الاتفاق الأمريكي الروسي والمشهد الأخير
حصار القضية السورية بهدنة طويلة الأمد!!
الدكتور جبر الهلّول
إنّ التّطوراتِ العسكريةَ المتلاحقة والمتسارعة في الأسابيع الماضية،
سيَعْقبُها تطوراتٌ سياسيةٌ متلاحقةٌ ومتسارعةٌ أيضًا في الأسابيع القادمة تشي
بنمطٍ مختلفٍ من التعاطي مع القضية السورية من قِبل جميع الأطراف المُؤثرة فيها
لاسيما بعد التَّفعيل العمليّاتي على الأرض للاتفاق الروسي الأمريكي الجديد الذي
سيُكْشف عن تفصيلاته عمليًّا على الأرض وليس قوليًّا فقط، وذلك بحسب تصريح
"جون كيري" عقب اجتماعِه مع لافروف في موسكو يوم الأمس الجمعة: "لا
نقول إنَّ كلَّ شيءٍ يتغيَّرُ في يومٍ واحد.. غير أنه في حال تنفيذِ جميع ما
طرحناه واتَّفقنا عليه بالفعل، ستأتي فرصةٌ لتغيير الوضع جديًّا في حال تابعوا ليس
كلامنا فقط، وإنما ما سيحدث"!
إنَّ مَا سيحدثُ لن يكونَ عاديًّا بطبيعة الحال في مجرياتِ الأحداث العسكرية
والسياسية في القضية السورية، حيثُ سيتمُّ تجميدُ جبهاتٍ عسكرية تقليدية وتفعيلُ
جبهات أخرى تتعلق بـ "الإرهاب" وحصرًا "بجبهة النصرة"، وتفعيل
حراكٍ سياسيٍّ ينسجمُ مع الجّغرافيا السياسيّة التي آلت إليها الأطراف في الأسابيع
الأخيرة، حيث سيُبْرز الحراك السياسي في جنيف مُحَدّثٍ ملامح التّفاهمات الجديدة
التي تمت في موسكو كما تعكسها تصريحات كيري ولا فروس والتسريبات المقصودة حولها.
فقدْ قالَ وزيرُ
الخارجية الأمريكي جون كيري يوم أمس الجمعة (15/7/2016): "إنَّ الولايات
المتحدة وروسيا اتّفقتا على خطواتٍ إذا طُبِّقتْ فسَتُوفّر حلًّا للمشاكل المتعلقة
بانتهاكاتِ "القُوَّاتِ الحكومية السورية" والهجمات التي تَشنُّها
"جبهةُ النصرة". وأضاف "كيري" "لن نُعلنَ عن الخطواتِ
الملموسة التي اتَّفقنا عليها في قائمةٍ طويلةٍ، لأننا نُريد لها النجاح، ولأنها
بحاجةٍ لمزيد من العمل كي تنجح." ثم أكَّدَ بالقول: "لكني أودُّ
التأكيدَ على أنَّ هذه الخطوات ليستْ مبنيّة على الثّقة. إنها تحدِّدُ مسؤولياتٍ
متسلسلةً يتعيَّنُ على جميع أطرافِ الصّراع استئنافها بِنيّة وقفِ القصف العشوائي
الذي تُنَفّذُه قُوَّاتُ الأسد وتَكْثيف الجهود ضدّ "جبهة النصرة".
في المقابل قال لافروف: "اتَّفقتْ موسكو وواشنطن
على الخطواتِ المشتركة المحددة، التي يجبُ اتِّخاذُها لتطبيق وقفِ إطلاق النار
وإعداد الظروف المناسبة للانتقالِ السياسي في سوريا، دون الكشفِ عن تفاصيلَ. ولكنه
أكَّدَ أنَّ الهدفَ المشتركَ لموسكو وواشنطن هو ضمانُ هدنةٍ طويلةِ الأمد تشملُ
جميعَ أراضي سوريا، مُشدّدًا على أنَّ الطرفين، الروسي والأمريكي، اتّفقا على
محاربة "تنظيم الدولة" و"جبهة النصرة" بلا هوادة. وقال
بالحرف: "إنَّ هدفَنا المشتركَ توفيرُ نظامِ وقفِ إطلاق النار الطويل الأمد
على جميع الأراضي السورية باستثناء "داعش" و"جبهة النصرة".
وأعلنَ لافروف أنَّ الاتفاقاتِ بين روسيا والولايات المتحدة، التي تمَّ التوصلُ
إليها خلال هذه المباحثات، سيبدأ تطبيقُها في مستقبلٍ قريبٍ.
لقد تَوّصلَ - على الأغلب - جون كيري في زيارته إلى موسكو التي استمرَّتْ
يومين الْتقَى فيها الرئيسَ "بوتين" ووزيرَ خارجيته لافروف إلى اتفاقٍ
لا يَعتمدُ على الثقة هذه المرة وإنما على التطبيق العملي المتدرج لهذا الاتفاقِ
حتى لا تكون هناك خديعةٌ أخرى كما رأتْ موسكو في الاتفاق السابق حيثُ زعمتْ أنَّ
أمريكا لمْ تَفِ بالتزاماتها بما يتعلَّقُ "بجبهة النصرة". ولهذا قال
بوتين في بداية اللقاء مع كيري: إنَّ روسيا والولايات المتحدة «تتطلَّعانِ فعلًا
وبصدقٍ ليس فقط الى التعاون، إنما أيضًا الى تحقيق نتائج». ثم قال في نهاية
اللقاء: بإمكان "كيري" أن يُبلّغ الرئيس الأميركي "باراك
أوباما" بأنه «تمَّ إحرازُ تقدُّمٍ في المحادثات وفي حلّ المسائل التي
اجتمعنا لأجلها». وردّ كيري عليه بالقول: «لنأمل بأننا سنتمكَّنُ من تحقيقِ تقدمٍ
حقيقي وملموس وقابلٍ للتطبيق يمكن أن يُحدِثَ فرْقًا في سير الأحداث في سوريا»
إنه من خلالِ الاتفاقِ الجديد ستكونُ القضية السورية أمام مشهدٍ ميدانيٍّ مختلفٍ عن
المرحلة السابقة بكلِّ المقاييس والمعطيات، حيثُ بالإضافة لما هو مُتوقّع أن
تَحْسِم معركةُ حلب الجغرافية الجارية حاليًّا الكثيرَ من الرهانات الاستراتيجية
والسياسية دوليًّا وإقليميًّا ومحليًّا ليس حول قضية حصار حلب فحسب وإنما حصار
كافة الجبهات الأخرى بين المعارضة والنِّظَام وتوقيفها على الحال التي انتهت إليه
أثناء فرض هدنةٍ طويلةِ الأمد تُحَاصَر من خلالها القضية السورية برمّتها عسكريًّا
وسياسيًّا وتصبح أكثر قابلية لفرض الحلول الدولية عليها التي ستكونُ محور الحراك
السياسي الذي سينطلقُ منه دي ميستورا في إعادةِ تفعيلِ محادثات جنيف القادمة وَفقَ
تطورات وتفعيل الاتفاق الروسي الأمريكي على الأرض الذي سيُفَسِّر مظاهر وخلفيات
القناعات الجديدة بين الطرفين حول النص الذي تم التوافق والتوقيع عليه الذي مِن المُفترضِ أنْ يكونَ له أثرُه المباشرُ في مجريات الأحداث
الميدانية في الأيام القادمة أولًا قبل ترجمته سياسيًّا في محادثات جنيف القادمة!.

الإبتساماتإخفاء الإبتسامات