تَشهدُ الساحةُ السوريةُ الثوريةُ انقسامًا
وفرزًا حادًّا متسارعًا لمْ يعدْ يقتصرُ هذه المرة على حركةِ المقاتلين وتنقلاتهم إلى
هذه الجهة أو تلك الجهة وتموضعهم فيها وإنما تجاوزَ إلى الحاضنة في بُعدها
الجغرافي أيضًا، وهذا مؤشرٌ خطيرٌ ومقدماتٌ لانقسامٍ مجتمعيٍّ في الساحة الثورية
على أُسسٍ أيديولوجية يتحصنُ كلُّ فريقٍ من خلالها بحاضنته المدنية الخاصة به، والعمل
على إدخالها وإشراكها في الصراع بين الطرفين، وتحمل تبعات وأعباء وتكاليف هذا
الانقسام والفرز الذي تشهدُه الساحةُ الثورية السورية للمرة الثانية على النمط
الذي حصل مع ظهورِ "تنظيم الدولة" عام (2014) الذي ما زالتِ الحاضنةُ
الثوريةُ هي التي تدفعُ ثمنَه الباهظَ الذي فاقَ كلَّ التصورات والإمكانات البشرية
في قدرتها على التحمل، وكانت أحدَ أهمِّ الأسباب التي قسمتْ ظهرَ الثورة من الداخل
وأدَّتْ إلى ما آلت إليه لصالح النِّظَام في غالبية المناطق وكانَ آخرُها معركةَ
حلب وإعادة احتلالها من قبله.
إنَّ اختلاطَ القُوى الثورية على اختلاف أيديولوجيتها وخلافاتها وصراعاتها
البينية هو مظلة حماية مهما كانتْ هشةً أمام العدو. وتَبقى المعاناةُ والمصائبُ
عاملَ تقاربٍ في الحاضنة الثورية، وعامل مؤثر إيجابي على المقاتلين. ولكن في الفرز
سيكونُ عكسُ ذلك تمامًا وتداعياته الخطيرة سترتسم معالمها القاسية على المشهد
السوري من خلال مجريات الأحداث الميدانية والحراك السياسي في الأيام القادمة.

الإبتساماتإخفاء الإبتسامات