الناحال
والجدناع وعسكرة الشباب الإسرائيلي
في
خدمة المشروع الصهيوني
الدكتور
جبر الهلّول
شرح الكاتب
الإسرائيلي "عاموس أيلون" موضحًا كيف يزرعون روح العدوانية والقسوة لدى
الشباب الإسرائيلي قائلاً: « لقد نما نوع
من القسوة الإسبرطية على مر السنين، وأصبحت تميز الآن أقسامًا كبيرة من
الإسرائيليين الراشدين. وهذه القسوة الإسبرطية الوحشية تبدأ منذ سنوات مبكرة في
حياة الفتى الإسرائيلي من خلال اختبارات قاسية لقوة الاحتمال في مناخ وظروف وأرض قاسية
جدًا أثناء تدريبات «الجدناع» ( كتائب الشباب ). إن التلاميذ يساقون في رحلات
طويلة في الصحراء مع مراعاة الانضباط التام في مسألة المياه، ويصابون بضربة
الشمس، وأحيانًا يموتون أو يسقطون في أثناء التدريبات التي تجعلهم أصلب عودًا،
والتي تعودهم على قمع رغباتهم والقضاء على الخوف. وكثيرون من مدربي الشباب في
إسرائيل لا يزالون يرون رسالتهم الكبرى في تدريب وتقوية الفتية والفتيات من سن
الثانية عشرة والثالثة عشرة ليكونوا أفراد "كوماندوز" ومظليين صالحين،
فيرسل الغلمان إلى العراء في ليالي الشتاء الباردة، ويجبرون على السير حفاة على
الشاطىء المبلل، وتجبر الفتيات في سن الرابعة عشرة على دخول مقابر المسلمين في
الليالي المظلمة، واستجماع الشجاعة والرقاد وسط القبور».
إن الاهتمام
الإسرائيلي بتنشئة الشباب اليهودي تنشئة عسكرية منذ مرحلة مبكرة من عمره، ليست
حاجة يتطلبها الوضع الشاذ الذي نشأت فيه "الدولة الإسرائيلية" التي
تعاني من نقص في طاقاتها البشرية العسكرية فحسب، وإنما يأتي هذا الاهتمام من طبيعة
تكوين العقلية اليهودية دينينًا وسياسيًا. فاليهودية كديانة ساهم أتباعها في وضع
معتقداتها هي في جوهرها مشروع قائم على الاستعمار، لأنها منذ لحظة تكوينها قد
ارتبطت بأرض يمتلكها غير اليهود، ويجب على اليهود دينيًا أن يعملوا على انتزاعها
منهم، وطردهم واستئصالهم وهذا بطبيعة الحال لا يمكن أن يتم إلا عن طريق القوة
العسكرية. لذلك كانت الاستجابة لتحقيق الحلم الاستعماري المتجذر في الفكر الديني،
تنطلق فكرة التجييش فيه من الواجب الديني الذي يقع على عاتق كل يهودي سواء كان
رجلًا أم امرأة صغيرًا كان أم كبيرًا. ولو رجعنا إلى الحملة العسكرية التي قادها
موسى وفقًا لأوامر الرب "يهوه" لانتزاع الأرض التي وعدوا فيها نجد أن كل
اليهود رجالًا ونساء، كبارًا وصغارًا الذين كانوا يعيشون في مصر ولفترة طويلة من
الزمن قد خرجوا جميعًا نحو هدف واحد لاحتلال الأرض الموعودة. والملاحظ في تلك
الحملة العسكرية الغازية قد استمرت مدة إقامة اليهود في سيناء أربعين سنة قبل أن
يدخلوا "أرض كنعان" على يد "يشوع بن نون"، وكانت تلك الفترة
الزمنية كافية بحد ذاتها لأن يتربى جيل من النشء اليهودي على الروح العسكرية ويحمل
المبادئ الدينية التي خرجت الحملة العسكرية لتحقيقها، وينقرض جيل خليط نشأ في مصر تحت
ظل العبودية والقهر لم يكن خروجه مع موسى إلا طلبًا للخلاص والنجاة من المعاناة
القاسية التي كانوا يعيشونها. ولذلك وبمجرد ما شعروا بالمعاناة مجددًا مع موسى ندم
بعضهم على تركه مصر، ومنهم من انقلب عليه ورفض أوامره وتخلى عن مناصرته. فالأربعون
سنة من العيش في صحراء سيناء كانت كافية لبناء مجتمع يهودي جديد مبني منذ لحظة
ولادته على أساس "مجتمع المحاربين" أو "الأمة المحاربة" التي
يقع على كل فرد فيها واجب عليه أن يأخذ دوره فيه من أجل تحقيق الهدف المنشود
المتمثل في الاستيلاء على "أرض الميعاد" والدفاع عنها.
فتكوين الأمة المحاربة التي يتربى أطفالها وهم
يرون الأب محاربًا والأم محاربة في جميع ميادين القتال التي تخدم الهدف تصبح الروح
العسكرية جزء من تكوينهم الفكري والسلوكي والأخلاقي، وتصبح القيم العسكرية في أعلى
السلم الاجتماعي الذي تندرج تحته باقي القيم الأخرى. وليس ذلك لأن اليهود يحبون
القتال في طبيعتهم خلافًا لباقي البشر، وإنما بسبب جوهر العقيدة اليهودية المبنية
على الوعد بامتلاك أرض الغير الذي يتطلب تنفيذه القيام بالانتقال والهجرة إلى تلك
الأرض، ومن ثم القيام بالاستيطان الهادف والمنظم، وهذا يتطلب بطبيعة الحال بناء
قوة عسكرية تكون قادرة على حماية ما تم إنجازه والدفاع عنه أولًا، ومن ثم تكون
قادرة على ممارسة الهجوم والعنف عندما يتطلب الأمر ذلك. وهذه القوة العسكرية
اليهودية يقع عبء منشئها وتكوينها على كاهل اليهود جميعًا لأنهم منذ لحظة الوعد
وقبل أن يوجدوا في الحياة قد جندوا لتنفيذ مشروع يقتضي الحرب لتحقيقه. فاليهودي
يولد جنديًا محاربًا تتحكم في سلوكه عقيدة عسكرية مستوحاة من فكره الديني الذي
يحدد هويته ومنهجه وهدفه في الحياة، ومتى أصبح في السن الذي يمكنه من الحرب يجب
عليه أن ينخرط ضمن صفوف المحاربين وممارسة واجبه الديني في خدمة المشروع
الاستعماري الذي يتعلق بالاستيلاء على "أرض الميعاد". وبحسب مصادر الفكر
الديني اليهودي فإن موسى عندما خرج بأمر من "يهوه" للاستيلاء على تلك
الأرض بالعنف والاستيطان فيها، فقد قام بأول إحصاء لعدد المحاربين من الذكور الذين
بلغوا سن العشرين وما فوق على اعتبار أن القوة العسكرية كانت تقاس في تلك الفترة
بعدد المحاربين القادرين على حمل السلاح في كل طرف. وقد ورد: «وكلَّمَ الرّبُّ
موسى في برِّيَّةِ سيناءَ، في خيمةِ الاجتِماعِ، في اليومِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهرِ
الثَّاني مِنَ السَّنةِ الثَّانيةِ لِخروج بَني إِسرائيلَ مِنْ أرضِ مِصْرَ،
فقالَ: 2«أحصِ أنتَ وهرونَ جماعةَ بَني إِسرائيلَ بِعشائِرهِم وعائلاتِهِم وسَجلا
أسماءَ جميعِ الذُّكورِ، كُلُّ ذَكَرٍ بِمُفرَدِهِ، 3مِنِ اَبنِ عِشرينَ سنَةً
فصاعدًا، مِمَّنْ يَخرُجونَ إلى الحربِ، كُلُّ واحدٍ بِحسَبِ جيشِهِ. 4وليَكُنْ
معَكُما مِنْ كُلِّ سِبْطٍ رَجلٌ يكونُ هوَ رئيسَ عائِلتِه»(1). وكانت نتيجة هذا الإحصاء «44أُولئِكَ هُمُ المَعدودُونَ الذينَ
عَدَّهُم موسى وهرونُ ورُؤساءُ بَني إِسرائيلَ، وهُم اَثنا عشَرَ رَجلًا، لِكُلِّ عائلةٍ مِنَ
العائلاتِ واحدٌ. 45وكانَ جميعُ المَعدُودينَ مِنْ بَني إِسرائيلَ، بِحسَبِ
عائلاتِهِم، مِنِ اَبنِ عِشرينَ سنَةً فصاعدًا، مِمَّنْ يَخرُجونَ إلى الحربِ في
إِسرائيلَ 46سِتَ مئةِ ألفٍ وثَلاثَةَ آلافٍ وخمْسَ مئةٍ وخمسينَ»(2). وكان ذلك العدد من الجند هو مرتكز القوة العسكرية
المادية في الحملة العسكرية التي قادها موسى باتجاه "أرض كنعان"، مع
العلم أن الحملة التي قادها موسى كانت تضم معظم اليهود الذين كانوا يعيشون في مصر
من رجال ونساء وأطفال وكبار في السن. وقد خرجوا جميعًا تلبية لأوامر
"الرب" ضمن حملة عسكرية هم جزء منها لتنفيذ الاستيطان بالعنف المسلح.
