التحضيرات الدولية والإقليمية لمرحلة جديدة (3)

القَضيَّةُ السُّوريَّةُ في مَشْهَدٍ سِياسيٍّ وعسكريٍّ أخيرٍ
التحضيرات الدولية والإقليمية لمرحلة جديدة (3)
الدكتور جبر الهلّول 
انتهت الحرب بالتأكيد أنك تمزح يا دكتور جبر!!

بلغتْ القضيةُ السوريةُ في الأشهر الثلاثة الأخيرة من التّصعيد العسكري الذي تَرَكَّز في الشمال السوري بكاملِه من الساحل غربًا وصولًا إلى دير الزور شرقًا مرورًا بحلبَ مركزِ الصّراع وبيضة القبان فيه بشكل لم تبلغه من قبل، وبخاصةٍ بعد تَوقّفِ محادثات جنيف3 في شهر نيسان الماضي، ورافق ذلك التصعيدَ توترٌ وخلافاتٌ حادة في العلاقات الإقليمية والدولية بين أمريكا ورسيا من جهة وبين روسيا وتركيا من جهة أخرى وبين دول خليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وإيران وغيرها من الدول. الأمر الذي جعلَ من الحراك السياسي المُتعلّق بالقضية السورية يَسيرُ في الكواليس وفي الغرف المُغلقة على وقعِ التصعيد العسكري الذي خُطِّطَتْ معاركُه وفُتِحتْ جبهاتُه سياسيًّا قبل أن تكون ميدانية على الأرض. وعندما بلغ الصراعُ الإقليمي والدولي مداه وتُرْجم عمليًّا على الجبهات السَوْرية ضمن معركة الحسم الجغرافي التي دفعت معظمُ الأطراف كلَّ إمكانياتها فيها وبات واضحًا للغالبية منهم أنهم قد خسروا في تلك اللعبة، وأن الرابحين فيها قلة وإنْ كان على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية من خلال معركتها ضد " الإرهاب" ومن الأطراف المحلية "قُوَّات سوريا الديموقراطية" وتحديدًا وحدات الحماية الشعبية الكردية التي استفادت من تلك المعركة ودعم التحالف لها، فإنَّ أبرز الخاسرين دوليًّا روسيا وتركيا وروسيا وإيران والسعودية وقطر والفصائل العسكرية والنِّظَام ومَن معه من المليشيات الشيعية المتعددة الجنسيات.
لقد استطاعت أمريكا بطريقةٍ مباشرةٍ وغير مباشرة لاسيما بعد إعلان التحالف الدولي بقيادتها معركة "الحزم التام" في سوريا والعراق وتحقيقها تقدمًا كبيرًا سواء في العراق في معركةِ الفلوجة ومِن ثم في معركة منبج التي تضع أمام الجميع معالم الحلِّ الذي تريد أن تفرضه على جميع الأطراف في الساحة السورية، وأنَّ هذا الحلَّ يقتضي بالدرجة أن لا يكون هناك منتصرون بالحرب وعليهم أن يصلوا إلى قناعة أنَّ الاستمرار فيها يعني مزيدًا من الخسارة ولهذا عليهم أن يُسارعوا ليس لتحقيق المكاسب وإنما السعي إلى الحد من الخسائر والوقوف عندها، وذلك سيكون مقبولًا بحكم الواقع وليس بحكم ما كان مطلوبًا أو مأمولًا لكل طرف. وفي هذا السياق علينا أن نفهمَ التبدلَ الأخير في العلاقات الدولية والإقليمية وعودة الحراك السياسي من جديد بين روسيا وأمريكا في إطار السعي لاتفاق جديدٍ وشراكةٍ عسكرية ستُنهي عمليًّا القتال بين المعارضة والنِّظَام وحصر المعركة في سوريا "بالإرهاب" المتمثل بتنظيم الدولة وجبهة النصرة.
وكذلك إن تبدّل العلاقة بين تركيا وكُلًّا من روسيا وإسرائيل بعيدًا عن المصالح الاقتصادية والتحليلات لهذه الخطوة التي رآها البعضُ مفاجئةً، لكنها عسكريًّا جاءت في مساقاتِ المعارك الدائرة في الشمال السوري لاسيما في ريف اللاذقية الشمالي وريف حلب الجنوبي التي أُوْقِفَت عند نقاط محددةٍ بقرارٍ سياسي مشترك غُضّ الطّرف فيه قليلًا عن ريف حلب الشمالي لتحقيق انتصارٍ معنوي إعلامي في قضية فرض حصار على مدينة حلب من خلال السيطرة النارية على طريق الكاستيلو ولو مُؤَقّتًا لأنَّ ذلك من أصول لعبة الصراع وتمهيد الأرضيات للحلول القادمة التي تحتاجُ إلى مشاركةِ كل الأطراف فيها وتخفيف حدة الخلاف فيما بينها والقبول بما آلت إليه الأمور الميدانية!.
إذًا فما شهدته العلاقاتُ التركيةُ الروسية بنهاية شهر حزيران الماضي وإن كان يُعتبر تطورًا مُهمًّا على صعيد السياسية الخارجية التركية والروسية، فإنه بلا شك يُعبِّر عن بدء مرحلةٍ جديدةٍ من مراحل القضية السورية فَرَضَت على الجانبين الروسي والتركي إنهاء الخلاف وفتح صفحة جديدة فيه بعدما أدركا أن خلافهما حوله جعلهما مشتركين في الخسارة أمام العامل الأمريكي الذي أدار اللعبةَ بنجاح على حسابهما وجعلهما أداة من أدواتها، ومن ثم مؤخرًا سببًا من أسباب عودة العلاقة بينهما من جديد.

إنه قد يكونُ من المبكر اتضاحُ معالم المشهد الإقليمي والدولي في هذه المرحلة الجديدة حول القضية السورية ولكن نحن أمام تحضيراتٍ متسارعةٍ لهذا المشهد التي من المتوقع أنها باتت تنتظر الرئاسةُ الجديدة للبيت الأبيض التي على يدها يعول الكثيرون دوليًّا وإقليميًّا وربما محليًّا وأن الإدارةَ الحالية سيقتصر دورها في هذا التوقيت على تجهيز الملف السورية لتسليمه إليها جاهزًا وقد حُسِمت خيارات الجغرافيا لدى جميع الأطراف، وانخرطتْ جميعُها تحت المظلة الأمريكية في محاربة "الإرهاب". ولعله من هذا السياق من التحضيرات الدولية والإقليمية للمرحلة الجديدة من القضية السورية التي هي من مراحل النهايات رأى مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية "ستيافان دي ميستورا يوم الإثنين (11/7) أنَّ المرحلةَ باتتْ “حاسمة” لإيجاد حلٍّ يوفق بين محاربة تنظيم الدولة والعملية السياسية الانتقالية في سوريا. حيث قال دي ميستورا في روما: إنَّ "المرحلةَ حاسمة. من الآن وحتى أيلول لدينا فرصة سانحة لإيجاد صيغة تُوفّق بين محاربة "تنظيم الدولة" و"جبهة النصرة" وبين العملية السياسية الانتقالية". واعتبر أيضا في ختامِ لقائه مع وزير الخارجية الإيطالي "باولو جنتيلوني" أن "الحلَّ يكمنُ في اتفاقٍ محتملٍ بين روسيا والولايات المتحدة”. وأضاف أنَّ البلدين "أظهرا أنهما قادران على الاتفاق وتحذو الجهات الأخرى حذوهما". 
المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »