روسيا في لعبة الأمم بالقضيّة السوريّة "إمّا لَعّيب أو خَرّيب"

روسيا في لعبة الأمم بالقضيّة السوريّة
"إمّا لَعّيب أو خَرّيب"!!!...
الدكتور جَبْر الهلّول
إنَّ التصعيدَ العسكريَّ الروسيَّ يأتي في سياقِ تنفيذِ التهديدِ الذي تَوَعّدَ به وزيرُ الدفاعِ الروسيِّ المناطِقَ المحررةَ لاسيَّما مدينةُ حلب وريفُها وإدلبُ وحماة وحمص .. بحجةِ محاربةِ الإرهابِ المتمثلِ بوجودِ "جبهةِ النصرة" الذي لمْ تنجحْ محاولاتُه في فصلِها عن باقي الفصائلِ العسكريةِ المقاتلةِ عن طريقِ جرِّهَا إلى صدامٍ داخليٍّ من جهةٍ أو الحصولِ على مشاركةٍ أمريكيةٍ عمليةٍ له في هذا التصعيدِ الذي يَستعدُّ له منذ فترةٍ من أجلِ فرضِ الوجودِ الروسيِّ كشريكٍ إلى جانبِ أمريكا في المنطقةِ وليس كحليفٍ إلى جانبِ النِّظَام الذي هو باتَ على قناعةٍ تامةٍ أنه لمْ يعدْ يمتلكُ مقوِّماتِ الاستمرارِ بالبقاء قبلَ أنْ يكونَ قادرًا على تأمينِ المصالحِ الروسيةِ في سوريا.
إنَّ تجاهل أمريكا العرض الروسي عندما أعلن التحالف الدوليِّ بِدْءَ الحربِ البريةِ تحتَ اسمِ "تحالف العزم التام" ضدَّ "تنظيمِ الدولةِ في العراق والشام" وعدم التعليق على اقتراح التنسيق الذي جاء على لسانِ وزيرِ الخارجيةِ الروسية لافروف فيما يتعلق بانطلاق المعركة "لتحرير شمال الرقة" متجاهلًا الموقف الروسي الذي يعد وجودَ التحالفِ الدوليِّ في سوريا غيرُ شرعيٍّ. لكن عندما لمْ تجدْ روسيا موافقةً أمريكيةً التي باتَ جنودُها يشاركونَ على الأرض في المعاركِ ضدَّ تنظيمِ الدولة إلى جانبِ قُوَّاتِ سوريا الديموقراطية بصورة علنية رصدتها وسائل الإعلام عادتْ روسيا إلى التعليقِ على هذا الوجودِ بالقول إنه غيرُ شرعيّ بخلاف وجودِها "الشّرعيّ" الذي جاءَ بطلبٍ من النِّظَام، وكأن روسيا من خلال عرضها التنسيق مع أمريكا التي تقود التحالف تُريد أن تتعدى إليه "مشروعية" الوجود الروسي العسكري، وبخاصة أن روسيا حريصة إلى إشراك النظام بهذه المعركة ضد "الإرهاب" بطريقة أو أخرى لكي لتبرر لنفسها أنها ما تدخلت عسكريًّا في سوريا إلا لمحاربة الإرهاب، وما يقوم به النظام يأتي في هذا السياق!.
لكن عندما لمْ تقبلْ أمريكا بمشاركَة روسيا في اقتراح آلية تطبيق الهدنةِ وذلك باستهدافِ مَن استثْنَتْه تحديدًا "جبهة النصرة" كذريعةٍ لاستهدافِ باقي الفصائلِ التي تتداخلُ معها على الأرض، وعندما لمْ تَرُد أو تُعلّق أمريكا على مُقْترح التنسيقِ مع روسيا في الحملةِ الدوليةِ "تحالف العزم التام" وبخاصةٍ معركةُ "تحرير شمال الرقة"، كانَ هذا التصعيدُ الروسيُّ الهمجيُّ الأحاديُّ الجانبِ كردِّ فعلٍ على الموقفِ الأمريكيِّ من مقترحاتها، بالعدوان على كافة المناطق المحررة وارتكاب المجازر فيها، التصرف الذي لم تعتبره روسيا بعد تنفيذًا للتهديد الذي توعدت به بعد انتهاء المهلة - التي زعمت أن أمريكا طلبتها منها وكذلك بعض فصائل المعارضة - التي بقي موعدها محددا داخل العقلية الروسية ولم تفصح عنه كعامل ابتزاز للفصائل ضمن الحرب النفسية، وكعامل انتظار للموقف الأمريكي ضمن مفهوم "حرب الإرادات".