لذلك لم يوجد من يسمى "بالمدنيين" اليهود ضمن تلك الحملة التي غزت
"أرض كنعان"، حتى إن "اللاويين" الذين أوكلت إليهم المهام
الدينية ولم يحص موسى عددهم مع المحاربين من بني إسرائيل فهم جزء من القوة
العسكرية وهم بمثابة حملة الراية الموحدة لكل الجيش الذي قسم إلى اثني عشر قسمًا
بحسب عدد أسباط بني إسرائيل ولكل قسم رايته المخصصة، وهم بمثابة الكهنة لذلك
الجيش. حسبما جاء في النص الديني: «47وأمَّا
اللاَويّونَ فلم يُعَدُّوا فيما بَينَهُم بِحسَبِ سِبْطِ آبائِهِم،
48لأنَّ الرّبَ كلَّمَ موسى فقالَ: 49«أمَّا سِبْطُ لاوي فلا تَعُدَّهُم ولا تُحْصِ جملتَهُم فيما بَينَ بَني
إِسرائيلَ 50لكن وكِّلِ اللاَويِّينَ بِمسكِنِ تابوتِ العَهدِ وجميعِ أمتعَتِهِ
وكُلِّ ما
يتعلَّقُ بهِ، وهُم يَحمِلونَ المَسكِنَ وجميعَ أمتعَتِه، وهُم يَخدِمُونَه وحَوالَيهِ
يَنزِلونَ. 51فإذا رحَلَ المَسكِنُ فاللاَويُّونَ يُقَوِّضونَه، وإذا حَلَ فهُم
يَنصِبونَه، وإنِ اَقْتَرَبَ مِنهُ أحدٌ سِواهُم يُقتَلْ 52ويَنزِلُ بَنو إِسرائيلَ،
كُلُّ واحدٍ في مُخيَّمِهِ وعِندَ رايتِهِ بِحسَبِ جيوشِهِم، 53واللاَويُّونَ
يَنزِلونَ حَوالَي مَسكِنِ تابوتِ العَهدِ لِئلاَ يقتَرِبَ مِنهُ أحدٌ فيحِلَ على
جماعةِ بَني إِسرائيلَ غضَبُ اللهِ، ويَقومونَ بِخدمةِ المَسكِنِ. 54فعمِلَ بَنو
إِسرائيلَ بجميعِ ما أمرَ الرّبُّ بهِ موسى»(3).
فبنو إسرائيل الذين قادهم موسى وفق النص الديني
هم "الشعب اليهودي" المحارب الذي يقع على كل فرد فيه تنفيذ مهمة عسكرية
موكلة إليه على طول الزمن، كما وصفه إلهه "يهوه": «ها شعبٌ كثيرٌ عظيمٌ.
ينتشرونَ كالعتمةِ على الجبالِ. ما كانَ لهُم شَبيهٌ منذُ الأزَلِ، ولا يكونُ لهُم
مِنْ بَعدُ إلى جيلٍ فجيلٍ. 3النَّارُ تأكُلُ ما أمامَهُم واللَّهيبُ يلتهِمُ ما خلفَهُم.
الأرضُ أمامَهُم كجنَّةِ عَدْنٍ، وخلفَهُم كبرِّيَّةِ قفرٍ، ولا ينجو مِنهُم شيءٌ. 4كمنظَرِ الخيلِ مَنظرُهُم، وكالفُرسانِ الذينَ يركُضونَ.
5يقفزونَ على رُؤوسِ الجبالِ، كالعجلاتِ صريرُهُم، وكصوتِ لهيبِ النَّارِ التي
تأكلُ القَشَ، وكجيشٍ عظيمِ مُحتشِدٍ للقتالِ. 6أمامَهُم تَجبُنُ الشُّعوبُ، ومِنَ الخوفِ تصفرُّ جميعُ الوجوهِ. 7كالجبابرةِ يركُضونَ. كرجالِ الحربِ يتسلَّقونَ السُّورَ.
