القَضيَّةُ السُّوريَّةُ في مَشْهَدٍ سِياسيٍّ وعسكريٍّ أخيرٍ
حراكٌ عسكريٌّ سياسيٌّ في ربع السّاعة الأخير (4)
الدكتور جبر الهلّول
انتهت الحرب بالتأكيد أنك تمزح يا دكتور جبر!!
إنّ زيارةَ وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" اليوم -الخميس 14/
7/2016 - إلى روسيا ليستْ زيارة عادية لا من حيث التوقيت أو المضمون أو الظروف
الدولية والإقليمية والمحلية التي تتعلَّقُ بالقضية السورية لاسيما تطورُ مجريات
الأحداث العسكرية. إذ أنّ هذه الزيارة جاءتْ قُبيل أسبوعين من بداية شهر آب الذي
قال عنه "كيري" للصحفيين قبل شهرين، على أمل دفع روسيا والنِّظَام لوقف العمليات
العسكرية: «إنَّ التاريخ المستهدف للانتقال هو الأول من أغسطس (آب). لذا إمّا أن يَحْدُثَ
شيءٌ في هذه الشهور القليلة المقبلة، أو إنّهم يطلبون مسارًا مختلفًا للغاية».
ولقد أصبحَ من المعلوم لغالبية المتابعين للقضية السورية أنَّ ما حصل خلال
الشهور القليلة الماضية كان عكس ما تكلم عنه كيري تمامًا، حيث تضاعفتِ العملياتُ
العسكرية والعدوان للحلف الثلاثي (روسيا إيران والنِّظَام) الذي تقوده روسيا بشكلٍ
لمْ يسبقْ أنْ مرَّ على الثورة السورية في
سنواتها الماضية، وقد تَركّزَ العدوانُ بشكلٍ مباشرٍ في الشمال السوري وبخاصةٍ في
مدينة حلب وريفها، وباتتْ قضيةُ حصار المدينة من خلالِ السيطرة على طريق الكاستيلو
ولو ناريًّا عنوانًا للهزيمة والانتصار لمعركة تُدركُ جميعُ الأطراف أنَّ أهميةَ
"معركة طريق الكاستيلو" بِبُعْدها السياسي وليس ببعدها العسكري الذي هو
ليسَ إلَّا استنزاف مقصود بذاته سيصلُ بالأطراف الموجود على الأرض بعد الإنهاك
الشديد إلى تحقيق مبدأ "لا غالب ولا مغلوب" في معارك النهايات التي
تَحْسِمُ نتائجَها تفاهماتٌ واتفاقياتٌ دوليةٌ سياسيةٌ قد تكونُ آخرُها ما سيطرحه
كيري اليوم على الجانب الروسي وَفقَ المقترح الأمريكي الذي سرَّبتْه الواشَنَّطن
بوست في الأيام الماضية، حيث سيُشكلُ هذا المقترحُ العرضَ النهائي لحلِّ القضية
السورية في ظلِّ مَا تبقى من فترةِ الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة أوباما التي
سيُسَجَّل في تاريخ إنجازاتها أنها استطاعتْ أن تُحوِّل ثوراتِ شعوب الربيع العربي
وبخاصةٍ الثورة السورية من ثورةٍ للحرية ضدَّ نظام مستبد مجرم، وتُجيّر جميعَ
الأطراف المحلية والإقليمية والدولية ضمن استراتيجيتها في معركةِ محاربةِ
"الإرهاب"، وأنَّ حلَّ القضية السورية يتوقَّفُ عند الألوية الأمريكية
"الإرهاب أولا" التي هي جزءٌ من تكتيكاتها في رسم معالم خريطة المنطقة
وتثبيت وجودها فيها، من خلالِ الجغرافية
السياسية السورية التي أصبحتْ ساحةً للصراع الدولي والإقليمي الذي اتخذَ أشكالًا وأبعادًا
مختلفةً استقطبَ جميعَ الأطراف إلى المشاركة في الحرب الدائرة عليها.
إنَّ معركةَ طريق الكاستيلو ليستْ معركة لمحاصرة مدينة حلب في بعدها
الإنساني والعسكري بقدر ما هي معركةٌ لمحاصرة كل الأطراف في المستنقع السوري التي
سيُجْبر الجميعُ فيها على العمل من أجلِ الخروج منه. فهي بدايةُ معركةٍ لمحاصرة
القضية السورية بإرادةٍ دوليةٍ وإقليمية ولعلَّ لقاء اليوم بين كيري ولافروف يأتي
في سياقِ مجريات الأحداث الميدانية التي يرعاها الطرفان مباشرة منذ أكثر من شهرين
ضمن "صراع الإرادات" وما آلتْ إليه الاتصالاتُ بينهما، وأنَّ هذا اللقاء
سيتوقف عليه نهايةُ مرحلةِ المواجهة العسكرية المباشرة بين النِّظَام والمعارضة
ويحدد بنود الاتفاق بينهما في الشراكة العسكرية التي تَطمحُ لها روسيا مع أمريكا
في محاربة "الإرهاب" التي ستنحصر في "جبهة النصرة" كمدخلٍ إلى
شراكاتٍ أكبر في المنطقة والعالم. وبناء على هذا الاتفاق التي لنْ تجدَ روسيا
فرصةً زمنيةً لرفضه أو حتى إدخال تعديلات جوهرية عليه ستسارع إلى القبول به
لقناعتها أنَّ ما ستحققه اليوم لنْ يكونَ أفضل في ظل الإدارة الأمريكية القادمة.
وبخاصةٍ أنَّ القراءةَ الروسية لمجريات الأحداث الأخيرة على الأرض لاسيما في ريف
حلب الجنوبي وريف اللاذقية الشمالي والتقدم السريع للمعارضة على تلك الجبهات
وصمودها على جبهاتٍ أخرى لاسيَّما جبهةُ الكاستيلو التي تقدَّم فيها النِّظَامُ
(400) متر بعد شهرين من الغطاء الجوي الروسي الكثيف والمشاركة الإيرانية والمليشيات
الشيعية وجدت ليس أنَّ الحسمَ العسكري غير ممكن فقط بل إنَّ الحسمَ الجغرافي غير
ممكن أيضًا، وأنَّ عدم تفاعل دي ميستورا مع طلبها تحديد موعد جديد للمحادثات
السياسية لتثبيت المكتسبات التي حقَّقتها واستثمارها سياسيا ضربة لها عندما صرَّح
"دي ميستورا أنه ينتظرُ الاتفاقَ الأمريكي الروسي حول الشراكة العسكرية
لمحاربة "الإرهاب"!.
لكن إذا كانَ أحدُ أهداف معركة الكاستيلو محاصرةَ الثورة وفصائلها العسكرية
وبخاصةٍ غرفةُ "جيش الفتح" وأنَّ مقترحَ الاتفاق الأمريكي الروسي الذي
يَجري العملُ عليه اليوم في موسكو يستهدفها مباشرة فهل تستطيعُ تلك الفصائلُ
الخروجَ من هذا الحصار النفسي والتعامل معه ميدانيًا من خلال العمل ضمنَ تكتيكاتٍ
عسكريةٍ تناسب المرحلةَ وتركز على العمل العسكري داخل دائرة الحصار وخلف خطوط
العدو ضمن عملياتٍ عسكريةٍ نوعيةٍ تُعيدُ للثورةِ روحَها وفعاليتها، ولا يستطعُ
أيُّ اتفاقٍ دولي أو إقليمي أنْ يجيرها لصالحه أو أهدافه؟!.
إنها ربع الساعة الأخير من القضيةِ السورية الذي يُراهن عليه كلُّ الأطراف
الدولية والإقليمية والمحلية عسكريًّا وسياسيًّا في الساحة السورية الذي ستُحْسم
فيه ملامحُ مشهدٍ من مشاهد الصراع في سوريا، ويُحضّر فيها إلى مشهدٍ آخر تحت عنوان
"الشراكة العسكرية لمحاربة الإرهاب"!.

الإبتساماتإخفاء الإبتسامات