الحرب والجهاد في الإسلام

الحرب والجهاد في الإسلام 
الدكتور جبر الهلّول
الحرب وجدت مع وجود الإنسان لأنها مرتبطة بوجوده، وهي قديمة كقدم هذا الوجود على هذه الأرض، وهذا ما عبر عنه ابن خلدون بقوله: «إن الحرب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة في الخليقة منذ برأها الله، وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض، ويتعصب لكل منها أهل عصبيته. فإذا تذامروا لذلك، وتوافقت الطائفتان، إحداهما تطلب الانتقام والأخرى تدافع، كانت الحرب. وهو أمر طبيعي في البشر لا تخلو منه أمة ولا جيل»(1).
ويستنتج من كلام ابن خلدون أن الحرب هي الأصل في السلوك الإنساني، وأن السلام والمسالمة هي الاستثناء. ويؤكد ذلك كثرة الحروب التي مرت عبر التاريخ الإنساني، والتي هي مستمرة إلى قيام الساعة لقوله صلى الله عليه وسلم: «الجهاد ماض منذ بعثني الله تعالى إلى أن يقاتل آخر عصابة من أمتي الدجال»(2). كما ويشير إلى أن الحرب هي الأصل في السلوك الإنساني قوله تعالى:{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون}(3)، إذ كيف عرف الملائكة أن هذا الإنسان من طبيعته الإفساد وسفك الدماء في الأرض لولا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أعلمهم بذلك. وهل الحرب في جوهرها إلا فساد وسفك للدماء وقد جاءت الشريعة السماوية لتهذب سلوك الإنسان في هذا الميدان وتضع له قواعد ومبادئ بغية تنظيمه وتخفيف آثاره إلا أنه مستمر، ويزداد شراسة ووحشية مع استمرار الزمن وتمكن الإنسان من صنع الأسلحة القادرة على ذلك. وهذا ما دفع الكثير من الباحثين لدراسة هذه الظاهرة في السلوك الإنساني. وإنني سوف أعرض أقوال بعض الباحثين الذين تناولوا دراسة الحرب وتاريخها فمثلاً "وهبة الزحيلي" يقول عن الحرب: أنها «ظاهرة اجتماعية بين البشر في كل زمان، كما يؤكد التاريخ القديم والحديث»(4). أما إحسان الهندي فقد حاول أن يحدد تاريخاً للحرب، ويحدد أسبابها عبر التاريخ قائلاً: «الحرب ظاهرة بشرية قديمة قدم التاريخ نفسه، تحدث بين الفينة والفينة لأسباب اجتماعية واقتصادية أو سياسية أو قومية أو عقائدية، وقد تكرر حدوث هذه الظاهرة في المجتمعات البشرية منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل حتى اليوم، إلى درجة يمكن معها القول، استناداً إلى معطيات تاريخية أكيدة أنه خلال خمسة آلاف سنة من التاريخ المكتوب للبشرية (أي منذ اختراع الكتابة حوالي 3000 ق.م وحتى اليوم) لم يكن هناك أكثر من خمسمئة سنة كفترات سلم لم تحدث فيها حروب على المستوى العالمي أو المحلي»(5).
فمن خلال ما سبق يمكن القول: إن الدعوة إلى سلام عالمي هي دعوة خيالية عبر التاريخ، وهذا ما يؤكد أنه لن يكون هناك سلام عالمي مستقبلاً، وكل الدعوات إلى ذلك هي دعوات خيالية جوفاء وليس لها في أرض الواقع مرتكز، وما يدل على ذلك مصانع السلاح المدمر بكل أصنافه وأنواعه المسموح به وغير المسموح به دولياً، والذي ما زال ينتج ويطور بشكل ضخم ليزداد فتكاً وتدميراً في البشرية حين استخدامه. ويكفينا نحن المسلمين أن نرى الغرب كيف يسعى بكل طاقاته ليزود الكيان الصهيوني بكل صنوف الأسلحة جاعلاً فيه أكبر مخزون للسلاح في المنطقة العربية لكي ندرك حقيقة السلام المنشود!!. وندرك أهمية قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة }(6). فعلينا أن نرى الحياة ونأخذ دورنا فيها ونبذل كل طاقاتنا لا في سبيل السلم والرخاء بل في سبيل الإعداد للحرب القادمة لا محالة وذلك لرد العدوان ولاسترجاع الحقوق التي اغتصبها اليهود، والتي يؤازرهم فيها الغرب بكل طاقاته ومجهوداته بغية تحقيق رؤى دينية استعمارية في منطقتنا.
ولكن ما هي الحرب في التشريع الإسلامي لاسيما أن المسلمين خاضوا غمارها وبذلوا النفس والنفيس وضربوا أروع الأمثلة في سمو أهدافها وغاياتها، ملتزمين قواعد الشرع الحكيم في أصعب الظروف وأحلكها؟.
إن البحث عن معنى الحرب في الفقه الإسلامي في صعوبة بالغة، حيث لم يرد في كتب علماء المسلمين الأوائل لفظة الحرب، وذلك ربما لما في هذه اللفظة من معنى الصراع والتناحر والاستيلاء على ما يملكه الغير، وإنما عبروا عن هذا بلفظ الجهاد(7). وذلك لما في معنى الجهاد من شمولية وأهداف سامية عادلة، وبخاصة أن معنى الجهاد يتضمن معنى الحرب وليس العكس. ومن هنا لا يمكن معرفة معنى الحرب الذي تناوله العلماء المعاصرون في مؤلفاتهم إلا من خلال معنى الجهاد في الفقه الإسلامي.
تعريف الجهاد في سبيل الله:
تناول علماء المسلمين بحث معنى الجهاد وأحكامه وفضائله في مؤلفاتهم في أبواب المغازي والسير.
أ‌-      الجهاد لغة: جاهد العدو ومجاهدة وجهاداً، قاتله وجاهد في سبيل الله، وفي الحديث الشريف: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية". والجهاد محاربة الأعداء، والمبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل، والمراد بالنية إخلاص العمل لله أي أنه لم يبق بعد فتح مكة هجرة لأنها قد صارت دار الإسلام، وإنما هو الإخلاص في الجهاد وقتال الكفار. والجهاد المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب أو اللسان أو ما أطاق من شيء(8).