كُلُّهُم يسيرُ في طريقِهِ وعنْ سُبُلِهِ لا يَحيدُ. 8لا يتزاحمونَ. يسيرونَ كُلُّ
واحدٍ في سبيلِهِ. بَينَ السِّلاحِ ينقضُّونَ ولا يقَعونَ. 9ينساقونَ إلى المدينةِ.
يتراكَضونَ على السُّورِ. يَصعَدونَ إلى البيوتِ. يَدخلونَ مِنَ النَّوافِذِ
كاللُّصوصِ».(4) ومن هذا النص «تبرز حقيقة أن
الشعب اليهودي القديم كان هو نفسه الجيش...وأنهم منظمون تنظيمًا حربيًا جيدًا.
وبذلك فإن طبيعة المجتمع اليهودي الأولى هي المجتمع العسكري»(5).
وتلك الطبيعة العسكرية قد فرضتها طبيعة المشروع الاستعماري اليهودي التي تقوم على
إحلال اليهود "كشعب" مكان الشعوب الأخرى التي سلبت أحقيتها في امتلاك
أرضها بناء على و"عد إلهي" خاص باليهود قد فرض عليهم "كشعب"
مواجهة شعوب أخرى لامتلاك أرضها وطردها منها. وليس مواجهة جيش يهودي لجيوش شعوب
أخرى من أجل إحراز نصر عسكري أو لفرض احتلال عسكري على تلك الشعوب.
فالقوة العسكرية من خلال الفكر الديني تبرز
مدى أهمية هذه القوة في بناء المجتمع اليهودي ومدى تعلقهم بها من أجل الوصول إلى
أهدافهم التي ترتبط وجودًا وعدمًا بوجود هذه القوة التي يشترط فيها عامل التفوق
لتحقيق النجاح على الأرض. وقد تفردت هذه القوة «العسكرية اليهودية الماضية
باستخدامها العنف لاحتلال أرض الغير، وكان القتل هو الواجب العسكري الأول المفروض
على القيادة العسكرية اليهودية ( التي هي قيادة المجتمع) لتطبيقه على تلك الشعوب،
أما السلام بمفهوم المجتمع اليهودي وديانته فهو استسلام الشعوب الساكنة للأرض التي
يبغي اليهود احتلالها بأمر من "الرب" وقبول تلك الشعوب بأن يكونوا
عبيدًا لليهود، وهذه الأمور مبررة عند اليهود لأنهم "شعب الله المختار"
، وقد اعتبر العامل العسكري الوسيلة المباشرة الوحيدة لاحتلال أرض الغير. إن فكرة
"شعب الله المختار" واستخدام الجانب العسكري بشكل عنيف ضد العدو أخذت
اعتبارًا أساسيًا من الشخصية اليهودية. ولذلك فبناء إسرائيل على الأساس العسكري لم
يكن جديدًًا على اليهود. بل يعتبر تجديدًا لتراثهم»(6).
ومن هنا جاء اهتمام الصهيونية بعسكرة المجتمع بحيث أصبح في إسرائيل يشاهد الطفل
أباه وهو يرتدي بزته العسكرية للذهاب إلى الجيش ليوم في كل شهر، ولشهر كامل في كل
السنة. ويكبر وهو يرى أخوه وأخته اللذين بلغا (18) سنة من عمرهما في الجيش النظامي
أو في خدمة الاحتياط. وإذا كان يسكن في إحدى مدن أو قرى التنشئة الجديدة، فإنه
يعايش معلمته تؤدي واجبها العسكري في المدرسة، فيما الآخرون، أعضاء السلك الزراعي
العسكري، يؤدون قسطًا من خدمتهم بصفة مدرسين في النادي، أو قادة شباب، أو موظفين
ثقافيين. لذا لا تبدو الحياة العسكرية تغزو الحياة المدنية أو أنها شيء خارج عنها
أو معارض لها،(7) بل هي كجزء متمم لنمو
الطفل الإسرائيلي الفكري والسلوكي الذي متى بلغ السن الذي يجب فيه الدخول في معترك
الحياة العسكرية يكون جاهزًا لممارسة المهام الملقاة على عاتقه التي تخدم المشروع
الاستعماري الذي خلق لأجله.
وإذا كانت الطبيعة العسكرية
للمجتمع الإسرائيلي هي التي تربي النشء وتعسكره منذ نعومة أظافره بشكل تلقائي، فإن
العصابات الصهيونية التي تشكلت قبل إعلان قيام "دولة إسرائيل" عملت على
الاهتمام بالناشئة اليهود وتغذيتهم بالروح العسكرية وتدريبهم على الأعمال التي
تؤهلهم لأن يكونوا جندًا في بناء المشروع الصهيوني والدفاع عنه. وذلك من خلال
تنظيمين هما: "الجدناع" و"الناحال" اللذين أصبحا فيما بعد جزءًا
من بنية "جيش الدفاع الإسرائيلي". ولإيضاح دور هذين التنظيمين في عسكرة
المجتمع الصهيوني نتناولهما بشيء من التفصيل على النحو التالي:
أولًا- الجدناع:
"الجدناع" وفق معجم
المصطلحات الصهيونية هي: « .. اختصار لكلمتي "جدودي نوعر" أي كتائب
الشبيبة التي تقوم بإعطاء الثقافة العسكرية المسبقة والإعداد للخدمة العسكرية.
بدأت هذه الكتائب عام (1936) واشتركت في الأحداث الدامية إلى جانب منظمة
"الهاجاناه". وكانت هذه الكتائب مكونة من شباب تتراوح أعمارهم بين 14-17
سنة وكانت مهمتهم القيام بأعمال الاتصالات والإشارات وهكذا...والجدناع اليوم هو
لواء مستقل في قيادته وقياداته الفرعية، ويجمع الجدناع بين التدريب واللياقة
البدنية والتربية الوطنية ومعرفة "حب الوطن". وتوضع برامج نشاطاته
بالتعاون مع قسم الشباب والناحال في وزارة الدفاع »(8)
ووزارة التربية. وتضم كتائب الجدناع كتائب منفصلة لكل من الطلبة والعمال
والمزارعين، وهذه الكتائب مقسمة إلى جدناع البر والبحر والجو.(9)
وتهدف منظمة الجدناع إلى تدريب الناشئة من اليهود قبل بلوغهم سن الخدمة العسكرية
الإلزامية على القتال وتشربهم بروح الاستعمار والغزو والتوسع والحقد على العرب
لاسيما الذين يسكنون أرض فلسطين، كما تعرفهم على فلسطين المحتلة وما يدعوه اليهود
بـ "إسرائيل الكبرى" وتعلمهم محبتها. ويتضمن منهاج الجدناع التدريب
الرياضي لتبني أجساد أعضائها. كما تشجعهم على التطوع في المشاريع التي تخدم
إسرائيل، وتعلمهم الحرف، والاستعداد والانتظام الدائمين، والسيطرة على النفس وتبني
روح القيادة.
ويدرب الآلاف من صبيان وبنات
المدارس الثانوية في معسكرات وقواعد الجدناع. ويعد هذا التدريب جزء من المنهاج
الدراسي لتلاميذ الصفوف الثانوية العليا. كما تعطى مواضيع "الجدناع على نطاق
واسع ومركّز في المدارس الحرفية، وتوجه الجهود لجذب العاملات والعمال الشباب ومن
هم تحت التدريب في المصانع والشركات المهنية.
وخلال عام (1961) كانت الجدناع
تعمل في (120) مدرسة ثانوية و(35) مدرسة حرفية و (21) مدرسة زراعية وضمت أكثر من
(35000) عضوًا من الصبيان والبنات. وكل عام يمر (10000) عضو منهم في منهاج تدريب
مدته عشرة أيام. وهناك فروع للاختصاص في الإشارات الجوية والبحرية والرماية. وفي
الفرع الجوي يتعلم أعضاء الجدناع قيادة الطائرات الخفيفة والشراعية. وهذا يساعد
سلاح الطيران على انتقاء العناصر الصالحة لتدريبهم على قيادة الطائرات النفاثة مما
يوفر على القيادة الإسرائيلية الكثير من الوقت والمال. أما الفرع البحري فينهي
تدريبه بموضوع يلحق البارزون فيه مباشرة في وظائف ثانوية عند انضمامهم إلى سلاح
البحرية.
وكجزء من منهاج الجدناع يقوم
طلاب الصف السابع الابتدائي بأعمال التحريج في الجليل وفي إقامة التحصينات في قرى
الحدود. وبالإضافة إلى التمارين العادية يقوم أعضاء الجدناع بدراسة مواضيع قادة
فرق المشاة، أو أخذ دروس في البحرية والطيران على أسلحة "جيش الدفاع
الإسرائيلي" أو الاشتراك في البطولة الوطنية للرماية. وخلال كل ربيع يقومون
بقطع فلسطين المحتلة مشيًا على الأقدام(10)،
بهدف التعرف على مواقع الأحداث التاريخية على الطبيعة، ولغرس رابطة وطنية بينهم
وبين الأرض التي يسيطرون عليها.
وتساهم الجدناع في نظام التعبئة
العامة والخدمة في المواقع المدنية أثناء حالة الحرب مثل المستشفيات والمصانع لسد
الفجوة التي يصنعها الاحتياط للحرب(11). وقد
استخدم المتطوعون في الجدناع فعلًا في القيام بواجبات الدفاع المدني، وداخل
الوحدات الطبية والإدارية(12).
لاسيما في مجزرة دير ياسين حيث تدخلت وحدات الجدناع
القرية بقيادة قائد لواء الجادناع "يهوشع ارئيلي" الذي يروي أن
"شلتئيل" أمره "بإزالة الجثث ودفنها قبل عودة بعثة الصليب الأحمر
الدولي".
ويتحدث "هيلل
بوليتي" أحد قادة الجادناع عن هذا التدخل قائلًا: "أحضروا لنا من المدينة قفازات ومعاطف
واقية وكمامات لتغطية الوجه ونقلنا الجثث اثنتين اثنتين بأيدينا إلى مقلع للأحجار
وأحضرت من المدينة جرافة غطت الجثث بالتراب".
والانضمام إلى منظمة الجدناع يكون
بالتطوع، ويلجأ القائمون عليها إلى استخدام وسائل مختلفة لتشجيع الشبان والضغط
عليهم للانضمام إليها حتى كاد أن يكون التطوع إجبارية فيها. والغرض من إنشاء كتائب
الجدناع بالإضافة إلى غرس الروح العسكرية في نفوس الشبان اليهود، دمج المهاجرين
الجدد بالحياة الجديدة، وتأهيلهم للخدمة العسكرية فيما بعد.
ثانيًا- الناحال:
إن منظمة الناحال وفق معجم
المصطلحات الصهيونية هي: «اسم مختصر للشبيبة الطلائعية المحاربة، وهو سلاح شكل عام
(1948) في ذروة "حرب الاستقلال" (على حد زعمهم) لإعداد أبناء سن السابعة
عشرة للمشاركة في المعارك. وفي البداية أقيم هذا السلاح في إطار الدفاع، ومن ثم
أصبح سلاحًا مستقلًا يجمع بين الخدمة العسكرية والعمل الزراعي، ويستخدم.. لإقامة
مستعمرات في مناطق الحدود».(13)
فالناحال منظمة زراعية عسكرية
خاضعة لرئاسة أركان الجيش، وتضم الأفراد الذين يفضلون قضاء مدة خدمتهم العسكرية في
إنشاء مستعمرات الحدود. وتشكل هذه المنظمة قسمًا من أقسام جيش الدفاع الإسرائيلي،
وتنظم قواتها في شكل كتائب احتياط للمشاة تنضم للقوات النظامية في المناطق
العسكرية التي تتبعها في حالة الحرب(14).
وتقوم فكرة الناحال على ربط
العمل العسكري بالعمل الزراعي عن طريق إقامة مستوطنات عسكرية زراعية في المناطق
الحدودية تأكيدًا للمبدأ الصهيوني :"أن حدود إسرائيل تمتد حيثما استوطن
اليهود وزرعوا الأرض ودافعوا عنها". وترسل وحدات الناحال للتدريب لمدة عام في
إحدى المستوطنات الحدودية حيث يتلقى أفرادها تدريبًا زراعيًا وعسكريًا وأيديولوجيًا
وبعد اكتمال تدريب الأفراد ترسل الوحدات المدربة للمعاونة في مستعمرات الناحل
القائمة أو إنشاء مستعمرات جديدة في المناطق النائية لتحويلها فيما بعد لمستوطنات
مدنية كاملة.(15)
وجماعات الناحال هم من المتطوعين
المعروفين باسم "غارين" أي الخلية. ويأتي هؤلاء الشباب من الذكور
والإناث عادة من منظمات الشبيبة السياسية والدينية. وكل جماعة تحمل نفس العقيدة
دينينًا وسياسيًا. ومعظم أعضاء "الناحال" هم أعضاء سابقون في "الجدناع".
ولاشك أن هناك إغراءات تدفع
الشبان والشابات في هذه السن المبكر إلى الانضمام إلى هذه المستعمرات المتقدمة على
الحدود العربية بالرغم من شك أصحاب المشروع عند قيامه في عام (1948) من إمكانية
استمراريته عن طريق الحصول على عدد متجدد كاف من المتطوعين كل عام. ومن هذه
الإغراءات:
- المساهمة
إلى جانب العمل العسكري في العمل في مجال بنّاء هو العمل الزراعي.
- توق
الشباب إلى حمل السلاح وإطلاق النار ورؤية العدو العربي عن قرب. وهذا ما تؤمنه لهم
هذه المستعمرات المتقدمة.
- وتقوم
قيادات الفرق النسائية في الجيش الإسرائيلي بلعب دورها بدفع الفتيات في الجيش
للتطوع في مستعمرات ناحال.
والتقديرات الإسرائيلية غير
الرسمية لعدد الشباب والشابات الذين ينضمون سنويًا إلى ناحال هي 3500 شخص. وفي
البدء يدرب الشبان والشابات كل على حدة لمدة ثلاثة أشهر. ويقام بتصنيف الشباب حسب
إمكاناتهم الجسدية. ويعطى الذين لا يحققون المستوى المطلوب تدريبًا خاصًا بهم.
وتضم كل مستعمرة من مستعمرات
ناحال 30% من النساء و60% من ذوي الكفاءات الجسدية و10% ممن لم يحققوا المستوى
المطلوب من الشباب. وتقوم قيادة ناحال باختيار 15% من أفضل الشباب لتدريبهم تدريبًا
عسكريًا خاصًا أشد وأقسى من التدريب الذي يحصل عليه مجموع أفراد المستعمرة يشبه
تدريب الفرق الفدائية في بعض الجيوش. وتقوم هذه الـ 15% بعد إتمام تدريبها بعمل
الضباط والإشراف على قيادة العمليات العسكرية في ناحال. وبانتهاء مدة الثلاثة أشهر
ينتقل المتطوعون إلى مزرعة قائمة يمزجون فيها العمل الزراعي بالعمل العسكري لمدة
سنة. ويختار أفراد معينون من ناحال لحضور دورات عسكرية وزراعية قصيرة وخاصة. ويشرف
على الدورة العسكرية قسم التدريب في الجيش الإسرائيلي أو قيادة ناحال، أما الدورة
الزراعية فتقوم وزارة الزراعة بالإشراف عليها.
ويشرف ضباط ناحال على الانضباط
العسكري الذي هو الطابع المميز لهذه المستعمرات. فالمتطوعون والمتطوعات يدافعون
ويزرعون من دون أن يكلفوا الدولة أعباء مالية إضافية. وهي مستعمرة تعرف باسم
"موطئ القدم" التي هي في أغلب الأحيان عبارة عن مستعمرة عسكرية نائية
تنشأ لقيمتها الاستراتيجية وغير صالحة للإقامة الدائمة لقربها الشديد من الحدود
العربية أو لنقص المياه في مكانها. بينما يتحول غيرها مع الزمن إلى مستعمرات دائمة(16).
ومنظمة "الناحال" التي
تأسست عام 1948 لتحل مكان "البالماخ"
التي كانت مرتبطة "بالهاجاناه" نواة الجيش الإسرائيلي، قد رفعت شعارها
(السيف للحرب والمنجل للاستيطان الزراعي) تعبيرًا عن طبيعة المهمة والوظيفة الموكلة
إليها. وإذا رفض شباب
النحال الخدمة العسكرية في المواقع التي تحدد لهم من قبل القيادة يسجنوا. وقد ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 26 أبريل 2002 أن أربعة جنود
في جيش الاحتلال الإسرائيلي حكم عليهم بالسجن لمدة 28 يومًا بعد رفضهم الخدمة في
سجن «أنصار 3» بصحراء النقب الذي يضم معتقلين فلسطينيين.
