دور وظيفي دولي
في صناعة شرق أوسط جديد
"مدمر"!.
(سوريا نموذجًا)
الدكتور جَبْر الهَلُّول
هل يَسْتدعي تنفيذ مخطط
"الشرق الأوسط الجديد" الذي اقترحه شمعون بيريس في كتابه الذي نشر عام
1993 تحت العنوان نفسه: "الشرق الوسط
الجديد" تدمير دول المنطقة وقتل وتهجير شعوبها ثم إعادة بنائها على تلك
الأنقاض؟! وهل يستدعي المشهد أن تكون أمريكا - التي تتزعم السيطرة على العالم - من
تحمل هذه الفكرة وتتبناها من التخطيط إلى التنفيذ إلى التدمير إلى الإشراف على إعادة
الإعمار ضمن المحاصصة الدولية المساعدة
لأمريكا في التنفيذ عن طريق رأس المال العربي، خدمة لإسرائيل الحاضر الغائب في
مجريات الأحداث التي تجري في سوريا؟.
من خلال هذا السيناريو
دُمّر العراق وبحجة أن صدام حسين يمتلك سلاحًا كيماويًّ ثَبت فيما بعد لا وجود له،
لكن النتيجة المطلوبة تحققت بتفكيك العراق وتدميره من جميع النواحي السياسية
والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية وبات يستحيل أن يعود إلى العراق كما كان. ثم
جاءت الثورة السورية بعد انتظار لتُعَبّر عن حرمان تاريخي للشعب السوري في حق
الحياة فاستطاعت في زمن قصير أن تهدم منظومة الاستبداد والخوف وأوشكت على اقتلاعها
من سوريا ولكن لم تدر المعارضة أن النظام العالمي الذي تتزعمه أمريكا الذي ينادي
بالحرية والديموقراطية هي شعارات لتنفيذ مخطط "الشرق الأوسط الجديد"،
حيث استطاعت هذه المنظومة الدولية أن تُزْلِقَ المعارضة رويدًا رويدًا ضمن هذا
المشروع من دون أن تدري لِتُصدم - في اختصار- بفيتو "أمريكي" يمنع سقوط
النظام أو إزاحته ما لم يتم تدمير سوريا وتفكيكها أولًا أسوة في العراق.
وهكذا وجدت المعارضة نفسها
بعد خمس سنوات من الثورة أن سوريا التي ثاروا وبذلوا الغالي والنفيس من أجل
تحريرها وبنائها أمام خيارات الفدراليات والتقسيم وأنها أصبحت قاطرة على سكة قطار
الشرق الأوسط الجديد الذي لن يتوقف ما لم يكتمل تنفيذه من خلال مرحلة "تحالف
العزم التام" ضد تنظيم "الدولة في العراق والشام"، وقد استطاعت
أمريكا أن تنزلق أيضًا بكثير من الدول الإقليمية المؤثرة بخريطة الشرط الأوسط إلى
السير ضمن هذا المخطط من دون خيار أسوة بالمعارضة السورية التي وقفت إلى جانبها ضد
النظام فإذا بها ضمن أجندة "محاربة الإرهاب" المظلة الدولية لإعادة
تقسيم المنطقة.
لكن من خلال سيناريو
"الشرق الأوسط الجديد" أين دور روسيا التي أصبحت بعد إعلان "تحالف
العزم التام" أكثر شراسة وتوحشًّا ضد الشعب السوري من ذي قبل وبخاصة بعدما لم
تقبل أمريكا مشاركتها باستهداف جبهة النصرة والفصائل التي لن تلتزم بالهدنة لا
سيما في حلب ولم تقبل أمريكا التنسيق معها وجعلها شريكا لها بصورة ما في "تحالف
العزم التام"؟ وهل الدور الروسي الآن المتوحش هو ضمن تبادل الأدوار مع
أمريكا، وأنه جزء من خطة تنفيذ السيناريو ؟، أم اكتشفت روسيا أنها مجرد دور وظيفي
قوي ساقتها أمريكا إليه كما باقي الأطراف الإقليمية والدولية؟.
إن ما أغضب روسيا الطامحة
إلى استعادة قطبيتها مع أمريكا أنها وجدت نفسها إلى جانب نظام مجرم سيخلد التاريخ
على أنها خدعت شعبها وكذب بوتين عليه : بأنه ذهب إلى سوريا من أجل محاربة الإرهاب
فأصبح جزءا منه ولم يكن له نصيب في الحملة الدولة لمحاربة الإرهاب التي حررت
المنطقة من الرقة إلى الموصل، الأمر الذي لن يعطيه حق الشريك مع أمريكا في تقاسم
النفوذ في المنطقة بقدر ما ستمنحه له أمريكا بناء على الدور الوظيفي الذي انزلق
إليه!!.
لذا
يمكن قراءة التهديدات الروسية المباشرة وغير المباشرة إلى أمريكا بهذا السياق ولعل
تصريح وزير الخارجية الروسي يأتي ضمن هذه القراءة حيث قال: "طلبت منا الولايات
المتحدة تمديد المهلة عدة أيام، قبل سريان الخطة التي أعلنا عنها سابقا، والتي سيصبح
وفقها كل من لم ينضم للهدنة هدفا مشروعا بغض النظر عما إذا كان مدرجًا على قوائم الإرهابيين
أم لا. لقد طلب منا الأمريكيون منحهم بضعة أيام إضافية كي يقدموا ردهم لنا، فيما تنتهي
مهلتنا الإضافية هذا الأسبوع"!.
إذًا مجريات الأحداث
الميدانية قد خرجت عن سكة إسقاط النظام ودخلت من حيث لا تدري الكثير من الأطراف
الدولية والإقليمية والمحلية ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي لا يمكن بناؤه
إلا عن طريق "الفوضى الخلاقة" تحت مسمى "تحالف العزم التام"
والحرب على الإرهاب، والسؤال هل بات بالإمكان الخروج عن السكة الدولية لإكمال
الثورة وتحقيق أهدافها؟ وما هو دور الذي بقي للمفاوضات في جنيف التي تأجلت ولم
يحدد موعدها بعد بناء على المتغيرات والمعطيات الجديدة على الأرض؟.

الإبتساماتإخفاء الإبتسامات