
الأمريكي قبيلَ (31) تموز الجاري.
إنَّ الاتفاقَ حولَ القضايا الثلاث لاسيما من خلال ما تضمنته مسودةُ وثيقة
"الشراكة العسكرية" بتفاصيلها الدقيقة، سيكون مفصليًا بخصوصِ القضية
السورية، حيثُ ستتوقَّفُ العلمياتُ العسكريةُ بين النِّظَام والمعارضة ويتوقَّفُ
استهدافُ النِّظَام بشكلٍ كاملٍ للمناطق المحررة، وسيدخلُ الطرفان في تنفيذِ
الاتفاق حول الانتقال السياسي ضمنَ جدولٍ زمني متفقٍ عليه دوليًّا وإقليميًّا، وإن
كان سيُحاول النِّظَامُ وإيران وبعضُ الأطراف الإقليمية والمحلية المشاغبة بطريقةٍ
غير مباشرة إعاقةَ الالتزام بالجدول الزمني لأنها ستجدُ نفسَها أنها خاسرةٌ بشكلٍ
عامٍ في هذا الواقع الجديد الذي سيُفْرِض عليهم جميعًا ويأخذ منهم ولا يُعطيهم،
وأنَّ الطرفَ الوحيدَ المستفيد محليًّا "قُوَّات سوريا الديموقراطية"
لأنَّ الاتفاقَ سيُكرسُ التقسيمَ الجغرافي بحكمِ الأمرِ الواقع بحسبِ ما تُريدُه
أمريكا ولا يفرضُ منطقة آمنة محدودة كما كانتْ تريدُ تركيا وإنما بحُكمِ تثيبتِ
وقفِ إطلاق النار الذي سيجعلُ من الأقسام الجغرافية بشكلٍ عامٍ مناطقَ آمنةٍ
باستثناء المناطق التي تُوجد فيها جبهةُ النصرة وتنظيمُ الدولة حيثُ سيتمُّ
التعاملُ معها بناء على اتفاقِ المقايضة العسكرية الذي ستتوصَّلُ إليه روسيا
وأمريكا وتشرفان على تنفيذِه بشكلٍ مباشر من خلال غرفةِ عمليات مشتركة مقرها
الأردن.
ربَّما قدْ يَرى البعضُ صعوبةً بتطبيق هذا الاتفاق بسببِ تعقيداتِ المشهد
السوري وتداخلاته الدولية والإقليمية والمحلية، لكن مَن يقفُ عند القضايا الثلاث
التي يَجري الاتفاقُ عليها، التي هي على موعدٍ واحدٍ لبدء تنفيذها في الأول من آب
المقبل يجد أنَّ القضيةَ السورية وَفق هذا الاتفاق الأمريكي الروسي الجديد الذي قد
تمَّتْ صياغتُه بتقنيةِ ثلاثية الأبعاد، قد حسمتْ لصالح الأطراف الدولية في
معركتها مع "الإرهاب" وأنَّ إمكانيةَ تنفيذِ هذا الاتفاق ستجدُ فرصةً
أكبر من ذي قبل وبخاصةٍ إذا حُسمتِ معركةُ الجغرافيا في حلب قبل نهاية الشهر!.

الإبتساماتإخفاء الإبتسامات