وقالت
الصحيفة: إن جنود الاحتلال الأربعة كانوا يقضون خدمتهم العسكرية فيما يعرف بوحدة
«الناحال» بمنطقة أشدود. فيما حكم على جندي آخر يخدم في كتيبة المدفعية بالسجن أيضا
لمدة 28 يومًا سجن. وأشارت الصحيفة إلى أن هؤلاء الجنود كانوا قد شاركوا في عملية
الاعتقالات التي نفذت في بلدات "بيت ريما" و"الخليل" بفلسطين.
وينتمي
هؤلاء الجنود من جيش الاحتلال إلى حركة الشباب العاملة والمتعلمة التي تسمى وحدة
«الناحال»، وقد رفض القائمون على الحركة موقفهم وأمروا بفصلهم من الحركة، وعدم السماح
لهم بالعودة إلى ممارسة نشاطاتهم فيها (17).
من خلال ما سبق نجد
أن نظام العسكرة المنظمة للمجتمع الصهيوني في فلسطين التي تنطلق من الناشئة اليهود
من الجنسين الذكور والإناث ولا تنتهي عند سن معينة وإن تجاوزا سن الاحتياط وبلوغ
سن التقاعد بالنسبة للمتطوعين من الضباط والعسكريين الإسرائيليين
الذين ينتقلون للعمل في مختلف الأنشطة والمجالات المهمة والمؤثرة في بناء المشروع
الصهيوني وإن كانت ذات طابع سياسي أو اقتصادي أو تجاري. وبخاصة أن معظم صناع
القرار السياسي في إسرائيل هم من المؤسسة العسكرية المنظمة سواء كانت العصابات
الصهيونية قبل إعلان قيام "دولة إسرائيل" أم كانت "جيش الدفاع
الإسرائيلي" الذي تأسس بعد ذلك وكانت نواته تلك العصابات اليهودية، قد قلل
(نظام العسكرة المنظمة) من دائرة الوجود المدني في المجتمع الإسرائيلي، أو أعدمها
فيه. ولا يمكن الترويج بعد ذلك للصبغة المدنية للمستوطنين والمستوطنات التي
تستهدفهم المقاومة الفلسطينية لأنهم غير متصفين بها أصلًا والواقع يؤكد ذلك.
وبخاصة أن العسكرة الإسرائيلية تهيمن على كافة نواحي الحياة لاسيما المستوطنات على
وجه الخصوص. لأن أفكار العنف والقوة وممارساتها وما
صاحبها من تجييش لجماعات المستوطنين تركت موقعًا خاصًا لنظام العسكرة في حياة أعضاء
التجمع الاستيطاني، وقد أضاف ذلك إلى بنية هذا التجمع ودورهُ الوظيفي أهمية مميزة في
العلاقة بنظام العسكرة، وجعلت عسكرة مجتمع الاستيطان أمرًا واقعًا وحتميًا، تمثل
فيه عملية التجنيد العام حالة فريدة، حيث يتم في إطار عملية التجنيد هذه حشد أعداد
هائلة من المستوطنين اليهود في إطار ثلاثة تنظيمات منفصلة لكنها متكاملة وهي :"جيش الدفاع الإسرائيلي" والمنظمات
شبه العسكرية: وأبرزها منظمتا "الجدناع" و"الناحال" اللتين
تشكلان الجسر الرئيس الذي ينقل الفرد اليهودي من مرحلة الطفولة المحاطة بالبزات
العسكرية التي لا يخلو منها بيت يهودي إلى مرحلة ممارسة الواجب الديني في ساحات
القتال التي لن ينفض غبارها ما لم يتحقق الحلم الصهيوني كاملًا بالاستيلاء على
"أرض الميعاد" من الفرات إلى النيل وتطبيق السيادة اليهودية الفعلية
عليها!.
(6) المرجع نفسه، ص 66.
(8) أفرايم ومناحم تلمي: معجم المصطلحات
الصهيونية، ترجمة أحمد بركات العجرمي، ط1، دار الجليل، الأردن، 1988. ص 89.
(9) محمد فاروق الهيثمي: في الاستراتيجية العسكرية،
مركز لأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، 1968. ص 184.
(10) أديب قعوار: المرأة اليهودية في فلسطين المحتلة،
ط1، منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث، بيروت، 1978. ص 189-191.
(11) نادية عز الدين وعمرو كمال حمودة: المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ط1، سينا
للنشر، مصر، 1991. ص 46.