ب‌-     الجهاد شرعاً: عرفه الشوكاني بقوله: «بذل الجهد في قتال الكفار، ويطلق أيضاً على مجاهدة النفس والشيطان والفساق، فأما مجاهدة النفس فعلى دفع ما يأتي به عن الشبهات وما يزينه من الشهوات. وأما مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب، وأما الفساق فالبيد ثم اللسان ثم القلب»(9).

فمن خلال تعريف الجهاد لغة وشرعاً نجد أنهما يتفقان في بذل الجهد واستفراغ الوسع في قتال الكفار ويكون ذلك باليد أو اللسان أو القلب وإلى هذا المعنى ذهب معظم الفقهاء. ويتضح ذلك من استعراض بعض التعريفات للجهاد:

فقد عرفه ابن عرفة من المالكية بقوله: «هو قتال المسلم كافراً غير ذي عهد إعلاء كلمة الله تعالى أو حضوره له، أو دخوله أرض له».
وقال الباجوري: «الجهاد أي القتال في سبيل الله مأخوذ من المجاهدة وهي مقاتلة لإقامة الدين وهذا هو الجهاد الأصغر وأما الجهاد الأكبر فهو مجاهدة النفس».
فمن خلال ما سبق نجد أن الجهاد يلتقي مع الحرب في أن كليهما قتال، ولكن هذا القتال في الجهاد يأتي بعد مرحلة مهمة وهي محاولة حقن الدماء بالطرق السلمية ولا يتم اللجوء إلى الحرب «إلا عند اقتضاء الأمر للمحافظة على الدعاة وتحصين البلاد لتحقيق السعادة الشاملة للبشرية في دنياها وأخراها كما ارتضاها الإله الحكيم، وكل جهد يبذل في هذا المضمار فهو في سبيل الله وحده ولإرضائه فقط من دون أن يشوب نوايا المسلمين نزعة مادية أو هوى شخصي أو تسلط على رقاب العالم وسيادة الأمم»(10).
فالجهاد لا يكون إلا لإقامة المجتمع المسلم الذي تعلو فيه كلمة الله أكبر، الله أكبر من كل ظلم واعتداء، الله أكبر تبسط على أجزاء الدولة الإسلامية للمحافظة على كيانها ووجودها من أي خطر يهددها أو يهدد الدعوة الإسلامية، ويحاول أن يقف حجر عثرة في سبيل استمرارها عندئذ لابد للحق أن يعلو ولابد للباطل أن ينزاح عن طريق الدعوة أولاً وبعد استنفاد الطرق السلمية لابد من مقاتلة الممانعين والواقفين في وجه الدعوة أملاً بجلب المصالح ودفع المضار.
ونخلص إلى أن الحرب في الإسلام ما هي إلا جزء من الجهاد الإسلامي وتعني مقاتلة كل من يهدد الأمة الإسلامية في دينيها وأمنها ويقف في طريق الدعوة ويعوق حرية انتشارها وازدهارها على كل المستويات التي تحتاجها الأمة بعد استنفاد كل الطرق السلمية في تحقيق ذلك.




(1)  ابن خلدون: المقدمة، دار مكتبة الهلال، بيروت، 1983. ص175.
(2)  نقلاً عن السرخسي: المبسوط ،دار المعرفة، بيروت، 1986.ج/10،ص3.
(3) سورة البقرة: (30).
(4)  د. وهبة الزحيلي: العلاقات الدولية في الإسلام، ط4، مؤسسة الرسالة بيروت، 1989. ص23.
(5)  د. إحسان الهندي: الإسلام والقانون الدولي،ط2، دار طلاس، دمشق، 1989. ص115.
(6)  سورة الأنفال: (60).
(7)  إبراهيم العسل: الجهاد الإسلامي أحكام وتطبيقات، ط1، دار بيروت المحروسة، بيروت، 1991.ص28.
(8)  ابن نمظور : لسان العرب.
(9)  الشوكانيك نيل الأوطار،  دار إحياء التراث العربي ،بيروت، 1973.مج/4، ج/8، ص45.
(10)   وهبة الزحيلي: آثار الحرب، ط4، دار الفكر، دمشق، 1992. ص34.
المعرفة المواجهة

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »

الإبتساماتإخفاء الإبتسامات

:)
:(
=(
^_^
:D
=D
=)D
|o|
@@,
;)
:-bd
:-d
:p
:ng