القَضيَّةُ السُّوريَّةُ في مَشْهَدٍ سِياسيٍّ وعسكريٍّ أخيرٍ: معاركُ النِّهايات (1)

القَضيَّةُ السُّوريَّةُ في مَشْهَدٍ سِياسيٍّ وعسكريٍّ أخيرٍ
معاركُ النِّهايات (1)
الدكتور جبر الهلول 
انتهت الحرب بالتأكيد أنك تمزح يا دكتور جبر!!

لا يَخفى على متابعٍ للقضيَّةِ السورية أنَّ مجرياتِ الأحداث الميدانيّة والحراك السياسيّ الإقليميّ والدوليّ تَسيرُ على وقعِ مشهدٍ مُتَغيِّرٍ بشكلٍ كبيرٍ يَرسمُ معالمَ المرحلةِ الجديدةِ التي ستُحدَّدُ نهاياتُها وَفقَ أصولِ لُعبةِ الصّراع الدوليّ في سوريا، حيثُ سيكونُ هناك رابحون وخاسرون، منتصرون ومنهزمون، كبارٌ وصغارٌ، في مشهدٍ سوفُ يزَعم فيه كلُّ طرفٍ أنه حقَّقَ مصالحه الاستراتيجية التي جاء فيها ومن أجلها إلى سوريا، وأنه كان له الدورُ الكبيرُ (الإيجابي) فيما آلتْ إليه الأمورُ في سوريّا، وأنه لولا مُشاركته (الإيجابيّة) لكانتِ الأمورُ في مشهدٍ لا يُمكن تَخيُّله من السوء والكارثيّة ليس في سوريا فحسب، وإنما في المنطقة كلّها، باستثناء الشّعب السوريّ الذي لا يَستطيعُ أنْ يُخفى حقيقةً أنه كان أداةً من أدواتِ لُعْبة الصّراع وساحتها، فكانتْ نهايتُه ما بين مقتولٍ ومُعاقٍ وجريحٍ ومُهجّرٍ ونازحٍ ولاجئٍ ومُتعبٍ أنهكتْه الحربُ ومزقَّته نفسيًّا وجسديًّا يُريد الخلاصَ كيفما كان، من دون أنْ يكترثَ كثيرًا على أيِّ يدِ لاعبٍ دوليٍّ وإقليميٍّ سيكونُ، وما الثّمنُ الذي قَبِضَه والمصلحةُ التي حَقّقها بِمُقابِل ذلك، ولا كيفَ قُسِّم النّفوذ وحُدود السيطرة على أرضه التي باتتْ مَعالمُها المُدمَّرة شاهدةً على ما تَعرّضتْ له، وتُوثِّق أيّ الأدوات التّدميريّة استُخْدِمتْ ضدَّها، ومن يَمْتلكها، ومَنْ فاخَرَتْ بقدرات أسلحتها الهمجيّة وتَنوِّعها، ومَنْ وجدتِ الفرصة لتدريبِ جنودِها ورفعِ جاهزيتهم الحيّة فيها وبحقِّ شعبها!.
إنه مَشْهدُ النّهايات الذي باتتْ تطبيقاتُه العمليّةُ على الأرض تأخذُ مسَارها سواء من خلال المعارك التي يُراد منها إعادة وَضْعِ الجغرافيا السياسيّة إلى ما كانت عليه قَبْل التدَّخل الروسيّ في (30/9/2015) سواء في مدينة حلب وريفها الجنوبيّ والشماليّ وفي ريف مدينة اللاذقيّة الشّماليّ، حيث أوشكتْ معاركُ النهايات أنْ تَحْسِمَ حُدودَ الجغرافيا المسموحة لكلِّ طرفٍ، وأنْ تَصِلَ إلى النقاط التي لنْ يُسمحَ للمعارضة والنِّظَامِ تجاوزها بعد ذلك، وسوف تُجْبر على الوقوفِ عندها بقرارٍ دوليٍّ ومساعدةٍ إقليميٍّة، والتزامٍ محليٍّ !.
إنّه من أُصولِ الصِّراع وشُروط النِّهايات الدوليّة من أجل فَرْضِ حلٍّ سياسيٍّ يجبُ إعادةُ التوازنِ بين أطراف الصِّراع وَفْقَ الجغرافيا السياسية التي كانت عليها قبل التَّدخل الروسيِّ الذي أَحْدثَ خللًا في توازن القُوّة على الأرض لصالح النِّظَام، لكنه عجزَ عن إيصال الأوضاعِ الميدانيّة إلى ما كان يُريدُ ضمنَ خطته الاستراتيجيّة من خلالِ اعتماده على حلفٍ غير "مقدس" جمع بين الأيديولوجيّة والمصلحة فأردوا منه - إيران والنِّظَام والمليشيات الشيعية المتعددة الجنسيات - غطاءً جويًّا فقط، فسقطُوا وسقطتْ روسيا معهم، ولمْ يبقَ هناك مجالٌ أمامَ روسيا للخروج من تلك السَّقْطة والمأزق الذي وصلتْ إليه، وبخاصةٍ، بعدما فَشِلَ كُلُّ حِراكها السياسيّ الذي أَوْصَلتْ إليه القضيّة السوريّة من فيينا1 إلى جنيف3 ونُسِفَتْ عندها هدنةُ وقف الأعمال العدائية، وأعْرضَتْ أمريكا عن عُروضِها المُتكرّرة في التّنسيق العسكريّ في الحربِ ضدّ "الإرهاب" المُتمثّل "بتنظيم الدولة"، ورفضِ أمريكا عَرْضها بالمُشاركة في تنفيذ مُراقبة الهدنة وضرب "جبهة النُّصرة" إلَّا بالعودةِ إلى استراتيجيّةِ المصالح التي بدأتْ برفعِ الغطاءِ الجويّ عن حلفِ الأيديولوجيةِ الذي جَمَعَ النِّظَامَ وإيرانَ في معركةٍ مصيريّةٍ جعلوا قاعدتها مدينةَ حلب التي أُوْقِفَتْ فيها معارك الحسم الجغرافي بتفاهمٍ دوليّ إقليميّ وبقيتْ معاركُ النِّظَام وإيران وأدواتُها تحاولُ عبثًا إثباتَ وجودِها مِن دون روسيا، لكنها لن تُفلحَ وستُجْبر على العودةِ إلى ما كانت عليه مُلْقيةً أسباب الفشل على روسيا التي ذهبتْ في خطوةٍ بعيدةٍ باتجاه تركيا التي بادرتْ إلى الاعتذارِ عن إسقاطِ الطائرة الروسية التي تجاوزتْ مجالَها الجوي وأدَّتْ إلى توتر العلاقات بينهما  حيثُ كانت فرصةً كبيرةً أمام إيران والنِّظَام لاستثمار ذلك على الأرض.

إنَّ المُتابعَ لمُجرياتِ المعارك التي تَجري اليوم على الجبهاتِ المفتوحة يُدرك أنّ هذه المعارك مرسومةٌ خرائطها وحدودها وأهدافها ونقاط التَّماس التي ستقفُ عندها لفترةٍ طويلة من الزمن، وأنّها تأتي في سياقِ النهايات التي تَرْسِمُ حدود السّيطرة والنّفوذ التي تَنْسَجِم مع الحلِّ الجُيوسياسيّ للقضيّة السوريّة التي على أساسها ووَفقَ مُعطياتها ونتائجها ستبدأُ مرحلةٌ أخرى من الحِراك السياسيّ برعاية دوليّة وأمميّة ومُشاركة إقليميّة تختلف عن المرحلة السابقة التي توقَّفَتْ عندها في الجولة الثانية من جنيف3.
المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »