المرأة
اليهودية ودورها العسكري
في
مجتمع الحرب في الكيان الصهيوني
الدكتور
جبر الهلّول
إن
الديانة اليهودية في جوهرها مشروع قائم على الاستعمار، لأنها منذ لحظة تكوينها قد
ارتبطت بأرض يمتلكها غير اليهود، ويجب على اليهود دينياً أن يعملوا على انتزاعها
منهم، وطردهم واستئصالهم منها بأي طريقة كانت. لذلك كانت الاستجابة لتحقيق الحلم
الاستعماري المتجذر في الفكر الديني، تنطلق فكرة التجييش فيه من الواجب الديني
الذي يقع على عاتق كل يهودي سواء كان رجلاً أم امرأة. ولو رجعنا إلى الحملة
العسكرية التي قادها موسى وفقاً لأوامر الرب "يهوه" لانتزاع الأرض التي
وعدوا فيها نجد أن كل اليهود رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً الذين كانوا يعيشون في
مصر ولفترة طويلة من الزمن قد خرجوا جميعاً نحو هدف واحد لاحتلال الأرض الموعودة.
وقد تحملت المرأة اليهودية في تلك الحملة جنباً إلى جنب مع الرجل اليهودي آلام
وهموم ومتاعب التيه الذي دام أربعين سنة في صحراء سيناء. لذا لم يكن لينفصل دور
المرأة اليهودية عن دور الرجل في "الواجب المقدس" المفروض عليهم جميعاً،
وبخاصة أن تكوين المجتمع اليهودي منذ لحظة ولادته كان مبنياً على أساس "مجتمع
المحاربين" أو "الأمة المحاربة" التي يقع على كل فرد فيها واجب
عليه أن يأخذ دوره فيه من أجل تحقيق الهدف المنشود المتمثل في الاستيلاء على
"أرض الميعاد" والدفاع عنها.
-
دور المرأة اليهودية العسكري قبل إعلان قيام إسرائيل:
من
المعلوم أن الحركة الصهيونية قد سارت على خطى الفكر الديني اليهودي في عملية
التجييش لمشروعها الاستعماري في المنطقة العربية بدءاً من فلسطين، وكانت عملية
التجييش تشمل كل اليهود رجالاً ونساء، حتى أن أول حملة استيطانية منظمة انطلقت نحو
فلسطين عام (1882) كانت تتألف من رجال ونساء، وبمعنى آخر أن الهجرات اليهودية
المتتابعة نحو فلسطين كانت هجرات جماعية أسرية لإقامة كتل استيطانية تقع مسؤولية
الدفاع والحراسة فيها على كل من يسكن المستوطنة من رجال ونساء بشكل ذاتي. لكن
العمل العسكري المنظم للمرأة اليهودية قد بدأ مع نشوء أول مستعمر يهودية على أرض
فلسطين ضمن منظمة "هاشومير"(1) (الحارس
الفتي) التي كانت من أوائل المنظمات المتخصصة في أعمال حراسة المستعمرات
والممتلكات الصهيونية في فلسطين. وقد تأسست هذه المنظمة عام (1909) على يد مجموعة
من المهاجرين اليهودي من أعضاء الجمعية السرية اليهودية "بارغيورا" التي
تعتبر أول جماعة صهيونية مسلحة في فلسطين والتي تألفت عام (1907) من بضعة أفراد من
اليهود اتخذت شعاراً لها: بالدم والنار سقطت يهوذا، وبالدم والنار ستنهض. ويلاحظ
مساهمة المرأة اليهودية في العمل العسكري ودوره من خلال نسبة عددها بين أفراد
"الهاجاناه" (الدفاع) التي حلت محل منظمة "هاشومير" في العمل
العسكري، فعندما «كان عدد أفراد "الهاجاناه" (حركة الدفاع عن النفس
اليهودية في فلسطين) (50000) كان عدد النساء المنخرطات فيها يفوق على (10000)
امرأة، منهن العاملات والأمهات»(2).
وإذا
كان قد اقتصر دور المرأة العسكري في البداية على حراسة المستوطنات وممارسة كل
الأعمال التي ترى أنها تخدم المصلحة اليهودية الاستعمارية، لاسيما الأعمال
المتوسطة مثل إنشاء المستعمرات وحراستها(3)،
فإن نشاطهن قد تطور مع اجتياح الجيش البريطاني لفلسطين واحتلالها، فقد جرفت حمى
التطوع النساء اليهوديات أسوة ببعض المئات من الرجال اليهود الذين تطوعوا في الجيش
البريطاني، فقد تقدم عدد منهن بقيادة "راشيل يانئيت" (وهي امرأة يهودية
مهاجرة من اليمن وقد أصبحت عضواً في الكنيست الإسرائيلي، وقد اشتركت في الأعمال
التخريبية في فلسطين مثل تدمير السكك الحديدة(4))
للعمل في صفوف الجيش البريطاني. وذهب بعضهن إلى حد المطالبة بالعمل العسكري
المباشر تماماً كالرجال. كما ذهب البعض الآخر منهن إلى المطالبة في المساهمة في
المجهود الحربي كالعمل طاهيات وممرضات وغسالات... ولكن البعض رأى أنه ليس لهن الحق
في الإصرار على نوع معين من العمل يفضلنه، إذ يكفيهن أنهن محظوظات بوجودهن في
فلسطين، وأنهن مستعدات للقيام بأي عمل يخدم المجهود الحربي الذي يطلب منهن(5). لذا ساهمت المرأة اليهودية في الدفاع
عن المستوطنات اليهودية خلال الثورات العربية عام (1929و1936و1939)، إذ تجندت
اليهوديات، وشاركت حاملات السلاح منهن في حماية خطوط المواصلات اليهودية(6).
كما
لم يقتصر انتظام المرأة اليهودية في عصابة "الهاجاناه" بل تعداه
للمشاركة في كل عصابة يهودية تعمل على أرض فلسطين مثل "شتيرن"
والأراغون"، وقد أسست هذه العصابات محطات سرية للإذاعة كانت النساء مسؤولة عن
إدارتها، والمشاركة الفعلية في نشاطاتها. أما القسم الخاص بالمرأة في تلك العصابات
فقد كانت مهمته تعليم الأمهات كيفية الدفاع عن أنفسهن وعن أولادهن. بالإضافة إلى
المشاركات الميدانية كالسطو على مخازن السلاح وتهريبها(7).
كما إن تلك العصابات استغلت الحرب العالمية الثانية وجندت عدداً كبيراً من النساء
اليهوديات وصل إلى (4000) امرأة شارك
بعضهن في فرق المظليين ونزلن خلف خطوط الألمان، ويبدو أن تلك العصابات قد نظرت إلى
المشاركة اليهودية بعين الرضا فأوعزت إلى المنظمات النسائية اليهودية بأن تجند
النساء اليهوديات ضمن منظمات خاصة تنضم إلى "الهاجاناه" التي أنشئت
بدورها قسماً خاصاً بالنساء المسلحات(8) الذي هو
جزء من تنظيم "البالماخ" (اختصار للعبارة العبرية بلوجوت ماحاتس"،
أي سرايا الصاعقة) التي هي القوة الضاربة "للهاجاناه" التي شكلتها عام
(1941) لتعمل كوحدات متقدمة وقادرة على القيام بالمهام الخاصة أثناء الحرب
العالمية الثانية، وذلك بالإضافة إلى إمداد "الهاجاناه" باحتياطي دائم
من المقاتلين المدربين جيداً. وقد تميز أفراد هذه القوات بدرجة عالية من التثقيف
السياسي الذي يركز على مبادئ الصهيونية العالمية، كما تلقوا تدريباً مناسباً في
المجالات الطيران والبحرية واستخدام الرادار وأعمال المخابرات.. وكان عدد النساء
في تلك القوة (البالماخ)في نهاية الحرب العالمية الثانية يصل إلى قرابة ثلث عدد
أفرادها الذين وصلوا إلى (2000) فرداً موزعين على (11) سرية.
وقد
شاركت "البالماخ" مع العصابات الصهيونية الأخرى "شتيرن"
و"الأراغون" منذ خريف (1945) وحتى صيف (1946) العديد من الأعمال
العسكرية ضد القوات البريطانية في فلسطين. كما إنها عام (1948) كانت القوة الرئيسة
التي تصدت للجيوش العربية في الجليل الأعلى والنقب وسيناء والقدس، وقد خسرت في تلك
المعارك أكثر من سدس أفرادها البالغ عددهم آنذاك نحو خمسة آلاف. وعقب إعلان قيام "إسرائيل"
قام "بن جوريون" بحل "البالماخ". لتكون فيما بعد القوام
الأساسي لقوات "الصاعقة في جيش الدفاع الإسرائيلي".
وبالعودة
إلى مشاركة المرأة اليهودية في الحرب العالمية الثانية، فلم تقتصر مشاركتهن ضمن
العصابات الصهيونية وإنما المشاركة ضمن القوات التابعة للجيش البريطاني تلبية
للنداء الذي وجهه "مؤتمر المرأة العاملة الخامس" الذي عقدته "مؤسسة
المرأة العاملة" اليهودية عام (1942) للانخراط في الفرقة النسائية الأجنبية
التابعة للجيش البريطاني "ATS" بهدف محاربة الألمان والإفادة من الفرصة للتدريب على العمل
العسكري، وذلك لخدمة أهداف بعيدة المرمى. وقد جاء في هذا النداء ما يلي: «إن
النساء اليهوديات يشعرن بواجب المساهمة في النضال ضد عدو شعبنا. ونحن نعلم أننا
نتمتع بالكفاءة لمجابهة هذا الامتحان كما نشعر أن الواجب القومي يدفعنا للتطوع في
هذه الساعة الحرجة. ونتطلع إلى العمل في قوة يهودية مقاتلة تعمل إلى جانب غيرها من
قوى جنسيات مختلفة تحت إمرة القيادة البريطانية حيث يفسح المجال أمام اليهوديات
لتكريس كل قواهن ليس فقط في القوة المساعدة بل أيضاً في العمل العسكري نفسه، كما
عملن إلى جانب الرجل في أيام السلم.
وكي
نقنع المزيد من النساء على التطوع لخلق جو عبري وصهيوني حقيقي في الجسم العسكري.
يجب على حركة المرأة العاملة العمل ما بوسعها للتأكيد على أهمية تطوع المرأة
اليهودية في الجيش البريطاني وذلك نظراً لهذا الخطر الداهم الذي يهدد بقاءنا»(9). ويبدو أن نداء "مؤسسة المرأة
العاملة" قد سمع لذا أصدر تعميماً في ربيع عام (1942) جاء فيه:«يا أيتها
اليهوديات في أرض "الوطن" في الحقل أو المصنع أو المكتب أو البيت. لقد
قبل الاقتراح بالسماح للنساء اليهوديات في فلسطين بالتطوع في الفيلق الأجنبي (ATS ) التابع للجيش البريطاني، ولم يبق أمامنا
سوى البرهنة على صحة قولنا بأن نساءنا متأهبات ومتشوقات للتطوع. يا بنات إسرائيل
إنها لمناسبة عظيمة للمساهمة في هذه الحرب، فالعدو قد أعلنها حرباً إفنائية ضد
شعبنا»(10).
كما
ساهمت "الوكالة اليهودية" في توجيه النساء اليهوديات وتشجيعهن على
التطوع والمساهمة في العمل العسكري من خلال البيان الذي جاء فيه: «لقد شاركت
المرأة الرجل وعملت كتفاً إلى كتف معه. واشتركت على قدم المساواة في كل مجهود، وكل
تضحية، وكل نصر، فيجب أن يكون شرف العمل العسكري من نصيبها أيضاً.
إن
فصلاً من المجهود العسكري اليهودي على وشك أن يفتح بواسطة تطوع النساء اليهوديات
في الخدمة المساعدة، وفي مقدور النساء اليهوديات أن يخططن هذا الفصل الرائع
لأنفسهن وللشعب اليهودي كافة»(11).
ونتيجة
للنشاط المكثف من قبل "مؤسسة المرأة العاملة" اليهودية وتعاونها مع
"المنظمة العالمية للمرأة الصهيونية" ومساندتها من قبل "الوكالة
اليهودية" قد بلغ عدد المتطوعات اليهوديات في الفيلق النسائي في الجيش
البريطاني عام (1943) أربعة آلاف متطوعة. وهذا الرقم لا يستهان به إذا ما أضيف
أيضاً إلى عدد النساء المنظمات ضمن العصابات الصهيونية لاسيما
"الهاجاناه" التي كان عدد النساء في منظمتها "البالماخ" أكثر
من ثلث أفرادها، كذلك في عصابة "شتيرن" و"الأراغون". وهذه
الكثافة من المشاركة في العمل العسكري من قبل النساء اليهوديات فرض وجودهن على
الأرض بشكل واضح لا يمكن تجاوزه في تشكيل أي قوة عسكرية يهودية نظامية مستقبلية،
وبخاصة أنهن قد اكتسبن تجربة عسكرية ميدانية وخبرات عسكرية ساهمت بشكل مباشر في
دعم المجهود الحربي اليهودي. وهذا ما دعا "مجلس المرأة العاملة" عام
(1948) إلى دعوة «عضواته النشيطات في "الهاجاناه" لاستمزاج آرائهن حول
التجنيد الإجباري للمرأة. وكانت النساء الأُول اللواتي استدعين من قادة "الهاجاناه"
السابقات والضابطات السابقات في الفرقة الفلسطينية (اليهودية) في الجيش البريطاني
...في نيسان (1948) وبعدها الفتيات المولودات في عام( 1928) للخدمة الإجبارية في
"الهاجاناه"»(12).
ويمكننا
القول: إن المرأة اليهودية قد شاركت بشكل منظم في جميع الأعمال التي قامت بها
العصابات الصهيونية قبل حلها وإدخالها ضمن جيش الدفاع الإسرائيلي الذي أعلن عن
تأسيسه من قبل "بن جوريون" في (31/أيار/1948)، لاسيما مشاركتهن في مذبحة
"دير ياسين" التي تمت على يد "شتيرن" و"الأراغون"
بالاتفاق مع "الهاجاناه" في (9 نيسان 1948) والتي قتل فيها (260) من
سكان القرية.
-
المرأة اليهودية ودورها العسكري بعد إعلان قيام "إسرائيل":
من
خلال مشاركة المرأة جنباً إلى جنب مع الرجل في بناء المشروع الصهيوني، لم يكن لأحد
في القيادة السياسية الإسرائيلية أن يتغافل عن أهمية دورها ومساهمتها في الدفاع
عما كان لهن نصيب فيما تم إنجازه. وقد تطرق إلى ذلك "بن جوريون" في
خطابه أمام الكنيست، قائلاً: «والآن بالنسبة إلى قضية المرأة في الجيش. حينما نبحث
في مركز المرأة، لابد أن نأخذ عاملين بعين الاعتبار: العامل الأول هو أن للمرأة
رسالة هامة كأم. ليس هناك من رسالة أعظم في الحياة...لكن لابد من تذكر عامل آخر:
فالمرأة ليست امرأة وحسب، لكنها شخصية بحكم حقها كما الرجل سواء بسواء. من هذا
المنطلق، ينبغي أن تتمتع بذات الحقوق والمسؤوليات كالرجل، باستثناء ما يختص
بالأمومة... ليست لدينا نية في وضع المرأة في وحدات قتالية، برغم أن أحداً لا
يضمن، في حال الهجوم علينا واضطرارنا القتال دفاعاً عن حياتنا بأننا لن ندعو جميع
والنساء إلى الخدمة. لكن القانون الذي نحن بصدده يتعلق بظرف من السلم، ولن نريد
إعطاء النساء سوى التدريب العسكري الأساسي»(13).
وربما اهتمام "بن جوريون" بالمرأة اليهودية يرجع أصلاً إلى حاجة المشروع
الصهيوني للطاقة البشرية التي يعاني من قلة فيها، وبخاصة إذا ارتكزت على جانب
الذكور فقط. لذا لم يكن سن القوانين التي تتعلق بخدمة المرأة في الجيش جديداً
باستثناء الشكل، لأن الخدمة العسكرية كانت تفرض على النساء إبان الانتداب على كل
يهودي ويهودية في فلسطين بالقوة(14). وقد كتب "بن جوريون في مذكراته قائلاً:
«إذا لم يصار إلى رفع معدل الولادة لدى اليهود، فسيصعب على الدولة الإسرائيلية
البقاء. فكل امرأة إسرائيلية بقدر ما يعتمد الأمر عليها، لا تحمل إلى العالم أربعة
أولاد أصحاء، تتهرب من واجبها تجاه الأمة، كجندي يتهرب من الخدمة العسكرية. فمن
واجب الشعب الإسرائيلي ككل أن يهيئ للنساء الظروف الاقتصادية والثقافية
والاجتماعية التي تساعدها على منح هؤلاء الأطفال تنشئة وتربية صالحة»(15).
- قانون الخدمة العسكرية الإسرائيلي للنساء:
بعد إعلان قيام إسرائيل شرعت الحكومة
الإسرائيلية بسن القوانين والتشريعات التي تضفي على التجنيد الصفة الشرعية
والتنظيمية التي يجب على كل يهودي رجلاً كان أم امرأة يعيش في فلسطين المشاركة
فيها ضمن فترات زمنية محددة. وقد أصدرت الحكومة الإسرائيلية عام (1949) قانون
الخدمة العسكرية وتعديلاته عام (1949و1959 و1963)، وقد نص قانون الخدمة العسكرية
على أن كل الرجال مابين (18-49) والنساء ما بين (18-38) باستثناء المتزوجات
والمتدينات اللاتي يقع عليهن إثبات ذلك. أما بالنسبة لفترة الخدمة بالنسبة إلى
الرجال فتمتد لمدة (30) شهراً، وأما بالنسبة للنساء فتمد إلى (24) شهراً وقد خفضت
بتعديل (1963) إلى (20) شهراً. وبعد أداء الخدمة الإلزامية تؤدي المرأة اليهودية
خدمة احتياطية لمدة (31) يوماً كل عام وحتى سن (34) سنة، وبعدها تخفض المدة
الاحتياطية إلى (24) يوماً إلى سن (38) حيث تتوقف المرأة عن الخدمة العسكرية
الاحتياطية.(16) ولكن بالنسبة للمرأة
التي تعفى من الخدمة لأسباب دينية يجب عليها وفق "قانون الخدمة الوطنية"
الذي صدر في (4أيلول 1953) والتي تكون ما بين(18-26) سنة من عمرها «أن تقوم
بالخدمة بإحدى الطرق التالية:
1.
العمل الزراعي أو التدريب على العمل الزراعي في إحدى
المستعمرات الدينية أو في إحدى المعاهد الدينية
الزراعية.
2.
الخدمة كعاملة "لجيش الدفاع الإسرائيلي" أو أية خدمة
مماثلة لأمن الدولة.
3.
الخدمة في مخيمات المهاجرين ..أو في معهد تربوي أو اجتماعي أو
في معهد للوقاية الصحية.
ونشير
هنا إلى أن المرأة اليهودية والرجل اليهودي قبل أن يلتحقا بالخدمة الإلزامية تكون
العقيدة الصهيونية والروح العسكرية قد غرست في ذهنهم منذ سن مبكرة من قبل المؤسسة
العسكرية الإسرائيلية التي أوكلت هذه المهمة إلى تنظيمين شبه عسكريين هما
"الجدناع" (كتائب الشباب)
و"ناحال" (الشباب الطلائعي المحارب) اللذين يقومان بدور مساند للجيش
الإسرائيلي(18). وتضم كل مستعمرة من مستعمرات
"ناحال" (30%) من الفتيات اللاتي يقضي بعضهن بقية خدمتهن فيها، كما إن
بعضهن يقمن فيها إقامة دائمة(19).
-
مهام المرأة في الجيش الإسرائيلي:
من
المعلوم أن الجيش أكبر تنظيم داخل المجتمع الإسرائيلي، ويحتل المرتبة الأولى بين
مؤسسات الدولة من حيث الوظيفة والمكانة، لذا هناك حوالي (88%) من الرجال، و (62%)
من النساء بين السكان الإسرائيليين مجندون في الخدمة العسكرية(20).
وتبلغ نسبة المرأة الإسرائيلية في المجتمع الإسرائيلي (50.7%) حسب إحصاءات نهاية
عام 2001 وتخدم المرأة في الجيش الإسرائيلي خدمة إجبارية؛ حيث يعتبر الجيش
الإسرائيلي أول جيش ألزم المرأة بالخدمة العسكرية بل ربما هو الوحيد الذي قام
بذلك، وبخاصة وقت السلم. وتمثل المرأة في الجيش الإسرائيلي أكثر من ثلث القوات
العسكرية، وهذا يعطيها أهمية كبيرة في الجيش، ووجودها فيه يمثل عاملاً أساسياً في
بناء قوته؛ ويلقي على عاتقها مهام عسكرية متنوعة(21). أهمها من ناحية بدائية: «تقوم المجندات في
الجيش بأعمال إدارية وغيرها من الوظائف التي لا تتعلق بالعمل العسكري المباشر حتى
يتفرغ الرجال للقتال. وقد يخدم عدد قليل من النساء في قيادة وحدات المشاة وغيرها
من الوحدات المقاتلة، ولكنهن يعينّ عادة في رئاسة الأركان وفي المعسكرات الكبيرة.
وبعد إتمامهن تدريبهن الأساسي وخضوعهن لامتحانات سيكولوجية واختبار المقدرة يعينّ
في الأعمال المكتبية وفي المستودعات وعاملات هاتف..وإدارة بعض الآلات، أو في أعمال
ثقافية واجتماعية أو في التمريض. كما إن غيرهن يقدن السيارات أو يعملن ميكانيكيات،
والعديدات منهن يدربن على التعلم ويوجدن تقريباً في جميع فروع الخدمة وتقع عليهن
مسؤولية تعليم العبرية وغيرها من المواضيع في الجيش والـ "الجدناع"»(22).
وقد توسعت مهام المرأة الإسرائيلية المجندة وفق حاجات ومتطلبات الجيش الإسرائيلي،
وقد أصبحت مشاركة في جميع المهام العسكرية القتالية بدءاً من قيادة الطائرات
الحربية وقيادة المدرعات إلى ضابطات في سلاح المدفعية. وقد أشارت المصادر العسكرية
الإسرائيلية إلى أنه «تم عام (1978) تخريج الدفعة الأولى من النساء الطيارات
قائدات لطائرات "سكاي هوك"، وقد بلغ عددهن (12) فتاة، وهناك (4) نساء
يقدرن على قيادة الطائرات الحربية، وفي عام (1978) أيضاً تم تخريج أول دورة ضابطات
مدفعية، وقد تم تعيين بعضهن في قسم الإشارة والإنذار»(23).
وقد كانت النساء الإسرائيليات يخدمن في الجيش الإسرائيلي ضمن قسم خاص بهن يسمى
"سلاح النساء"، ونتيجة لدورهن والتوسع في مهامهن داخل الجيش، فقد ألغى
رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "إيهود بارك" ما كان يطلق عليه
"سلاح النساء" الذي كان مخصصاً للنساء داخل الجيش لرعاية شؤونهن
واحتياجاتهن، وذلك لتقدير الجيش لما تقوم به المرأة داخل الجيش، وقد تم دمجهن في
أفرع الجيش العسكرية مثل سلاح الطيران والمدفعية والمشاة وكافة الأقسام الأمنية
والإدارية التابعة له، واعتبر هذا القرار من قبل المنظمات النسائية الإسرائيلية
قراراً تاريخياً واعترافاً رسمياً بدور المرأة المجندة داخل الجيش. وبخاصة بعدما
برز دورها في قتل الفلسطينيين ومشاركتها في الحروب التي تخوضها إسرائيل، وقد كان
ضابط الاحتياط الإسرائيلي "شارون زيف" قد اعترف لصحيفة إسرائيلية
بتفاصيل مذبحة قامت بها المجندات الإسرائيليات، عندما قُمْنَ بقتل مئات المصابين
من الأسرى المصريين داخل مستشفى العريش في عام 1956 ثم قُمْنَ بالرقص فوق جثثهم!!.
أما في قمع الانتفاضة التي يتفاخرن فيها بأنهن شاركن "شارون" في الهجوم
على المسجد الأقصى وإلقاء القنابل على المصلين. قد برز دورهن أيضاً من خلال وحدة
المستعربات التي أنشئت أثناء انتفاضة (1987) والتي تحمل اسم "دوفدوفان"و"شيري"
وهدفها قتل المقاومين، ومن أجل ذلك تتنكّر المرأة اليهودية بالزي العربي. وتمتاز
هذه الوحدة بمعرفتها الدقيقة بالعادات وحتى اللغة العربية، وكذلك بالمناطق الفلسطينية.
وقد نشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت"(الصادرة في 19/10/2003):أنه لأول
يجند الفتايات في الجيش للعمل في وحدة المستعربات و«أنه في المرحلة الأولى ستعمل
المستعربات في وظائف جمع المعلومات الاستخبارية، وبعد تقييم التجربة
التي تُجرى الآن في وحدات المستعربين في
القدس سيتم التفكير
بتوسيع نشاطهن إلى وحدات مستعربين أخرى أيضاً»(24).
من خلال ما سبق لا
نجد حدوداً فاصلة بين الرجل
والمرأة في المجتمع الصهيوني في الصفة العسكرية، من خلال دورهم العسكري المشترك في
بناء المشروع الصهيوني، حيث لا يوجد التقسيم الذي تعرفه المجتمعات البشرية الأخرى
والذي يميز ما هو مدني وما هو عسكري، والمرأة ما لم تقاتل فيه تعتبر من المدنيين
التي يجب تجنب استهدافها في الحرب. فالمرأة اليهودية منذ وطئت أرض فلسطين غازية
مستعمرة كانت مجندة بصورة أو بأخر للعمل في بناء المشروع الصهيوني الاستعماري،
وستبقى كذلك لأنها جزء من "تجمع المحاربين" الذي جاء إلى بلادنا وفق رؤى
دينية وسياسية لإقامة كيان سياسي بالقوة. ولا يمكن ضمان استمراره وترسيخ وجوده ما
لم تستغل كل الطاقة البشرية فيه التي يعاني من نقص فيها في مواجهة الطاقة البشرية
المحيطة به.
(1) أديب قعوار: المرأة اليهودية في فلسطين المحتلة،
منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث بيروت، 1968. ص 155.
(3) ديب علي حسن: المرأة
الصهيونية، تاريخ أسود، وكرامة مفقودة، ط1، المكتبة الثقافية، بيروت، 1995. ص 124.
وديب علي حسن: المرأة اليهودية بين فضائح التوراة وقبضة الحاخامات، ط1، الأوائل،
دمشق، 2000. ص169.
(6) المرجع نفسه، ص156.
(16) ديب علي حسن :
المرأة اليهودية، ص171. وأديب قعوار: المرجع السابق، ص 173-180. حسين شريف:
المفهوم السياسي والاجتماعي لليهود عبر التاريخ، من العهد القديم إلى مفاوضات
السلام الشرق أوسطية،..الهيئة المصرية للكتاب، مصر، 1990. ج1/ص404.
(20) أفيفا أفيف: المجتمع
الإسرائيلي، ط1، ترجمة محمد أحمد صالح، مركز الدراسات الشرقية جامعة القاهرة،
1998. ص152. ومحمد محمود أبو غدير: المرجع
السابق، ص 17.
(21) إياد القرا: مقال
(المرأة والخدمة العسكرية في إسرائيل) في موقع على الانترنت "إسلام أون
لاين" تاريخ 14/10/ 2002.