إن التصعيد الروسيّ العسكريّ العنيف يأتي في هذا التوقيت كرد فعل على مقترحاتها التي لم تلق آذنًا أمريكية صاغية لها تريد من خلال هذا القصف الذي تتوعد بالمزيد منه ضمن تكتيكات عسكرية أعنف وأشد وأشمل أن تخلطِ الأوراقِ الميدانيةِ العسكريةِ بشكلٍ يتداخلُ معها الدولي بالإقليمي بالمحلي في القضية السورية، وبخاصةٍ بعدما أعلنت تركيا عن قبولها المشاركة بهذه المعركة بشروط يمكن أن تتفاهم عليها مع أمريكا، وإن هذه الدخول التركي البري في سوريا لو حصل سيكون جنبًا إلى جنبٍ مع أمريكا بالإضافةِ إلى أطرافٍ عربيةٍ أخرى الأمر الذي يتناقضُ مع الاستراتيجيةِ الروسيةِ التي دخلتْ بها سوريّا عسكريًّا ويُشكل عامل تحد للتهديدات الروسية بعدما أسقطت تركيا لها طائرة حربية اخترقت مجالها الجوي. كما إن خلط الأوراق الروسية عسكريّا بهذا الطريقة الهمجية كرد فعل على التجاهل الأمريكي لمقترحاتها الذي يقوي النظريةِ التي تَقولُ: إنَّ أمريكا جرَّت روسيا إلى المستنقعِ السوريِّ من خلال تفاهمات واتفاقيات تنازلت وأطلقت يدها لإغراقها فيه على اعتبار أنها بالتأكيد ستقف إلى جانب نظام ترى أمريكا أنه فاقد إلى الشرعيّة والخروج من هذا المُستنقع  لن يكون من دونِ مكاسبَ فقط وإنما بخسائرَ كبيرةٍ وبخاصة بالنسبة للملفات الروسية العالقة في قضايا اخرى,
إنَّ المشهدَ الميدانيَّ السوريَّ الذي يَتصاعدُ عسكريًّا على حسابِ الشعبِ السوريِّ وثورته ومعاناته ومأساته باتَ رهنَ الصراعِ الدوليِّ والإقليمي لاسيَّما أنَّ روسيا أخذتْ تعتمدُ في عدوانها "الأحادي الجانب" - من دون أمريكا – وبمساعدةِ أدواتها على الأرض إيران والنِّظَام ومن معه من مليشيات على القاعدة العربية العامية "إما لَعْيّب أو خَرْيّب" – طبعًا - بدماءِ السوريين وعلى أمريكا أنْ تختار، وعلى الشعب السوري الانتظارُ تحتَ مظلَّةِ القصفِ والقتل والدمار!!.
والسؤال بعد دخول روسيا المُستنقع السوري وعدوانها على الشعب السوري ووقوفها إلى نظام فاقدٍ للشّرعيّة، هل يُمكن أن تقبلَ أمريكا أن يكون الروسي شريكًا لها جنبًا إلى جنب في لعبة الأمم خشية أن يُفْشل أو يُعَرْقِل لها مشروعها في المنطقة، أو تعمل على إخراجه من هذا المستنقع بطريقة ما تحت شعار محاربة "الإرهاب"، ولكن إن لم يصبح الروسي لعّيبًا على سبيل الحقيقة أو الترضية، ما ثمن دور التخريب الذي يقوم به على مستقبل روسيا والمنطقة وبالأخص على علاقته مع أمريكا وإلى متى سيبقى يمتلك القدرة على المُشاغبة الدوليّة والإقليميّة بدماء السّوريين؟!.


المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »