العِدائيَّةُ في الشَّخصيَّةِ اليَّهوديَّةِ ودَوْرةُ الصِّراعِ من أجلِ البقاءِ
بدايةً
أقولُ: إنَّ الصِّراعَ أُسُّ دَوْرةِ العلاقاتِ الاجتماعيَّةِ، ومحورُ حركةِ الوجودِ
الإنسانيَّ، وإنَّ العِدائيَّةَ أُسُّ دَوْرةِ الصِّراعِ، ومنْ يُتقنُ دَوْرةَ الصِّراعِ
جديرٌ به أنْ يسودَ في هذا العالم، ولا رثاءَ وبواكي لمنْ تخلّفَ عن ذلك!.
وأعودُ إلى موضوع العنوان: العِدائيّةُ في
الشّخصيّةِ اليهوديّةِ، ودورةُ الصّراعِ من أجلِ البقاءِ، لأتساءل:
ما هي الدّوافعُ التي حثَّت اليهوديَّ على المجيء إلى فلسطين،
وممارسةِ عُدوانه الذي بات الصّفةَ الأساسيّةَ في سلوكه اليوميّ، على اعتبار أنَّ
هذا السّلوكَ على تلك الأرض هو الغذاءُ الذي يمدُّ الشّخصيّةَ اليهوديّةَ بعنصر
الحياة والاستمراريّة؟!.
ولماذا جاء اليهوديُّ إلى أرضٍ هي بالنسبة إليه ساحةَ حربٍ
أبديّةٍ، بناءً لاعتقادِه الجازمِ أنّ تلك الأرضَ لا يمكن أن تستوعبَ سوى
المجموعاتِ اليهوديّةِ التي لم يكنْ لها أيُّ صلةٍ بها سوى الأحلامَ الدينيّةَ
التي تستحضرُ التّاريخَ اليهوديِّ القديمِ الذي ليس له وجودٌ إلا على تلك الأرضِ،
بحيث ولدَ وماتَ وانقطعت صلةُ اليهودِ بالتّاريخ منذ قضاءِ الإمبراطوريّة الرومانيّة
على وجودهم نهائيًّا عام (70م).
فقد أمسى اليهودُ بعد
هذا التّاريخِ (70م) عبارةً عن مجموعاتٍ بشريّةٍ لها خصوصيّاتٍ معيّنةٍ، تعيشُ ضمن
نسيجِ المجتمعاتِ التي تنتمي إليها لكن من دون أنْ تتأثرَ في بُنْيتها الداخليّةِ
التي حوتْ أبرزَ ملامحَ الشخصيّةِ اليهوديّة ِوحافظتْ عليها.
تلك الملامحُ جرَّتْ
عليهم الويلاتِ أينما حلّوا وارتحلوا لأنّها باتتْ تشكّلُ هُويَّةً لا يمكنُ القَبولُ
بها، أو الثّناءُ عليها. وبخاصةٍ كانت العدائيّةُ اليهوديّةُ تجاهَ الآخر، والحقدُ
عليه من السّماتِ التي لا يستطيعون كتمانِها أو إخفائِها. بل كانوا على العكس من
ذلك، إذْ كانوا حريصينَ على إظهارِها متى سنحتْ لهم الفرصةُ وواتتْهم الظروفُ.
وإلا ما كان سببُ طردِهم المستمرِّ من كثيرٍ من الأماكن التي كانوا يعيشون فيها، وعلى
سبيلِ المثال نذكرُ: «فقد طردوا من إنجلترا
نهائيًّا سنة 1275م، وسنة 1700م، وطردوا من فرنسا سنة 1309م، .. ومن بلجيكا سنة
1370م، .. ومن إيطاليا سنة 1540م، وهكذا»[1]؟.
إنّ العِدائيّةَ للآخرِ
هي ولا شكّ كانت وراءَ طردِ اليهودِ من تلك البلادِ الكثيرةِ، وهي التي غذّتْ مجيئَهم
إلى فلسطين، لكن بشكلٍ أقوى لأنَّ العاملَ الدينيّ اليهوديّ عندما يلامسُ الأرضَ
الفلسطينيّةَ يتفاعلُ بشكلٍ عجيبٍ داخلَ الشخصيّةِ اليهوديّةِ، ويعيدُها إلى التاريخِ
القديمِ لكي تمارسَ دورَها السياديّ في الحياةِ من النقطةِ التي توقفَ عندها تاريخيًّا،
ولكنها تختزلُ ذلك الفاصلَ التّاريخيِّ الطويلِ بحلقةِ انتقامٍ لا مثيلَ لها في
المجموعاتِ البشريّةِ الأخرى من كلِّ الذين سبّبوا هذا التّوقفَ والانقطاعَ في
بناءِ الحلمِ الديني السياديِّ الكونيِّ الذي هو وفق تصورّاتِهم وأدبياتِهم الدينيّةِ
خلقوا لأجله!!.
ومن هنا أقول: إنّ
اليهودَ الذين جاءوا إلى فلسطين كانوا يختزنونَ العدائيّةَ في أعماقِهم، وقد
واتتهم الظروفُ التي هيَّأتْها الحركةُ الصهيونيّة لهم لكي يُحوّلوا هذه العدائيّةَ
إلى عدوانٍ مستمرٍّ في حركتهم تجاه الآخر المتمثّلِ بالعربيّ أو المسلمِ الفلسطينيّ
الذي يعيشُ على تلك الأرض التي يزعمُ اليهودُ أنَّ إلههَم قد منحَهم إيّاها على
سبيلِ التفرّد، وأنّ هذا الآخرَ هو محتلٌّ وغاصبٌ لها، يجب استئصاله أو طرده منها.
ذلك لم يكن إبداعًا
من الحركةِ الصهيونيّةِ، وإنما كان ذلك جزءًا لصيقًا من تكوينِ الشخصيّةِ اليهوديّةِ،
وذاكرتِها التي أسهمتْ الحركةُ الصهيونيّةُ في إيقاظِها، على اعتبارِ أنّ هذه الذاكرةَ
هي التي تُشكّلُ إحدى الدّعاوي الأساسيّةِ لادّعاءِ الحقِّ في اغتصابِ فلسطين، وهي
التي ترفضُ التعايشَ مع الفلسطينيّ والاعترافَ به، وبخاصةٍ أنّ صورتَه التي استقرتْ
في تلك الذاكرةِ قديمًا وحديثًا هي صورةُ الفلسطينيِّ الذي يُشكّلُ عبئًا على الأرضِ
التي يحلمونَ في امتلاكها والاستقرارِ فيها، وهو العدوُّ الأبديُّ الذي لابدّ من التّخلّصِ
منه بكافةِ الوسائل والأساليبِ وحرمانِه من أيِّ حقٍّ له في الأرض التي لم يفارقْها
يومًا عبر التّاريخ الطّويل. وقد كُتبَ عليه أنْ يواجِهَ هذه العدائيّةَ اليهوديّة
وأحقادَها التي تراكمتْ عبر الزمن، والتي لم تجدْ أفضلَ مكانًا من أرضِ فلسطين لكي
تمارسَ عدوانًا يلبسُ ثوابَ القداسةِ من جهةٍ، ومن جهةٍ ثانيةٍ تحمى نفسَها، لأنها
تدركُ حقيقةً أنه «لا مفرَّ للقاتلِ من أن يرى نفَسه مقتولاً في ذات القتيل»[2]،
ومن جهةٍ أخرى تعملُ على تفريغِ الحقدِ الدفينِ الكامنِ في أعماقها كتعويضٍ عما
عانتْه بسبب عقيدتِها الدينيةِ من ذلٍّ واضطهادٍ على يدِ الآخر غير اليهوديّ. وقد
عبّرَ عن ذلك الصّحفيُّ اليهوديُّ "يعقوب تيرمان" بقوله: «إنّ التّركيبَ
النفسيّ للشخصيّةِ اليهوديّةِ غيرَ عاديٍّ، فكلُّ يهوديٍّ يحملُ في داخله أثرَ جرحٍ
نفسيٍّ قديمٍ حديثٍ نتيجةً للإذلالِ الذي تعرّضَ له، وبالتّالي فإنّ هذه الشخصيّةَ
أحوجُ ما تكونُ للبطولةِ ـ [للإجرام والتشفي] ـ والشّفاءِ من هذه الجراح»[3].
فمن خلال ما تقدّمَ، أجدُ أنَّ دراسةَ العدائيّة في الشّخصيّة
اليهوديّة لها أهميّتُها في الكشفِ عن هذه الشخصيّةِ التي تُحرّكُها العدائيّةُ
وتدفعُها وتحثُها لكي تأتيَ وتقاتلَ وتقتلَ في سبيلِ مشروعٍ يرتكزُ في كلِّ مقوماتهِ
على عقيدتهم الدينيةِ، وتكشفُ عن نواياها الإجراميّةِ أيضًا تجاه الآخر، وما تُضمرُه
وتُحيكهُ وتخططُ له من حلقاتِ انتقامٍ، تُشكّلُ سلسلةً لا تنتهي ما دامَ الآخرُ
موجودًا على تلك الأرضِ التي يطمعونَ في الاستفرادِ بها، وتفضحُ زيفَ وحقيقةَ
السلامِ الذي ينشدونَه، واستحالةَ إمكانيةِ التعايشِ التي يدّعونَها معهم، والأسبابَ
الكامنةِ وراءَ كلّ المجازرِ التي ارتكبوها والتي لن تتوقفَ مادام للآخرِ وجودٌ
مؤثرٌ يعيقُ تنفيذَ مشروعهم!.
1-
تحديدُ معنى مصطلحِ العدائيًةِ في الشّخصيَّةِ اليهوديَّةِ؟
لا
يمكن الوقوفُ على تحديدِ معنى هذا المصطلحِ ما لم ينظرْ إلى الشخصيةِ اليهوديةِ من
خلال الدينِ اليهوديِّ الذي يمتلِكُها من جميعِ جوانبِها. وقد اخترتُ مصطلحَ
"العدائية" بدلاً من مصطلحِ "العدوانيةِ" الذي يستخدمُ بشكلٍ
شائعٍ في توصيفِ الشخصيةِ اليهوديةِ من خلال عقيدتِها وممارساتِها تجاهَ الآخرِ
غير اليهوديِّ. بمعنى آخر إنَّ الشخصيّةَ اليهوديّةَ بسبب ممارستِها العدوان بكل
أنواعه بشكلٍ معتادٍ تجاهَ الآخر تُسمى بـ "الشخصيّةِ العدوانيّةِ"، وهذا
توصيفٌ ظاهريٌّ لفعلٍ هو نتيجةٌ وليس سببًا، ولكنه يُستخدمُ على أنه سببٌ في
العدوانِ، وهذا استخدامٌ خاطئٌ في دراسةِ الشخصيّةِ اليهوديّةِ من خلال تكوينِها ولابد
من التّوصيفِ الصحيحِ الذي يمكن من خلالهِ معرفتُها المعرفةَ الصّحيحةَ والدقيقة،
ومعرفةُ أهمِّ البواعثِ التي تشكلُ الحافزَ عند اليهوديّ على القتال وممارسةِ
العدوان.
وأستدلُّ
على خطأ استخدام العدوان والعدوانيةِ بدلاً من العدائيةِ من خلال تعريف كلمتيْ العُدوان
والعُدوانية في اللغة وفي علم النفس، فقد جاء تعريف العدوان في اللغة: على أنه «الاعتداء
والتعدي والظلم»[4]،
وعُرّف أيضًا بأنه «سوءُ الاعتداءِ في قولٍ وفعلٍ أو حالٍ»[5]،
وأنه «الظلمُ الصُراحُ»[6].
أما تعريفُ العدوانِ في علم النفس هو: الهجوم على الغير دون مُبرّر، كذلك عُرف
بأنه: هجومٌ، وفعلٌ عدائيٌّ، موجهٌ ضدَّ شخصٍ أو شيءٍ. وقد فُسّرَ السلوكُ
العدوانيُّ على أنه تعويضٌ عن الاحباطاتِ المستمرةِ التي تُعاني منها الشخصيّة[7].
كما
جاء تعريفُ العدوانيّةِ في علم النّفس في عدّة معانٍ، على النحو التالي:
«1-
ميل للقيام بالعدوان، أو ما يوجدُ في الأفعال العدوانيّة...، ميلٌ معتادٌ لإظهار العداوةِ...
2– ميلٌ لفرضِ مصالحِ المرءِ وأفكارهِ الخاصّة
رغم المعارضةِ...
3- ميلٌ للسعي إلى السيطرة في الجماعة ـ
ـ خصوصًا إذا وصلَ حدَّ التطرفِ.
4-الميل لأن يكونَ مدبّرًا، نشيطًا،
فعالاً لغرض توكيد الذات، وللجري بقوة وراء منافع المرء وأهدافه»[8].
فإذا كانت العدوانيّةُ هي الميلَ النفسيَّ لممارسةِ
العدوان فإنها مرحلةٌ وسطى بين مرحلةِ العدوان الخارجيّةِ الظّاهرة وبين مرحلة العَداوةِ
الداخليّةِ المخفيّةِ التي تُعرّفُ على أنّها الشّحناءُ التي «امتلأتْ منها النّفسُ»،
أو أنّها «البغضُ المليءُ»[9].
إذاً
لا عُدوانَ من دون عُدوانيّةٍ، ولا عُدوانيّة من دونِ عَداوةٍ، ولا عداوةَ من دون
عِداءٍ وعِدائيّةٍ يُعملُ على تغذيتِها وشحنِها بشكلٍ دائمٍ ومستمرٍ. وتلك هي دورة
البقاء الإنسانيّة في مرحلة الصّراع في العلاقات البشريّة، والمرحلةُ العدائيّة هي
أولى المراحلِ التي يُعبّرُ عنها في النهايةِ بالعدوان. إذ عندما يولدُ العداءُ
للآخر في النفس، فإنّ العداوةَ تتفاعلُ وتعظمُ فيها حتى تملأَها فتميلُ إلى ممارسة
العدوان، ولكن يحولُ بينها وبين ذلك القوةُ والاقتدارُ واليقينُ في التمكنِ من
الآخر، فإذا وجدَ ذلك مارست العدوانَ في كل صورهِ وشدّتهِ الذي يتناسبُ طردًا مع
الاستطاعةِ والقدرةِ على التمكّنِ من الآخر.
ولإيضاحِ
ذلك من خلال الشخصيةِ اليهوديةِ فقد آثرتُ البدءَ من المرحلةِ العدائيةِ على اعتبار
أنّ العداءَ للآخر مُتأصلٌ فيها، وكأنّه جزءٌ من كينونتِها لا يمكن فصلُه عنها
مطلقًا. ويمكنُ أن أعرّفَه على النحو التالي: هو حالةُ العداءِ المرافقةِ للشخصيةِ
اليهودية بشكلٍ وجوديٍّ تجاهَ الآخرِ غير اليهوديِ الذي تعتقدُ أنه يضمرُ لها
العداءَ المقابلَ بشكل دائم، وهذه الحالةُ الطبيعيةُ المتأصلةُ تُعطيهِ المبررَ
الدائمَ على ممارسةِ العدوانِ تجاه الآخر متى تمكّنَ منه.
2-
جذورُ العِدائيَّةِ في الشَّخصيَّةِ اليَّهوديَّةِ:
إن العدائيّةَ في الشّخصيةِ اليّهوديّة
ترجعُ في جذورها إلى النّصِ الدينيِّ الذي كُتبَ ليتوافقَ مع تطلعاتِها المستقبليةِ
السياديةِ، وطموحاتِها الاستفراديةِ بالعالمِ وخيراتِه، باعتبارِ أنّ البشريةَ في
مكوناتِها وصفاتِها حكرٌ فيها. وأنَّ غيرهَم من غير اليهود قد سُلبَ ذلك بفعلِ
خطيئةٍ قد ارتكبَها أحدُ آبائِهم حام عندما نظرَ إلى عورة أبيه نوحٍ الذي شربَ
الخمرةَ فسكرَ وعندما أفاقَ جعلَ من حامٍ عبداً لأخيه سامٍ الذي ينحدرُ منه اليهودُ
كما يزعمون ـ ولم يبقَ له ولا لذريتهِ سوى الشكلِ الذي يستطيعُ اليهودُ من خلاله ممارسةَ
استعبادهِ، والتعاملِ معه على أنه شيءٌ مستقذرٌ ومنبوذٌ، أو كحيوانٍ متوحشٍ يتربصُ
بحملانٍ وديعةٍ. ولكن على غير الطبيعةِ التي خُلقتْ الحيواناتُ عليها فإنَّ تلك
الحملانَ قد امتلكتْ أرضَ تلك الوحوشِ بوعدٍ من إلهها يهوه، وتريدُ أن تنتزعَها منها
بكافة الطرقِ والوسائلِ المتاحةِ من دون أدنى رحمةٍ أو رأفةٍ، وبقدرِ الخوفِ من
تلك الوحوشِ يأتي العنفُ المضادُ لها. فالحرصُ على عداءِ الآخرِ، وممارسةُ العنفِ
معه، هو حرصٌ على الحياةِ المهددةِ بشكلٍ مستمرٍ من قبلهِ، وليكونوا هم أسودَ
الغابِ بين وحوشها كما يُمنيهم فكرهُم الديني كما جاء في سفر ميخا:«7 وتكونُ بقيَّةُ بَيتِ يَعقوبَ
في وسَطِ شُعوبٍ
كثيرينَ
كالنَّدى مِنْ عِندِ
الرّبِّ،
كقطراتِ المطَرِ على
العُشْبِ،
فلا يقوى علَيهِم
أحدٌ
ولا يُعوِزُهُم أيُّ إنسانٍ.8 وتكونُ بقيَّةُ بَيتِ يَعقوبَ
في وسَطِ شُعوبٍ
كثيرينَ
كالأسودِ بينَ
بهائِمِ الغابِ، وكالأشبالِ بَينَ قُطعانِ الغنَمِ، يَدوسونَ كُلَ عابرٍ
أمامَهُم
ويفترسُونَه ولا
منقِذَ.9
فلترتفِعْ أيدِيكُم
على خُصومِكُم
ولينقطِعْ جميعُ
أعدائِكُم.»[10].
فالعدائيةُ ولدتْ في الشخصيةِ اليهوديةِ من خلال نظرتِها للآخر، وتقسيمِها الناسِ
إلى يهودٍ و"غوييمٍ" وهذا التقسيمُ هو عقيدةٌ راسخةٌ في فكرهِم وسلوكِهم
الذي لا يجدونَ فيه حرجًا من استباحة مالِ الغيرِ ودمِه وعرضِه وكلِّ شيءٍ يُلْحقُ
الأذى به دون مراعاةٍ للوسيلةِ المستخدمةِ طالما أنها تُلحقُ الأذى المطلوب بغير
اليهود، و« كيف لا يفعلونَ ذلك وطبيعةُ التغايرِ
العنصريِّ في أصلِ التكوينِ تقتضي ذلك بحسب عقيدتِهم، فهم "أبناءُ اللهِ وأحباؤهُ"،
أما الأممُ "أعداءُ اللهِ ومحاربيهِ" وبما أنهم "أعداءُ الله"
فإنَّ اللهَ لا يعاقبُ أبناءَه وأحبَّاءَه على الجرائمِ التي يرتكبونَها في معاملةِ
أعدائِه من الأمم مهما كان شأنُها، بل يُسجّلُها لهم في صحائفِ قرباتِهم وحسناتِهم،
ويُثيبهم عليها، ولا يرضى عنهم إلا بها، ولا يَعفيهم منها إلا إذا كانوا مكرهينَ
أو مضطرين»[11]. ولا
أجدُ داعيًا لذكر الكثير من النصوصِ الدينية التي تعملُ على تغذية العداءِ في
الشخصية اليهودية تجاهَ الآخر وتحثُّهُ على إبادتهِ، وإنْ لم تفعلْ يلحقْها العقابُ
والتشردُ والفناءُ لعنصرهم الفريدِ. ومن هنا نجدُ أنَّ الطبيعةَ العدائيةَ وما ينتجُ
عنها من عدوانٍ ترجعُ إلى أوامر إلههِم، مما يُلْبِسُها ثوبَ القداسةِ في فكرهم
وسلوكهم.
وهذا ما يمارسهُ اليهودُ قولاً وفعلاً في
فلسـطين منذ وطئتها أقدامُـهم قديمـًا وحديثًا. وقد عبّرَ عن تلك العدائيةِ للعرب
"جولد شتاين" اليهودي الذي قام بمجزرة الحرم الإبراهيمي 1994: «إنَّ
العربَ مثل الوباء، سئمناهم.. هؤلاء العربُ مثل الوباء.. إنهم الجراثيمُ التي تنقلُ
إلينا الأمراض»، وأضاف: «إنَّ اليهودَ مثل الحملان بين سبعينَ ذئباً.. إننا نخدعُ
أنفسَنا عندما نُفكرُ أنّه من المُمكنِ التعايشِ معهم.. إنّه أمرٌ مستحيلٌ»[12].
3 – عناصرُ العِدائيَّة في الشّخصيَّةِ اليهوديَّةِ
داخل دورةِ الصِّراعِ:
فالعدائية في الشخصيةِ اليهوديةِ تقومُ على
أربعةِ عناصرٍ أساسيةٍ لا تنفصلُ عن الطبيعةِ الإنسانيةِ في دورةِ البقاءِ على قيدِ
الحياةِ داخلَ دورة الصراع في العلاقات البشرية، وهي:
أ-
العداءُ للآخرِ.
ب-
العَداوةُ وحبُّ الانتقامِ.
ت-
العُدْوانيةُ واللاعقلانيةُ.
ث-
العنفُ والعُدْوانُ.
أ – العِداءُ للآخر:
إنَّ العنصريّةَ تُشكّلُ القاعدةَ التي
تقومُ العدائيّةُ عليها باعتبارها المُكوّنِ الأول لحالةِ العِداءِ التي غُرستْ
في أعماقِ اليهودِ تجاهَ غيرهم من البشرِ، ولم تتركْ بينهما أيّ قناةِ للاتصالِ،
أو لغةٍ للحوارِ، أو مكافأةٍ في التكوينِ والمكانةِ تسمحُ بالحدِّ الأدنى من
التعاملِ الإنسانيِّ الراقي. فالفارقُ بين الطرفينِ لا يمكنُ تجاوزُه في الأصلِ، وإنَّ
التعاملَ بينهما يستندُ إلى ذلك الاختلافِ بينهما.
والعنصريةُ اليهوديةُ تنبثقُ بشكلٍ
أساسيٍّ من تراثهم الديني الذي يؤمنونَ به ويتناقلونَهُ عبر أجيالهم، وقد فَرضَ عليهم
هذا التراثُ أنْ يعيشوا حالةً اجتماعيةً فريدةً بقيمِها ومبادئِها الانعزاليِة النفسيةِ
والفكريةِ التي تقطعُ جميعَ عواملِ الاتصالِ والتفاعلِ مع الشعوبِ التي تحيطُ بهم.
ومن النصوصِ التي قامتْ العنصريةُ اليهوديةُ عليها ما نصهُ: «6
فأنتُم شعبٌ مُقدَّسٌ للرّبِّ إلهِكُمُ الذي
اَختارَكُم لَه مِنْ بَينِ جميعِ الشُّعوبِ التي على وجهِ الأرضِ»[13].
كما إنّ التلمودَ يوحي لليهود بـ :
- أن الأرضَ وما فيها من ميراثٍ هي لبني إسرائيلٍ
تُلْزِمُهم إرادةُ الربِّ أنْ يستولوا عليها.
- أنَّ كلَّ شريعةٍ، غير الشريعةِ اليهوديةِ
هي شريعةٌ فاسدةٌ.
- أنَّ كلًّ شعبٍ حرٍّ، غير شعبهم، قابضٌ
على السلطةِ هو شعبٌ غاصبٌ.
- أنَّ الربَ حرّمَ عليهم استعمالُ الشفقةِ
والرحمةِ.
وقد كان للعنصريةِ اليهوديةِ أثرًا بارزًا
في تنميةِ العداءِ تجاهَ الآخرِ على النحو التالي:
1- إنَّ
عقيدةَ العنصريةِ شكلتِ البنيةُ الذهنيةُ لليهود ونزوعهم الشخصيِّ والاجتماعيِّ في
نظرتهم إلى العالم، وحددتْ مسارَ حسِّهم العملي المُتَّسمِ بسماتِ الاحتقارِ والكراهيةِ
والحقدِ والاستعلاءِ، ورسمتْ لهم نمطًا من الحياة تضعُهم في موقع المركزِ من
العالم، وأباحتْ لهم كلَّ عملٍ يُلْحِقُ الأذى بالآخر.
2- ونتيجة
لهذه العنصرية انعكستْ نظرةُ الآخرِ لهم التي اتسمتْ بالسلبية والشك والريبة في كل
علاقاتِهم ومعاملاتِهم معهم.
3- أدّتْ
العقيدةُ العنصريةُ اليهوديةُ إلى بعث الخوف الدائم من الآخر، وتأجيجِ العدائيةِ
بشكلٍ مستمرٍ تجاههِ، والعيشِ ضمن أسوارِ "الجيتو" المعنويةِ والماديةِ.
هذا الجيتو أبعدَهم عن الاندماجِ في مجتمعاتِهم، وساهمَ في المحافظة على شخصيتهم
العنصرية.
5-
فرضتْ العقيدةُ العنصريةُ على المستوطنين
اليهودِ في فلسطين أن يكونوا وجهًا لوجهٍ أمامَ غرباءَ وثنيين غيرِ مرغوبِ فيهم
ويقيمونَ بين ظهرانيهم، كما إنَّ الاتصالَ مع هؤلاء قد تجرُّهم إلى الخطيئةِ
والإثمِ، وأنَّ الإقدامَ على طردِهم والقضاء عليهم بمثابةِ واجبٍ مقدسٍ.
ب – العَداوةُ وحبِّ الانتقامِ:
إنَّ العقيدةَ اليهوديّةَ عندما قسمتِ
البشرَ إلى قسمين: اليهودُ (شعبُ الله المختار)، وسائرُ الأممِ والشعوبِ (غوييم)،
فإنها بهذا التقسيمِ جعلتْ من العداء حالةً مفروضةً ومستحكمةً بين الطرفين لا يمكن
تجاوزُها إلا بالقضاء على الآخر ماديًا ومعنويًا. كما أنَّ من مستلزماتِ العداءِ ومقتضياته
زرعُ الحقدِ والكراهيةِ في النفوس وتغذيتُها على الدوام بالنصوصِ الدينية التي تجعلُ
من العداوةِ عملًا مقدسًا وواجبًا دينيًا عليهم الالتزام به وعدم التراخي أو
التهاون في تطبيقه في علاقاتهم مع تلك الشعوبِ التي يختلطون معها، كما يحرمُ عليهم
إظهارُ ما يمكن أن يساعدَ على التخفيف من تلك العداوةِ، فقد ورد في كتابهم: «7 ولا تَختَلِطوا
بهذِهِ الأمَمِ الباقيةِ معَكُم، لا تَذكُروا اَسمَ آلِهَتِهِم ولا تَحلِفوا بِها
ولا تَعبُدوها ولا تَسجدوا لها،8 بل بالرّبِّ إلهِكُم تَتمَسَّكون كما فَعلتُم إلى هذا اليومِ.9 والرّبُّ إلهُكُم طرَدَ مِنْ أمامِكُم أُمَمًا عظيمةً
قويَّةً ولم يَصمُدْ أمامَكُم أحدٌ إلى هذا اليومِ10الواحدُ مِنكُم يَهزِمُ ألفًا لأنَّ الرّبَّ إلهَكُم هوَ
المُحارِبُ عَنكُم كما وعدَكُم.11 فاَحرِصوا بأنْ
تُحِبُّوا الرّبَّ إلهَكُم.12 لكِنْ إنْ حِدتُم
عَنِ الرّبِّ واَختَلَطتُم بِبَقيَّةِ هؤُلاءِ
الأُمَمِ الذينَ بَقَوا معَكُم وصاهَرتُموهُم واَمتَزجتُم بِهِم واَمتَزَجوا
بِكُم،13 فاَعلَموا أنَّ
الرّبَّ إلهَكُم لا يعودُ يطرُدُ أولئِكَ الأُمَمَ مِنْ أمامِكُم بل يَصيرونَ لكُم
فَخا وشَرَكًا وسَوطًا على ظُهورِكُم وشَوكًا في عُيونِكُم حتى تزولوا عَنْ هذِهِ
الأرضِ الصَّالحةِ التي أعطاكُمُ الرّبُّ إلهُكُم »[14].
وقد حَرِصَ اليهودُ على توارثِ هذه
الكراهيةِ في أجيالهم وإذكاءِ نارِ الحقدِ في صدورهم خشيةَ اندماجِهم وذوبانِ
عنصرهم الفريد من خلال اختلاطهم مع الأمم التي يعيشون معها. وإنَّ إدراكَهم لأهمية
دورِ العداوةِ في المحافظة على وجودهم ومبادئهم، جعلَهم لا يتورعونَ في التحرشِ
بالآخر وإظهارِ الكراهيةِ والحقد عليه من خلال المساسِ بكلِّ مقوماتِ حياته بغية
إضمارِ الكرهِ لهم والتعديِ عليهم، وهذا باعتقادهم سينعكسُ إيجابيًّا عليهم من
خلال بقائهم خلفَ جدرانِ الانعزالِ الماديةِ والمعنويةِ ريثما يتمكنوا منه.
ونعلمُ أنّه كلما ازدادَ الكرهُ ازدادَ
الحقدُ وكلما ازدادَ الحقدُ أصبحَ حبُّ الانتقامِ عملًا مقدسًا تتحينُ النفسُ
الفرصَ والإمكاناتِ لإظهاره دفاعًا عن غريزة البقاء. ويرتبطُ الانتقامُ شدةً وقسوةً
ووحشيةً بحالة الخوف من الآخر ومدى عظمتِها وسيطرتِها على النفس.
فالكراهيةُ وحبِّ الانتقامِ من المقوماتِ
المهمةِ في العدائية اليهودية وعليها يتوقفُ فعلُ العودانِ وشراستهِ واستمراريته
في الشخصيةِ اليهوديةِ، وإليها يرجعُ نجاحُ الصهيونيين في تكتيلِ اليهودِ وتوحيدِهم
وتوظيفِهم في خدمةِ مخططاتِهم ومشروعاتِهم.
ج - العُدوانيَّةُ والَّلاعقلانيَّةُ:
إنَّ العدوانيةَ واللاعقلانيةَ كان لها دورٌ
مهمٌّ في حياة اليهود عبر التاريخ، حيث يُقِرُّ بذلك "شمعون بيريز" عندما
قال: إنَّ «..الشاذَ واللامعقولَ والاستثنائيَّ هو خبزُنا اليومي، وسواءٌ كنا يهودًا
أم إسرائيليين، سنبقى بطريقةٍ ما، شعبًا مختلفًا يثيرُ، على الدوام، العديدَ من التساؤلاتِ
الدقيقةِ التي نجدُ مشقّةً في إيجاد مثيلٍ لها لدى الشعوبِ الأخرى»[15].
وبالعودةِ إلى تراث اليهودِ الديني نلاحظُ أنهم قد ارتبطوا من خلاله بأمورٍ غيبيةٍ
لاعقلانيةٍ حددتْ نظرتَهم للحياة وللكون، ورسمتْ لهم طريقًا وحيدًا للوصول إلى
النهاية السعيدة.
فالعنصريةُ في نظرتهم لأنفسهم وللآخر، وامتلاكُهم
أرضًا مأهولة بالسكانِ واستباحةُ دمائِهم وأموالهم وأعراضِهم بوعدٍ إلهيٍّ لا يعلمُ
به أحدٌ سواهم، وارتباطُ مستقبلِهم بعصرٍ خلاصيٍّ عجائبيٍّ يقومُ على إبادة
الآخرين واستعبادِهم، كلّها أمورٌ غيبيةٌ لاعقلانية انبثقتْ من فكرهم الديني
وترسختْ في عقولهم، وجعلتْ من الحرب قائمةً في فكرهم وسلوكهم من أجل الوصول إلى
النهاية التي يحلمونَ بها.
ونتيجةً لهذه اللاعقلانيةِ كان تاريخُ اليهودِ
تاريخًا حربيًّا دمويًّا مليئًا بالغزو والعدوانِ وتغلبُ عليه صفةُ الشراسةِ والعنفِ،
وقد جلب عليهم ذلك الويلاتِ والدمارِ على أيدي الآشوريين والبابليين ومن بعدهم
الرومان الذين قضوا على وجودهم الاستعماري في فلسطين وأتوْا على ما بنوه فيها من
أحلامٍ توسعيةٍ.
كما تجلتْ في الشخصية اليهودية "ظاهرةَ
التوحد في المعتدي" ـ كما في علم النفس ـ أو "مرضَ الرغبةِ الدائمة في
الانتقام" أو "الخوفَ من تكرار حوادث الماضي" يعني أن يصبحَ
اليهوديُّ الضحيةُ معتديًا له ضحاياه يقتلُ بدلاً من أن يقتل[16].
وهذا ما عبرَ عنه "بيغن" في قوله: «إننا كصهاينةٍ نقتنعُ بفعاليةِ
الإبادة الجسدية، من أجل التخلصِ من أولئك الذين يريدونَ جعلَ حياتنا صعبة». بل
ربما كان "موشي دايان" أكثر تعبيرًا عن حالة الانفعالية والقلق التي يعاني
منها اليهودُ في حياتهم اليومية لاسيما في فلسطين عندما قال: «إننا جيلٌ من المستوطنين
ولا نستطيعُ غرسَ شجرةٍ أو بناءَ بيتٍ من دون الخوذةِ الحديدية والمدفعِ. علينا ألا
نغمضَ عيونَنا عن الحقد المشتعلِ في أفئدة مئات الآلاف من العرب حولنا. علينا ألا نديرَ
رؤوسَنا حتى لا ترتعش أيدينا إنه قدرُ جيلنا وخيارُه في أن نكونَ مستعدين ومُسلحين،
أن نكونَ أقوياءً وقُساةً حتى لا يقعَ السيفُ من قبضتنا وتنتهي الحياة».
فالروحُ العدوانيةُ التي اتسمتْ الشخصيةُ
اليهوديةُ بها نتيجة اللاعقلانية والانفعالية شكلتْ إحدى المقوماتِ الأساسيةِ في
الطبيعة العدائية فيها.
د – العنفُ والعُدْوانُ:
إنَّ العنفَ والعودانَ هو نتيجةٌ حتميةٌ
للمقوماتِ السابقة: العداءُ والعداوةُ والعدوانيةُ في دورةِ الصراع من أجل البقاء
ـ التي إذا ما توافرتْ في الشخص أو المجموعة البشرية يصبحُ العدوانُ مظهرًا من
مظاهرِ السلوك الطبيعي تجاه الآخر بشرطِ أنْ يمتلكَ القوةَ بعناصرها المتفوقةِ
عليه.
وإذا كان العُدوانُ سلوكًا ظاهريًّ تجاه
العدوِّ، فإنَّ العنفَ والإرهابَ صورةٌ من صورهِ المعبرةِ عن مكنوناتِ النفسِ
وطموحاتِها وأحلامِها، ويتناسبُ معها قوةً وضعفًا، نجاحًا وإخفاقًا. إذ كلما كانتِ
الآمالُ كبيرةً كان العدوانُ أكثرَ شراسةً وقوةً، وكلما كان هناك إخفاقٌ في الوصول
إليها كانَ العُدوانُ أبلغَ وسيلةٍ للتعويض عن ذلك، وكان الحرصُ على ممارسته أكثرَ
من ذي قبل خشيةَ تكرارِ الإخفاقِ مجددًا.
وبالعودة إلى العنف والإرهاب في السلوك اليهوديِّ
من خلال دراسة المقوماتِ الأساسيةِ في الطبيعة العدائية في الشخصية اليهودية السابقة،
نلاحظُ أنَّ العدوانَ الذي يمارسونَه في حياتهم هو نتيجةُ تظافرِ تلك المقوماتِ في
شخصيتهم بشكلٍ بِنْيَويٍّ تكويني يستحيلُ عليهم التخلي عنها لاسيما اليوم في مشروعهم
في فلسطين الذي يعتقدونَ أنَّه في حلقته الأخيرةِ من حياتهم الخلاصيّةِ التي
يعملونَ من أجلِ الوصول إليها.
فكلُّ العنفِ وكلُّ الإرهابِ من أجلِ ألَّا
يرجعوا خطوةً واحدةً إلى الوراء، لأنَّ ذلك يعني نسفٌ لكل ما أنجزوه إلى غاية
الآن، وضربةٌ لكلِّ طموحاتِهم وأحلامِهم، والسيرُ في طريق النهاية المأسويةِ لهم
التي يخشونّها بشكلٍ مستمرٍّ.
ومن خلال مكانة العنفِ والإرهابِ المميزة
في العقلية اليهودية جاءت الصهيونيةُ لتبني أيديولوجيَّتها على تلك القاعدةِ الكبيرةِ
لتحقيق الأهدافِ التي تريدُها، ولتجعلَ من العدوان وسيلةً وغايةً في آنٍ معًا. إذ
كيف السبيلُ لبناءِ دولةٍ واستمرارِها من دون تفريغِ "أرض فلسطين" من
سكانها الذي لا يمكنُ أنْ يتمَّ إلا عن طريقِ العنفِ وسحقِ الآخرين وإلغاءِ وجودهِم؟!.
من هنا أصبحَ العنفُ والإرهابُ العمودَ
الفقريَّ للصهيونيةِ وركنًا من أركانِ العقيدةِ الصهيونيةِ. ومن هنا جاءتْ أقوالُ زعماءِ
الصهيونيةِ لتُعزّزَ هذه العقيدة وتجعلَ منها قاعدةً يسيرونَ عليها، وحكمةً يتخلّقونَ
بها، وشعارًا يُحاربون تحتَه. فجابوتنسكي مُنظّرُ العنفِ والإرهابِ عند اليهودِ
يقول: «إنَّ قوةَ التقدمِ في تاريخِ العالمِ ليست للسلام بل للسيف»، ويرفعُ تلميذُه
"بيغن" شعارًا قال فيه: «لقد قامتْ دولةُ إسرائيل بالدمِ والنّارِ، وبالإكراه
والتضحياتِ، ولم تكنْ لتقومَ بغير ذلك، ولكنّنا لم ننتهِ بعد، يجبُ أن نحاربَ، وأنْ
نُكملَ قتالنا».
فالطّبيعةُ العدائيّةُ في الشخصيّةِ
اليهوديّةِ بمقوّماتِها الأساسيةِ هي الدافعُ الرئيسُ وراءَ ممارسةِ اليهوديِّ
القتال وكلِّ صُنوفِ العدوان تجاه الآخرين لاسيما الذين يسكنونَ باعتقاده أرضَ
الميعاد، وهي التي تحكمُ علاقةَ اليهودِ مع كلِّ الذين يتعاملونَ معهم في الحرب أوفي
السلم الذي هو في العقليّةِ اليهوديّةِ صورة أخرى للحربِ التي لا يعرفونَ سواها
منهجًا للحياة.
[1] - داود عبد العفو سنقرط: جذور الفكر اليهودي، ط1، دار الفرقان،
الأردن، 1983، ص 132-133.
[2] - رشاد الشامي: الشخصية اليهودية الإسرائيلية
والروح العدوانية، دار الهلال، العدد 624، ديسمبر 2002. ص242.
[3] - المرجع نفسه، ص240.
[4] - ابن منظور: لسان العرب، مج15/ ص33.
[5] - محمد عبد الرؤوف المناوي: التوقيف على مهمات
التعاريف، ط1، دار الفكر، بيروت، 1410. ص508.
[6] - محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي: مختار الصحاح، ط1، مكتبة
النوري، دمشق، 1979. ص419.
[7] - كمال الدسوقي: ذخيرة علوم النفس، الدار
الدولية، القاهرة،1988. مج1/ ص70.
[8] - كمال الدسوقي: ذخيرة علوم النفس، مج1/ ص71.
[9] - محمد عبد الرؤوف المناوي: المرجع السابق،
ص425.
[11] - عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني: مكايد يهودية
عبر التاريخ، ط2، دار القلم، دمشق، 1978. ص13.
[12] - جواد الحمد: المجازر الصهيونية ضد الشعب
الفلسطيني (1948-2000)، ط3، مؤسسة الأرض، دمشق،1980. ص71.
[13] - سفر التثنية. 7: 6.
[14] - سفر يشوع. 23: 7-13.
[15] - شمعون بيريز: الرحلة الخيالية مع ثيودور هرتزل
إلى إسرائيل، ط1، ترجمة يوسف ضومط، الأهلية، الأردن، 2001. ص5.
[16] - مجلة الباحث العربي: العدد (15)، 1988.ص35.